من وحي العزل التطوعي

الدليل ـ برلين

يبدو أن متغيرات كبرى ستلحق بعالم ما بعد رعب كورونا، وقد تفضي إلى زعزعة ركائز النظام الدولي الراهن، ليفسح المجال واسعًا لإرساء نظام دولي جديد.

ـ كورونا تخطى مفهوم الوباء الذي بات يضرب العالم ويحصد الأرواح ويلحق الخسائر المادية ويسبب انهيارا في اقتصاد العالم ويصبح محور سجال وصراع أممي بين أمريكا والصين، إنه صراع النفوذ والاستحواذ والهيمنة على مقدرات العالم…

ـ وباء كورونا أحد الاختبارات الأكبر لقدرات هذا النظام في الاستمرار على البقاء بأطره الحالية؛ فالعالم كله مشغول على جميع المستويات بمتابعة أخباره، ويتعاظم قلقه مع اتساع وتيرة انتشاره إلى جميع دوله، العديد منها غير قادر بالمرة على مواجهة تداعياته كما أن هناك شكوكا حول مدى توافر هذه القدرات لدى الدول المتقدمة، فهو تحدٍّ حقيقي للنظام العالمي القائم”.

ـ ما قبل كورونا لن يكون ما بعد كورونا، بعد أن أدركت أوروبا ودول أخرى حليفة لأمريكا حقيقة المواقف والسياسات الأمريكية، بحيث بات يُتوقع استقلالية القرار والموقف لأوروبا بعد أزمة كورونا، ولا شك أن حقائق كثيرة ستتكشّف في الأسابيع والأشهر المقبلة، وهناك خبرات بديلة في الصين وغيرها، يمكن أن تُشَكِّل طوق نجاة للعالم بدلا عن أمريكا.

ـ على الرغم من كل هذا، يمكن القول إن الوباء على قساوته وخطورته، يشكل محكًا لمراجعة الذات والوقوف على الاختلالات، ومحاولة تجاوزها بسبل علمية وعقلانية في المستقبل.

فقد مكّن هذا الانتشار من إيقاظ الشعور بالمواطنة، كما حفّز على التضامن في عدد من البلدان، وأبرز أيضًا أهمية توفير بنيات طبية في مستوى المخاطر والتحديات، وحيوية الاستثمار في مجال البحث العلمي باعتباره البوابة الحقيقية نحو التقدم، وتحقيق الأمن بمفهومه الإنساني الشامل.

ـ نُدرك جيّدًا أنّ هُناك حربًا كلاميّةً واتّهامات مُتبادلة بنشر الفيروس بين الولايات المتحدة والصين، وهناك صراع نفوذ بات يستحوذ على الاهتمام، الخُبراء الصينيّون وصلوا تطوّعًا إلى إيران وإيطاليا وكل بلد منكوبة بهذا الفيروس تطلب المُساعدة، ومجّانًا، بعيدًا عن الدعاية الإعلامية، ولم نسمع أنّ خبيرًا أمريكيًّا واحدًا وصل إلى هذه الدول، والأكثر من ذلك أنّ إدارة ترامب لم تتعاطف مُطلَقًا مع الشّعب الإيراني في محنته الحاليّة.

تبرعت الصين في الأسابيع القليلة الماضية بأجهزة للكشف عن فيروس كورونا المستجد لكمبوديا، وأرسلت طائرات محملة بأجهزة تنفس صناعي وأقنعة واقية وطواقم طبية إلى إيطاليا وفرنسا، وتعهدت كذلك بمساعدة الفلبين وإسبانيا ودول أخرى، وأوفدت أطباء إلى إيران والعراق.

الرئيس الصيني شي جين بينغ أعرب عن مواساته لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، قائلاً: “بعد الغيوم تشرق الشمس”، وأضاف أنَّ الدولتين يجب أن تعززا التعاون والتواصل إثر تفشي هذا الفيروس.

ـ يعتمد العالم بشكل كبير على المنتجات الصينية في مواجهة كورونا، وتُعد الصين المنتجة الأساسية للكمامات الجراحية وعززت إنتاجها أكثر من عشرة أضعاف وباتت قادرة على تزويد العالم بها. وتنتج الصين الغالبية العظمة من المكونات الصيدلانية النشطة المستخدمة في صناعة الأدوية المضادة للالتهابات الثانوية الناجمة من الإصابة بكورونا.

وتسعى الصين من خلال تقديم الدعم لدول مثل إيطاليا، تسليط الضوء على الصعوبات التي واجهتها الدول الأوروبية في مساعدة بعضها البعض، ووضع نفسها في مقارنة مع الولايات المتحدة، التي تصب في صالحها. وبينما يصدم ترامب أوروبا بفرص حظر سفر عليها، تبرز الصين على أنها صديق كريم وغير أناني.

ـ لقد أتاحت الصين للعالم الوقت للاستعداد لهذا الوباء”

ـ في الوقت الذي تعاني فيه دول أوروبية غنية من الضغوط على نظامها الصحي بسبب فيروس كورونا، كما هو الحال في بريطانيا وإسبانيا وفرنسا، تبدو الأوضاع أكثر صعوبة في الدول التي تعاني من قلة الموارد، خاصة إذا كانت تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين.

وحسبما يقول ديفيد ميليباند، رئيس اللجنة الدولية للإغاثة أن اللاجئين، والعائلات التي اضطرت للنزوح من مساكنها بسبب الحروب والصراعات، معرضون لمخاطر أكبر بسبب إنتشار فيروس كورونا.

وحذرت عدة منظمات تعمل في مجال إغاثة ودعم اللاجئين من الآثار الكارثية على معسكرات اللاجئين إذا انتشر فيروس كورونا بين من يقيمون فيها.

كما حذرت السلطات اليونانية من تفشي فيروس كورونا في الجزر اليونانية التي تأوي آلاف المهاجرين، مثل جزيرة ليسبوس.

وفي لبنان، الذي يأوي نحو مليون ونصف مليون من اللاجئين، تزايدت المخاوف من انتشار الفيروس في مخيمات اللاجئين، خاصة مع وجود عشرات المصابين بالفيروس بين اللبنانيين أنفسهم.

وما بلك بالمخيمات الفلسطينية وغزة والسودان والصومال وجيبوتي وسائر الدول، التي نعرف أنها لن تصمد أمام العدو االمجهول.

.