ملف الهجرة طوق النجاة لليمين المتطرف في أوروبا

ملكون ملكون /

عرفت السنوات الأخيرة صعوداً واضحاً لأحزاب التيار اليميني (أحزاب اليمين العنصري- اليمين الفاشي – اليمين الراديكالي) ليس فقط في دول اوروبا الغربية، بل دول شرق اوروبا وشمالها، وانعكس ذلك على نتائج الاستحقاقات الانتخابية في معظم دول الاتحاد الاوروبي.

هذا الزحف يمثل تهديداً كبيراً لا لمصير المصالح السياسية والاقتصادية في هذه الدول فقط، بل يمتد لجسد النظام العالمي بأكمله، حيث تتبنى هذه الأحزاب رؤى وتصورات استراتيجية سياسية واقتصادية قد تغير الى حد ما من توازن المصالح الذي عرفه العالم خلال عقود كاملة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي.

الطريقة التي يصعد بها اليمين في اوروبا بالتزامن مع صراعات دموية تجتاح العالم وجزء كبير منها مرتبط بالصراعات في الشرق الاوسط، تشبه كثيراً تلك المرحلة التي بها العالم في ثلاثينيات القرن الماضي التي مثلت حقبة سيئة جداً، شهدت انهياراً اقتصاديا باوروبا والولايات المتحدة إثر أزمة الكساد العالمي الكبير، وبروز النازية في المانيا في رد فعل على الانهيار الاقتصادي والأزمات المتتالية التي شهدتها الدولة الألمانية من جراء خضوعها للشروط المجحفة للحلفاء إثر الهزيمة التي لحقت بها في الحرب العالمية الأولى، ثم ظهور اليمين الفاشي في ايطاليا بقيادة موسوليني الذي تحالف مع هتلر وقاد حرباً ضارية ضد الليبيين واحتل اثيوبيا وتكللت كل تلك الصراعات لاحقاً بالحرب العالمية الثانية.

ما هو اليمين المتطرف؟

لا يوجد اتفاق واضح على وضع تعريف جامع لليمين المتطرف على الرغم من الاتفاق حول الخصائص المشتركة والسمات المتطرفة، ولكن هناك مقاربة تحظى بالقبول قدمها استاذ العلوم السياسية الهولندي مايندرت فينيما والتي تتناول هذه الاحزاب كنسق فكري موحد من خلال برنامجها المعادي للهجرة والمهاجرين، رغم الاختلافات في أولويات الشأن الداخلي لذا يُطلق عليها “أحزاب ضد الهجرة” إذ يصور المهاجرون على انهم مشكلة في أربع صور مختلفة: تهديد للهوية الإثنو-وطنية، وسبب رئيسي للبطالة والجريمة، ومظاهر اخرى من انعدام الامن الاجتماعي، ومستغِلون بسوء لما توفره دولة الرفاهية

إذاً العداء للأجانب، ورفض الأقليات، وفكرة التعددية الثقافية، والدفاع عن الهوية الإثنو-وطنية وعن التقاليد القومية التاريخية، والدعوة الى الحد من الهجرة، جميعها تعد القاعدة المشتركة لأي برنامج سياسي لحزب يميني متطرف، بالإضافة الى عناصر أخرى ترتبط بالداخل الاوروبي اهمها انتقاد سياسات الديمقراطية الاجتماعية لليسار وتشجيع الفردية لليمين، ورفض الاندماج الاوروبي، والدعوة لتقليص الضرائب، ولتشديد عقوبات الجرائم، ورفض سياسات المساواة للنساء، وسياسات حماية البيئة.

هنا تجد أحزاب اليسار ويمين الوسط، وهي الأحزاب التي تشكل الأغلبية في الحكومات الأوروبية صعوبة شديدة في تجاهل هذا الصعود اليميني. فعلى الرغم من تفاوت النتائج التي أحرزها أقصى اليمين بين الوصول الى الحكم أو المشاركة في تشكيل الحكومات، أو على الأقل المنافسة الجدية والاقتراب من تحصيل السلطة، فانها تمكنت بلا شك من ان تخلق نوعاً من الفوضى ضمن الأنظمة السياسية الأوروبية التي تميزت غالباً بالاستقرار، بحيث أصبح من الصعب على الاحزاب التقليدية ضمن اليمين أو اليسار أن تحقق أغلبية مستقرة كما كانت عليه العادة وأصبحت مجبرة على التعاون مع الاحزاب اليمينية المتطرفة بعدما كان مجرد حصول حزب يميني على عدد محدود من المقاعد في البرلمان حدثاً يحرك القارة بأكملها.

أحزاب اليمين المتطرف فيما يخص ملف الهجرة في برامجها وأدبياتها تعتبر أن هذا التدفق الكبير للمهاجرين من الشرق الاوسط وافريقيا خطراً على فرص العمل، وسطواً على مكتسبات الأوروبيين في الخدمات الاجتماعية والسكنية والصحية، والأخطر أنه يهدد هوية المجتمع الأوروبي وثقافته، هذه النقاط برع اليمين الأوروبي في صياغتها بخطاب تعبوي في الانتخابات.

هوس الأجانب واللاجئين

أن الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين شرّعت الابواب أمام هواجس مستقبلية أوروبية من تكوين جاليات شرق أوسطية وافريقية كبيرة داخل حدود الاتحاد الأوروبي مما يغري باجتذاب مهاجرين بمعدلات أضخم، وأحياناً كانت أزمة اللاجئين تغذي الخطاب اليميني كما حدث في اعتداءات رأس السنة 2015 في ألمانيا التي كانت نقطة انطلاق جديدة لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الذي كان قد تأسس في بداية الأمر لانتقاد العملة الموحدة الأوروبية.

وجاء انتشار داعش ليثير مخاوف الرأي العام الأوروبي حول مدى قدرة المجتمعات المفتوحة والحرة على حماية مواطنيها، وجاء تعرض المدن الاوروبية لهجمات ارهابية (باريس وبروكسل) ليؤكد شكوك اليمين المتطرف حول جدوى آليات الدفاع لدى الحكومات الأوروبية، وبالطبع لا ينفصل ذلك مع تصاعد مفهوم الاسلاموفوبيا وموجة العمليات الارهابية منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، والمخاوف من سرعة انتشار الدين الإسلامي في أوروبا، وتركيز اليمين على أن الاسلام والمسلمين هما التهديد الاساسي لقيم أوروبا الثقافية والقومية. ويعتمدون في ذلك على صعود تيار الاسلام السياسي والسلفي في أوروبا وربطه بموجة الإرهاب التي تجتاح أوروبا وتخويف الشعوب الأوروبية من أن ديمقراطيتهم وأسلوب حياتهم في خطر، وأن هوية أوروبا التاريخية وحدودها الجغرافية في خطر محدق من خلال الذوبان في دول وثقافات أخرى.

يضاف إلى ذلك هاجس البطالة. رسمياً في أوروبا 22 مليون عاطل عن العمل، يضاف لهم صعوبات اقتصادية وسياسات تقشفية، ويأتي اللاجئون ليضيفوا أعباءً اقتصادية على الدول المضيفة لهم بسبب تكلفتهم في مجالات المرافق والتعليم والصحة وغيرها. وأمام فشل الأحزاب والتيارات السياسية التقليدية على تقديم الحلول أو البدائل الناجحة لتلك الإشكاليات، تمكنت قوى اليمين المتطرف من سحب البساط من تحت أقدام هذه التيارات خصوصاً ذات التوجه اليساري أو الاشتراكي وأحزاب يمين الوسط.

بمعنى آخر فإن إخفاق الأحزاب التقليدية دفع الناخبين الأوروبيين إلى التصويت العقابي لحساب اليمين المتطرف نتيجة لعدم الرضا عن سياسات اليمين واليسار ورفض الناخبين لبرامجهم، أكثر من كونه قناعة ببرامج أقصى اليمين.

اليمين يستخدم كل أدوات البراغماتية للوصول للسلطة، واليسار في أوروبا يعيش أزمة حقيقية بعد سياسات أقل ما يقال عنها أنها لم تكن مدروسة بعناية لتجنب تبعات ما يحدث الآن في القارة العجوز التي شاخ يسارها على ما يبدو ويحتاج لمن يعيد له نضارته ويخفي تجاعيده.

.