هل تجرؤ أوروبا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

محمد عبد المنعم

من المستبعد أن تقوم أمريكا بـ”الاعتراف بدولة فلسطينية” رغم عن أنف إسرائيل، حتى لو سربت الإدارة الأمريكية تقارير عن بحثها أفكاراً بهذ الشأن.

فقد طلبت واشنطن من محكمة العدل الدولية ألّا تأمر بالانسحاب غير المشروط للقوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية، أثناء نظرها في طلب للحصول على رأيها بشأن شرعية الاحتلال، وهو الطلب المحال من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2022 من المحكمة.

ولكن الاتحاد الأوروبي الأقرب للمنطقة، والذي يحاول تقديم نفسه متحدثاً باسم الضمير الإنساني، غيّر لهجته جزئياً، ولوحت بعض دوله بالاعتراف بالدولة الفلسطينية بشكل فردي، وألمح مسؤول سياسته الخارجية إلى الكتلة الأوروبية هي الأقرب للمنطقة، وأنها الشريك الأكبر لتل أبيب والممول الأكبر لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وكأن لسان حاله يقول إن الاتحاد هو من يدفع ثمن الانحيازات الغربية وبالأخص الأمريكية لدولة الاحتلال.

ويبقى السؤال: هل يظل ذلك مجرد تغيير في اللهجة، أم يتحول لأفعال واقعية تنتهي بـ”إقامة دولة فلسطينية”، في ظل قدرته الفعلية على الضغط على إسرائيل لو أراد؟  حيث إن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل، ويمنح دولة الاحتلال مكانةً تجاريةً مفضلةً، ويساعد في تمويل البحث العلمي الإسرائيلي وتطويره، من خلال برنامج Horizon 2020 الضخم.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حذَّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، من مواجهة الاتحاد مشاعر عداء متزايدة من العالم الإسلامي وخارجه، بسبب اتهامات الانحياز لإسرائيل وازدواجية المعايير تجاه الحرب في غزة، ما قد يضر بسمعته.

حديث عن إمكانية فرض عقوبات، ولكن لم يسفر عن شيء

في يناير الماضي، كشفت صحيفة “فايننشيال تايمز”، أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى درسوا فرض عقوبات على إسرائيل قبيل اجتماع لهم، في ظل إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على رفض الاعتراف بدولة فلسطينية والمضي قدماً فى حل الدولتين. وحثت مفوضية الاتحاد الأوروبي، حسب الصحيفة، الدول الأعضاء فيه على فرض “عقوبات” على إسرائيل، إذا استمر نتنياهو في رفض الاعتراف بدولة فلسطينية.

ولم يخرج الاقتراح للنور، ولكن مسؤولاً بالاتحاد الأوروبي قال إن الاقتراح يعكس غضباً كبيراً بين العديد من أعضاء الاتحاد، البالغ عددهم 27 دولة، بسبب رفض إسرائيل الاعتراف بدولة فلسطينية والمشاركة في خطة الدولتين.

ولكن لم يخرج أي موقف رسمي بشأن فرض عقوبات على إسرائيل.

هناك حاجة للتفكير في فرض حظر للأسلحة على تل أبيب

في الأسابيع القليلة الماضية، اتخذ الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، مبادرة، للتنديد بالتصريحات السابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي ادعى فيها أهمية تمويل حماس لزيادة تقسيم الحركة الوطنية الفلسطينية وتقويض السلطة الوطنية الفلسطينية كشريك في المفاوضات.

كما طلب من الولايات المتحدة تقديم “أسلحة أقل” لإسرائيل

مشروع خطة أوروبية لإطلاق مفاوضات إقامة دولة فلسطينية

لقد جاء في وثيقة غير رسمية تم طرحها في مفاوضات مغلقة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والتي وزعتها خدمة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء في يناير/كانون الثاني. وتسعى الوثيقة إلى تحديد الخطوات العملية لإعادة إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط.

وكانت الوثيقة سياسية بحتة. ولم يكن هدفها معالجة هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما تلا ذلك – أي إطلاق إسرائيل العنان لحرب إبادة جماعية على غزة- بل بالأحرى معالجة الأسباب الجذرية للصراع واحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967.

واعترفت الورقة بالواقع المأساوي للعنف الإسرائيلي اليومي ضد الشعب الفلسطيني في كل من غزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، والذي استمر لعقود قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي لم تتم تغطيته عنه إلى حد كبير.

إن حقيقة إمكانية إصدار وثيقة كهذه ضمن لجنة تحكمها أورسولا فون دير لاين، رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، كانت في حد ذاتها معجزة.

الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في الورقة غير الرسمية هو الفقرة 11، التي تقول: “بمجرد الانتهاء من خطة السلام، ينبغي تقديمها إلى الأطراف المتنازعة.. وسيكون عليهم التفاوض على النص النهائي.

ومن أجل تعزيز تلك المفاوضات، يجب على الدول المساهمة والمنظمات الدولية في تلك المرحلة أن تحدد العواقب جراء المشاركة أو عدم المشاركة في خطة السلام”.

لقد أعادت الورقة غير الرسمية التي أعدتها خدمة العمل الخارجي الأوروبي في الأساس اقتراح إنشاء مجموعة اتصال مثل المجموعة الرباعية (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا)، والتي قامت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بصياغة ما يسمى بخريطة الطريق، والتي للأسف لم تصل إلى أي طريق.

عراقيل كبرى أمام احتمال معاقبة إسرائيل ولكنها خسرت معركة مهمة

قد يكون الطريق ما زال بعيداً عن الوصول لمرحلة فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على إسرائيل في ظل الدعم اللامتناهٍ للدولة العبرية من الدولة القائدة بالاتحاد ألمانيا، كذلك بعض الدول الداعمة تاريخياً لإسرائيل بشمال أوروبا، مثل هولندا.

إضافة لموقف دول أوروبا الشرقية الذي يركز على مغازلة واشنطن، وفي ظل أن أي خطوة أوروبية بشأن العقوبات أو التقدم نحو الاعتراف بدولة فلسطينية تحتاج لإجماع صعب الحدوث.

إذا تم أخذ هذه التحركات بشكل فردي، فقد لا تضيف الكثير. لكنها مجتمعة توفر إحساساً واضحاً بأن المزاج العام يتغير وأن إسرائيل – على الأقل – بدأت تخسر معركة السرد”.