من سيستقبل “حماس” بعد تركيا؟

جمال عارف/

منذ اللحظة الأولى التي استقبل فيها أردوغان قبل مدة رئيس دولة إسرائيل إسحاق هرتسوغ في أنقرة على وقع نشيد الاحتلال الإسرائيليّ، في زيارة رسميّة كانت الأولى من نوعها منذ عقد ونصف العقد، كان من المتوقع أنّ أول من سيتأثر بعودة المياه إلى مجاريها بينهما هو حركة “حماس”، والدليل ما نقلته صحيفة “يسرائيل هيوم”، مؤخراً، عن مصدر فلسطيني رفيع المستوى، أنّ الكيان الصهيونيّ سلّم تركيا، خلال محادثات إعادة العلاقات بينهما، قائمة بأسماء نشطاء فلسطينيين من الحركة الإسلامية يقيمون في تركيا، وينشطون من أراضيها، مطالبة بإبعادهم عن الأراضي التركية، بعد تأكيد الجانبين على ضرورة تحسين العلاقات بينهما عقب سنوات طويلة من التوتر الظاهريّ، ليأتي هذا التقارب بما لا تشتهي حماس نتيجة قوّة الورقة التركية من ناحية تأمين ممر في شرق البحر المتوسط لنقل الغاز الطبيعيّ المنهوب من فلسطين المحتلة إلى القارة الأوروبيّة في ظل حاجة تركيا إلى المزيد من الطاقة وتنافسها مع اليونان وقبرص.

رأس حربة

في الوقت الذي بينت فيه الصحيفة أنّ حركة حماس التي امتنعت عن إدانة زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا في مارس/آذار المنصرم، خرجت عن صمتها بعد إدانة تركيا للعملية الفدائية في تل أبيب، والتي نفذها رعد حازم وأسفرت عن مقتل إسرائيليَّين، هاجم المتحدث الرسميّ باسم الحركة في لبنان حازم قاسم، الموقف التركي، وذلك عقب قيام أنقرة بإبعاد عشرة من نشطاء “حماس” عن أراضيها، وحسب المعلومات إن السلطات التركية لم تكتف بمنع إعادة هؤلاء النشطاء إلى أراضيها، بل قامت رسمياً بطردهم ومنعهم من دخول البلاد، ولاسيما أن قسماً منهم مرتبط بالجناح العسكري للحركة المعادية للاحتلال الإسرائيليّ.

وما لا شك فيه أنّ “إسرائيل” هي رأس الحربة فيما يجري وأنّ إبعاد النشطاء التابعين لحماس عن الأراضي التركية، ومنع عودتهم إليها، يُثلج قلوب القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، حيث شاهدنا تلك الرغبة مع انتشار فضائح التجسس الإسرائيلية في تركيا عبر شبكات من عدة أفراد، قامت بعمليات تجسس على رعايا أجانب فلسطينيين وسوريين ومنظمات مجتمع مدنيّ، وقد تابعنا كيف صنّفت إسرائيل 6 مراكز حقوقية فلسطينية بأنّها “إرهابيّة”، وبالتالي حرّم عملها مع العاملين فيها، باعتبارها تؤدّي دوراً محوريّاً في المجتمع الفلسطينيّ وتوثق بشكل كبير جرائم العصابات الصهيونيّة، رغم أنّها تقدم خدمات رعاية وتطوير مهمة للنساء والأطفال ولفئات واسعة من المجتمع القابع تحت الاحتلال، وتأمن حماية قانونيّة واجتماعيةٍ لهم، ناهيك عن أنّها تمثل حقوق الانسان الفلسطينيّ في المنابر الدوليّة.

وتأتي تلك الأنباء بعد أن سلّم الإسرائيليون قائمة بأسماء نشطاء من حركة حماس للسلطات التركية، ومعلومات عن دورهم في عمليات، فيما أبلغ الأتراك حركة حماس بأنها قد تعهدت بعدم العمل من داخل تركيا، و”الآن عليكم مغادرة البلاد”، حيث تناسى أردوغان معارضته الشديدة – الظاهريّة – لسياسة إسرائيل بحق الفلسطينيين بليلة وضحاها، وغضّ الطرف عن الجنايات المروعة للاحتلال وسياسة الاستيطان والقتل المروعين بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، وانتهاج “إسرائيل” سياسة تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة أبناء فلسطين والتي ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة وفق المنظمات الدوليّة، لُيجري محادثات مع الرئيس الإسرائيلي في عاصمة بلاده وبحث الملف الأهم في العالم حاليّاً وهو “إمداد أوروبا بالغاز الفلسطينيّ المسلوب عبر تركيا”، ويلبي طموحات الإسرائيليين أكثر منهم.

ولم يكن الموقف التركيّ مستغرباً بالنسبة للحركة التي جربت طريقة التعاطي الغربيّ مع الأزمة الأوكرانيّة وقيام دول غربيّة عدّة بتجنيد عدتها وعتادها لإرسالها نحو أوكرانيا لإنجاز مهمات مختلفة، والتي شاهدت الزيارة الإسرائيليّة بأم العين بعد أن تعامى النظام الأردوغانيّ الإخوانيّ عن المنهج العنصريّ الذي يتبعه الإسرائيليّين بحق أصحاب الأرض، ناهيك عن ممارسة الفصل العنصريّ والاضطهاد، وفتح أبوابه على مصراعيها لأشدّ أعداء الأمّة الإسلاميّة الذي يتشدق الرئيس التركيّ بانتمائه لها، ليبلغ الأتراك حماس بأن لتركيا مصالح اقتصادية، وأن استئناف العلاقات مع إسرائيل هو أمر سياسي، لكن الحركة تعلم جيداً أنّ للصهاينة تأثير واضح في تركيا في المسائل الأمنية والزيارات بينهما لا تنقطع بالتحديد من هذه الناحية.

موقف متوقع

كيف لمن تناسى أرواح 10 ناشطين أتراك والذين قتلتهم “إسرائيل” بعملية إنزال على متن السفينة التركية “مافي مرمرة” في مايو/أيار من العام 2010، عندما انطلقت من الأراضي التركية باتجاه قطاع غزة، ضمن أسطول الحرية الذي كان يهدف لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، أن يهتم لأمر حماس وقياداتها، فبعد أن فشل أردوغان خلال العقد الأخير في إظهار نفسه على أنّه قائد إسلاميّ بارز، لم ينجح في الهروب من موقفه الداعم للصهاينة والواضح كعين الشمس.

وبالتالي تكشف خداع جملة “أهمية تطوير العلاقات بين أنقرة وتل أبيب من أجل المنطقة ككل”، والمثير للسخرية أكثر هو الحديث عن أنّ تحسن العلاقات التركيّة – الإسرائيليّة مهم جداً لنشر “الاستقرار والسلام” في المنطقة التي يتقاسمان فيها التخريب كل من جانبه حيث إنّ حكومة أردوغان المتشدّدة في أنقرة تحتل لواء إسكندرون السوريّ منذ سنوات طويلة وهي اليوم تتمادى بشكل صارخ في الأراضي السوريّة والعراقية المحاذي لها وتدعم الجماعات المتطرفة المعادية لدمشق وامتدت يدها العدوانيّة لتصل إلى ليبيا واليمن والسودان بالتعاون مع سرطانات التنظيمات الجهادية، فيما يقوم الصهاينة بالشيء ذاته بل أقبح من ذلك بحق الفلسطينيين وغيرهم من دول الجوار وأبعد من ذلك.

والحقيقة، أنّ أكثر ما يهم تركيا الغارقة اقتصاديّاً هو ما تحدث به السفير الإسرائيليّ السابق لدى المملكة الأردنيّة والاتحاد الأوروبيّ، عوديد عيران، حول أنّ تركيا تعد “أفضل خيار” لنقل الغاز الفلسطينيّ المُسيطر عليها إلى أوروبا، وأن اللقاء الذي جمع الرئيسين التركي والإسرائيليّ قد يسفر عن تفعيل هذا الخيار الذي تعطل نتيجة مزاعم الخلافات بين تركيا والكيان الإسرائيليّ، ما دفعه سابقاً إلى البحث عن بدائل. حيث إنّ أنقرة تعلم أنّها الخيار الأنسب لنقل الغاز من منطقة شرقي البحر المتوسط إلى أوروبا وخاصة عقب الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، ولهذا لا شيء أهم من ذلك والتاريخ علمنا جيداً كيف تتعامل تركيا باستماتة مع مصالحها مهما كلف الأمر من تعاسة على الغير، ليبقى السؤال الأبرز من سيستقبل “حماس” بعد تركيا؟.

.