ليبيا .. رئيسان للوزراء وانتخابات مؤجلة

أحمد صقر /

مرةً أخرى، تجد ليبيا التي تمزقها الفوضى نفسها أمام شخصين يطالبان بحقهما في السلطة.

نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تقريرًا أعدَّه مراسلها الدولي بورزو دراجاهي، والذي يُغطي شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وأوروبا، سلَّط فيه الضوء على الاضطرابات السياسية التي تنتظرها ليبيا بعد انتخاب مجلس النواب الليبي – الذي يتخذ من شرق البلاد مقرًّا له – رئيسًا جديدًا للوزراء من دون إجراء انتخابات وفي ظل بقاء رئيس الحكومة المؤقتة في منصبه.

محاولة اغتيال لرئيس الحكومة المؤقت واستبداله المزعوم!

استهل المراسل تقريره بالإشارة إلى أن ليبيا انزلقت في مزيد من الفوضى السياسية والاضطرابات بعد انتخاب مجلس النواب الليبي – الذي يتخذ من شرق البلاد مقرًا له – رئيسًا جديدًا للحكومة بعد مرور ساعات فحسب من تعرض رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، لمحاولة اغتيال فاشلة.

يوضح التقرير أن مجلس النواب الليبي اختار فتحي باشاغا، الذي شغل منصب وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني السابقة في طرابلس، رئيسًا للوزراء بعد جلسة عاصفة للبرلمان الموجود في شرق البلاد، حتى على الرغم من رفض الدبيبة، رئيس الوزراء الحالي، أن يحل شخص آخر محله، وفي وقتٍ سابقٍ من يوم الخميس، زعمت مصادر مقربة من الدبيبة أن مسلحين أطلقوا النار على سيارته المدرعة، وهرب المعتدون ولم يُصب الدبيبة بأي أذى، وأفادت المصادر أن المدعي العام الليبي فتح تحقيقًا في محاولة الاغتيال.

ويؤكد التقرير أن اختيار مجلس النواب الليبي، الذي يتخذ من شرق ليبيا مقرًا له، لباشاغا يُعد انتكاسة كبيرة للبلاد، التي كافحت لسنوات عديدة من أجل توحيدها، لكنها أصبحت حاليًا فجأة منقسمة مرةً أخرى، في ظل التنافس على قيادتها.

وكانت الأمم المتحدة قد أشرفت على عملية اختيار الدبيبة لتولي منصب رئيس الوزراء المؤقت قبل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ولكنها أُجِّلت بعد ذلك، وحثَّت الأمم المتحدة الليبيين على الاحتشاد والتجمع دعمًا لإجراء الانتخابات والتصويت بدلًا من تولي سلطة مؤقتة مقاليد الحكم.

البلاد على موعد مع الانقسام من جديد

يشير التقرير إلى أن ليبيا كانت تعيش حالةً من الفوضى والأزمات المستمرة منذ انتفاضة 2011 التي دعمها حلف الناتو، والتي أطاحت بالنظام الديكتاتوري لمعمر القذافي الذي استمر أربعة عقود، وكانت البلاد منقسمة بين حكومة وسلطة في شرق البلاد بقيادة أمير الحرب خليفة حفتر، وبين حكومة ائتلافية مفككة من الميليشيات المتمركزة في مدن غرب البلاد وقبائلها.

وأدَّى استمرار العنف وحالة انعدام سيادة القانون، بالإضافة إلى عديد من الصراعات الرئيسة، إلى تدمير صناعة النفط في البلاد، ودفع الليبيين إلى الفرار إلى خارج البلاد، ومن المحتمل أن يسفر اختيار مجلس النواب الليبي في شرق البلاد باشاغا لتولي منصب رئيس الوزراء إلى تقسيم الجزء الغربي من البلاد والمساعدة في دعم موقف حفتر أو عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب والرجل الذي أصر يوم الخميس على التصويت لاختيار رئيسٍ للوزراء.

ومن جانبه، تعهد الدبيبة، رجل الأعمال الذي يشغل منصب رئيس الوزراء المؤقت منذ مارس (آذار) 2021، بأنه سيظل في منصبه حتى الانتخابات، وصرَّح الدبيبة في خطاب أدلى به يوم الثلاثاء الماضي قائلًا: «لن أسمح بفترة انتقالية جديدة، وستستمر حكومة الوحدة الوطنية حتى تسليم السلطة إلى إدارة منتخبة».

ويختم المراسل تقريره بالتنويه إلى أن كلًّا من عقيلة صالح والدبيبة وباشاغا وحفتر وسيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الراحل، يتطلعون جميعًا للترشح لمنصب رئيس الوزراء في الانتخابات المؤجلة حاليًا.

وفي ظل وجود كثير من القضايا على المحك وكثير مما لا يزال دون حل، أبدت المليشيات استياءها، وأغلقت المليشيات المطالبة بتأجيل الانتخابات الطرق في أجزاء من طرابلس؛ مما أثار تحذيرات من بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بأن التوترات قد تنفجر إلى أعمال عنف.

ويظل كل جانب في الانقسام الرئيس بين الشرق والغرب مستعدًا للقتال، مدعومًا بالمرتزقة الذين يقدمهم مؤيدوهم الأجانب الذين لم ينسحبوا بعد، وفي حين أن العدد الحالي من المرتزقة غير معروف، تُقدر الأمم المتحدة أن عددهم بلغ 20 ألفًا، من بينهم سوريون وروس وسودانيون في البلاد.

ما التالي؟

أضافت الوكالة أن عدم إجراء الانتخابات في موعدها المخطط له يهدد بخلق فراغ سياسي؛ إذ جادل المشرعون بأن مدة تفويض الحكومة المؤقتة انتهت في 24 ديسمبر، ويقولون إن الحكومة فشلت في مهامها الأساسية المتمثلة في إعداد البلاد لإجراء الانتخابات وتوحيد مؤسساتها وتفكيك المليشيات أو إدماجها في قوات الأمن النظامية.

وحذرت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روز ماري ديكارلو الأربعاء، من مغبة وجود حكومتين موازيتين في ليبيا، إذا لم يتم تحديد موعد لإجراء الانتخابات.

وخلال جلسة لمجلس الأمن حول “الحالة في ليبيا”، دعت ديكارلو إلى “إحراز تقدم في الجهود الرامية إلى سحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا”. وقالت إنه “إذا لم تتم إعادة جدولة الانتخابات الموعودة بسرعة في ليبيا، فإن هناك تهديدات بوجود حكومتين متوازيتين”.

وجراء خلافات بين المؤسسات الرسمية الليبية بشأن قانوني الانتخاب ودور القضاء في العملية الانتخابية، تعذر إجراء انتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ضمن خطة ترعاها الأمم المتحدة.

وأضافت ديكارلو “طالما استمرت المواجهة حول القيادة الليبية، فإن احتمالات إجراء انتخابات نزيهة وسلمية تتضاءل ومن المرجح أن تتسع الانقسامات”، مضيفة “ليبيا تواجه الآن مرحلة جديدة قد تعكس المكتسبات التي تحققت في العامين الأخيرين”.

.