هل تتفكك حكومة ألمانيا ؟

 

عادل فهمي

 

على مدار 14 عاماً تقريباً من توليها منصب مستشارة لألمانيا، حدَّدت أنجيلا ميركل وجسدت أرضية مشتركة لأوروبا: براغماتية، توافقية، داعمة لمنافع التجارة المُربِحة، بورجوازية صغيرة، وفوق كل شيء مستقرة.

لذلك لا عجب أنَّ زعيمة القوة الاقتصادية الرئيسية بين دول أوروبا الوسطى هيمنت على المركز السياسي لفترة طويلة.

 

ماذا لو سقطت ميركل ؟

هذه أسئلة تزداد إلحاحيتها في الوقت الذي تكافح فيه الزعيمة الأوروبية، التي كانت في يوم من الأيام حصينة، من أجل الحفاظ على تماسك ائتلافٍ ممزق.

فقد انزلقت حكومة أنجيلا ميركل إلى صدامٍ مفتوح، في الوقت الذي تصارع فيه المستشارة المُحنَّكة لاحتواء الجدل الدائر داخل تكتلها السياسي المحافظ حول سياسة اللجوء.  

حسب صحيفة The Financial Times فقد وضع الصدام ميركل في مواجهة مع هورست زيهوفر وزير الداخلية ورئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي csu ، وهو الحزب البافاري الشقيق للاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه ميركل. لكنَّ هذه التوترات بين الحزبين تسلط الضوء على وجود  خلافٍ أكبر بين السياسات الألمانية ونظيرتها الأوروبية حالياً، في الوقت الذي يواجه فيه القادة الأوروبيون ثورةً شعبية بسبب ارتفاع أعداد اللاجئين الذين يتوافدون إلى القارة منذ 2015.

وكان من المقرر أنَّ يستعرض زيهوفر خطةً لتشديد نظام اللجوء إلى ألمانيا، لكنَّه اضطر لإلغاء الحدث بعد أنَّ رفضت ميركل التصديق على إجراء واحد مهم تتضمنه حزمة الإجراءات التي طرحها الوزير. إذ يرغب زيهوفر في السماح للشرطة الألمانية على الحدود برفض عبور اللاجئين في حال كانوا مسجلين بالفعل لدى دولة أوروبية أخرى. بيد أنَّ ميركل قالت إنَّ هذه السياسة تأتي خلافاً لمسعاها لتطبيق حل أوروبي جماعي لمشكلة اللاجئين.  

 

صراع سياسي لاغير

وأعربت المستشارة الألمانية عن أملها في أنَّ يُحَل هذا الخلاف، غير أنَّ تدخُّلها لم يساعد كثيراً على تهدئة التوترات، أو حتى إيقاف الحرب الكلامية بين داعميها ومسؤولي الحزب الذين يدعمون الموقف المتشدد لزيهوفر.

وحذر ماركوس بلوم الأمين العام للاتحاد الاجتماعي المسيحي من أنَّ حزمة الإجراءات التي طرحها زيهوفر للتعامل مع اللجوء تعد “قضيةً مصيرية” لألمانيا، وأي شخص سيسلك منعطفاً خاطئاً في هذه المسألة سيرتكب خطيئة ضد بلده ويخاطر بمستقبل الوحدة (بين الاتحادين الاجتماعي المسيحي  csu، والديمقراطي المسيحي  cdu) كحزب واحد يمثل الشعب”. 

في حين قال محللون ومسؤولون إنَّ النزاع بين ميركل وزيهوفر يُعَد تكراراً جزئياً لمشهد الجدل السياسي الذي أحاط بقرار المستشارة بقبول أكثر من مليون طالب لجوء من سوريا وأفغانستان ودول أخرى منكوبة في الفترة التي ضربت فيها أزمة اللاجئين أوروبا بين عامي 2015 و2016.

ويضيف التقرير: لطالما اعتبر منتقدو ميركل المحافظون من داخل حزبها أنَّ قرارها خطأٌ مصيري مهَّد الطريق أمام صعود حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف. إذ نجح هذا الحزب العام الماضي 2017 في دخول البرلمان الاتحادي لأول مرة، بعد انتزاعه آلاف الأصوات من ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي.

من جانبه، قال كارستن شنايدر، وهو مشرِّعٌ بارز في الحزب الديمقراطي الاجتماعي ورئيس كتلة الحزب داخل البرلمان: “لدي انطباع بأنَّ هذا السؤال يدور في جوهره حول من لديه السلطة داخل ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي. هذا تكرار للنزاع الذي اشتعل في 2015″.

ويُعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي csu شريكاً صغيراً داخل الائتلاف الضخم لميركل، لكنَّه يكتفي حتى الآن بمراقبة الخلاف الدائر في معسكر المحافظين من على المقاعد الجانبية.

 

حزب البديل يرعب زيهوفر

وبالنسبة لزيهوفر والاتحاد الاجتماعي المسيحي، يشكل حزب البديل من أجل ألمانيا على وجه التحديد تهديداً سياسياً حاداً. إذ من المقرر أنَّ تعقد ولاية بافاريا انتخاباتها الإقليمية في نوفمبر العام الجاري ، وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنَّ أداءً قوياً من جانب البديل من أجل ألمانيا يُمكِن أنَّ يُفقِد الاتحاد الاجتماعي المسيحي غالبيته الساحقة الثمينة في الولاية.

فيما حذر دانييل جونتر – رئيس وزراء ولاية شليسفيغ-هولشتاين المُنتَمي إلى الاتحاد الديمقراطي المسيحي- الحليف البافاري لحزبه من عدم تصعيد النزاع. وفي حوارٍ مع مجلة دير شبيغل  قال: “أنصح الجميع بعدم الدخول في مزايدة مع حزب البديل من أجل ألمانيا. وأعتقد أيضاً أنَّ الانتخابات الإقليمية الوشيكة لا يمكن أنَّ تكون سبباً للتغاضي عن كل شيء”.

 

ولدى ميركل أيضاً حافزٌ قوي للتشبث برأيها، لاسيما لأنَّ أية خطوة أحادية الجانب لغلق الحدود الألمانية الآن يمكن أنَّ تُعتبر تخلِّياً عن الموقف الذي اتخذته في عام 2015. وأوضحت المستشارة أيضاً في الأيام الماضية أنَّها تريد صياغة نهج أوروبي موحد نحو سياسة اللجوء.

وتدعو خطتها إلى عدة أشياء من بينها تأسيس وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي للاجئين لتولي طلبات اللجوء الفردية والتعامل مع المهاجرين في أثناء عبورهم إلى داخل أراضي الاتحاد الأوروبي.

وحذرت ميركل في حديثٍ من أنَّ الجدل حول الهجرة “يُمكِن أنَّ يُلحِق ضرراً شديداً بأوروبا”.