هل يُعاني المسلمون من الاضطهاد في أوروبا؟

أحمد الجمال /

قضيّة شديدة الحساسية بين خطابين يبدوان على خلاف جذري، رغم وجود مُحاولات لتخطي هذا الخلاف في أوروبا، تُسيطر ما بين الحين والآخر نبرة حذرة من الآخر، وما قد يُمثّله من تهديد للمجتمع الأوروبي، الوقت الحالي من الأحيان التي تسيطر فيها هذه النبرة، ورغم احتفاء أوروبا بتاريخها الطويل في تنحية الاعتبار الديني على أي مُستوى، لا تزال النعرات الدينية حكمًا ووجهة تُؤطر الخطاب الثقافي، في أوقات الأزمات بخاصة.

لا يُمكن القول بالجملة إن المسلمين يُعانون من الاضطهاد في أوروبا أو الغرب عمومًا، فالآن ثمّة مسئولون حكوميون من أصول عربية مُسلمة في عدة دول.

وإجمالًا يحكم القانون التعامل مع المسلمين وغيرهم، سواءً مواطنين أو مُقيمين، هذا على المُستوى الرسمي الذي يشهد أحيانًا خَرقًا لما يمكن اعتباره قاعدة عامة.

أما على المستوى المجتمعي، فبطبيعة الحال، تلعب الظروف المحيطة، فضلًا عن الخطاب الإعلامي، دورًا في تحديد بوصلة التعامل مع المسلمين.

على سبيل المثال، وفقًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) فإن نسبة التحريض والعمليات العدائية ضد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية تضاعفت 5 مرات عما كانت عليه قبل أحداث 11 سبتمبر على جانب آخر، شهدت كندا فصلًا آخر من الحكاية على خلفية هجمات باريس، حيث شهدت إضرام مجهولين النيران بأحد أكبر المراكز الإسلامية في كندا.

بلا شك، يمثل هذا الهجوم خطابًا موجودًا في كندا أكثر عدائية تجاه المسلمين، لكنّ مع الإرادة السياسية – الشعبية التي أطاحت برئيس الوزراء اليميني المتشدد ستيفن هاربر، في مقابل صعود جاستن ترودو، الذي يأتي ببرنامج أكثر تعاونًا وسعيًا نحو اندماج الأقليات في المجتمع الكندي، وعلى رأسها الأقلية المسلمة؛ أكد على أنّ المسلمين جُزء من المجتمع الكندي مُتعدد الأصول.

فرنسا تختلف قليلًا عن غيرها، الحديث عن فرنسا والعلاقة بين الأقلية والأكثرية أو الأقلية والنظام، يقتضي النظر بتفحص جاد للسردية التاريخية لبلاد “الحرية والأخوة والمساواة”، فهناك كل ما يخص الاعتقاد والمعتقد يتم التعامل معه بجدية تامة، تقريبًا لا مُهادنة فيها، ويُمكن القول: إنه من هنا اندلعت شرارة الثورة الفرنسية التي دامت سنوات طوال، ومن هُنا أيضًا خاضت فرنسا حربًا شرسًا ضد مظاهر إسلامية اعتبرت أنها تُمثّل تهديدين، واحدٌ للسلم العام، والآخر للهوية الثقافية للبلاد الذي هو أحد جوانب السلم العام، لا في العقل الجمعي الفرنسي وحده، لكن أيضًا لدى قطاع عريض من الأوروبيين عامة.

في ألمانيا لا يختلف الحال عن بقية دول أوروبا فالمساجد تخضع للرقابة، وبعض أفراد التيارات اليمينية يهاجم المساجد، إلا أن الدولة الألمانية لا تضيق الخناق على المسلمين أو المساجد، اللهم بعض الجمعيات الدينية المتهمة بالإرهاب. لقد لعب الإعلام الألماني في الماضي دورا كبيرا في تغذية الكراهية للمسلمين، مما أدى لبزوغ حركات يمينية متشددة ضد الإسلام والمسلمين.

ولا ننسى حرة “بيغيدا” وحزب afd وغيرهم.

المسيطرون على مساجد أوروبا

المساجد والمراكز الإسلامية هي بمثابة ملاذ ثقافي واجتماعي بالنسبة للمسلمين في أوروبا، وبالنسبة للسلطات فهي كالوسيط بينها وبين المجتمع المسلم، لذا لم تكن السلطات الأوروبية شديدة التعنت أمام إقامة تلك المراكز والمساجد، وبالطبع لا يُمكن إغفال عاملي الحصر والمراقبة الذين يجعلان منها نقاطًا مثالية لمراقبة العنصر المسلم في المجتمع، فضلًا عن احتوائه أو توجيهه إن لزم الأمر.

بالإضافة إلى هذه النقطة، لا يمكن أيضًا إغفال عاملي المال والسياسة في التأثير على المراكز الإسلامية في أوروبا وتوجهاتها وتحركاتها، ولفترة طويلة كان للملكة العربية السعودية اليد الطولى في إنشاء وإدارة المراكز الإسلامية التي دخل بعضها أعضاء جماعات إسلامية حركية، استطاعوا السيطرة عليها والانطلاق منها؛ لعمل تنظيمي مدني أوسع.

بعد سنوات دخلت تركيا على خط إقامة المراكز الإسلامية ودعم وتمويل المساجد في أوروبا، وقد ساعدها على ذلك انتشار الأتراك في أوروبا من جهة، ومن أُخرى صورة الإسلام المعتدل التي تُحاول الإدارة التركية تصدير نفسها كممثل له؛ الإسلام الذي لا يتعارض كثيرًا مع المبادئ العلمانية في الحكم، بل ربما يعزز من موقف المسار الديمقراطي في دولةٍ مثل تركيا.

ومع مشروع قطر الطموح لتأسيس دور فعّال لها في المنطقة والعالم، والذي بدأ تحديدًا مع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، حاكم قطر السابق، بدأت قطر في خلق وجود لها في الساحة الإسلامية في أوروبا، بدايةً من تمويل ودعم ترميم وإعادة إعمار الآثار الإسلامية في بعض دول أوروبا الشرقية، نهايةً بإنشاء جُملة من المراكز والمساجد، بينها مساجد تُعد الأولى في بلدان حُرمت الوجود الديني لعقود قبعتها تحت الحكم الشيوعي.

يمكن القول إذًا إنّ هذه الدول الثلاث: (السعودية وتركيا وقطر) هي القوى المسيطرة بشكلٍ أساسي على المساجد في أوروبا، بالإضافة إلى جماعات وحركات إسلامية استخدمتها لخلق حالة نفوذ اجتماعي وثقافي وسياسي في بعض الأحيان، كجماعة الإخوان المسلمين، والتبليغ والدعوة، وجماعات صوفية، وسلفية. هذه الجماعات إما أنها في هذه الحالة تمثّل ذراعًا أو على الأقل حليفًا لدولة من الدول الثلاث المذكورة، أو غيرها كالإمارات العربية المتحدة التي تدعم تيارًا صوفيًا في أوروبا كما في العالم العربي. أو أنّها تُمثّل نفسها ومشروعها الذي رُبما يكون مُناهضًا لإحدى هذه الدول، كجماعة فتح الله كولن المناهضة لسياسات أردوغان وحزبه الحاكم لتركيا.

.