أوجه شبه العنصرية بين جنوب أفريقيا وفلسطين

.

صلاح حمدان

.

نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية مقالاً لنكوسي زويليفيلي، حفيد نيلسون مانديلا، بمناسبة احتفال العالم بالذكرى المئوية لميلاد مانديلا. وقد تناول نكوسي في هذا المقال أوجه الشبه التي يراها بين جنوب أفريقيا تحت نظام التمييز العنصري، وفلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي. يذكر نكوسي أن جده، نيلسون روليهلالا مانديلا، كان ليبلغ 100عام العام الجاري. يحتفل العالم بالذكرى المئوية لمولده وقيادته للكفاح لإنهاء التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. لكن بينما أصبحت بلدي حرة من حكم الأقلية العنصرية، فإنَّ العالم لم يتحرر بعد من جريمة التمييز العنصري.

لعالم بالذكرى المئوية لميلاد مانديلا. وقد تناول نكوسي في هذا المقالأوجه الشبه التي يراها بين جنوب أفريقيا تحت نظام التمييز العنصري، وفلسطين تحتالاحتلال الإسرائيلي. يذكر نكوسي أن جده، نيلسون روليهلالا مانديلا، كان ليبلغ100عام العام الجاري. يحتفل العالم بالذكرى المئوية لمولده وقيادته للكفاح لإنهاءالتمييز العنصري في جنوب أفريقيا. لكن بينما أصبحت بلدي حرة من حكم الأقليةالعنصرية، فإنَّ العالم لم يتحرر بعد من جريمة التمييز العنصري.

نكوسي يرى أوجه الشبه الغريبة بين القوانين والسياسات العنصرية في إسرائيل ضد الفلسطينيين من ناحية، وبنية التمييز العنصري في جنوب أفريقيا من ناحية أخرى. الجنوب أفريقيين يعرفون الفصل العنصري عندما يروه. في الحقيقة فإنَّ الكثير يدركون أنَّ نظام القمع الإسرائيلي أسوأ حتى في بعض الجوانب.

يعرّف التمييز العنصري في القانون الدولي بأنه «نظام مؤسسي من القمع الممنهج وهيمنة مجموعة عرقية على مجموعة عرقية أخرى». يتعلق التمييز العنصري بعلاقات القوة العنصرية غير المتساوية التي تدعمها القوانين الظالمة التي تهدف إلى حرمان المجموعات المضطهدة من حقوقها.

تمييز واضح

قال نكوسي إنه حتى قبل أن تمرر إسرائيل «قانون قومية الدولة» (الذي ينص على أنَّ اليهود فقط هم من لهم الحق في تقرير المصير في البلاد)، كان من السهل، لأي شخص راغب في الرؤية، أن يرى أنَّ حكومة البلاد كانت ترتكب جريمة التمييز العنصري. فـ«جدار الفصل العنصري»، ولجان القبول التمييزية، وأنظمة بطاقات الهوية، والطرق التي بنيت للمستوطنين التي لا يمكن للفلسطينيين الوصول إليها، وتشرذم الضفة الغربية الشبيه بـ«بانتوستان» (في جنوب أفريقيا) كل ذلك واضح للعيان.

جعل قانون قومية الدولة من هذه الحقيقة أمرًا لا يمكن إنكاره. إنَّ التمييز العنصري هو سياق سلسلة من جرائم الدولة. خذ مثلاً أحدث قرار لإسرائيل بهدم قرية خان الأحمر البدوية الفلسطينية وإخلاء سكانها. هدف هذا التطهير العرقي تمهيد الطريق للمستوطنات غير القانونية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومع ذلك، ورغم سبعة عقود من التمييز العنصري، فإنَّ السرقة المستمرة للأراضي الفلسطينية، والاحتلال العسكري والمذابح ضد المتظاهرين غير المسلحين في غزة -التي تسمى عن حق «شاربفيل الفلسطينية»، على اسم القتل الجماعي في ترانسفال عام 1960– فإنَّ كل جيل جديد من الفلسطينيين يواصل صراع التحرر.

شجاعة في وجه الوحشية

يذكر نكوسي أن في العام الجاري، أتمت الطفلة عهد التميمي عامها السابع عشر في السجن، بعد احتجازها بشكل غير قانوني لمواجهتها جنود الاحتلال في الفناء الخلفي لمنزلها. لكن تمامًا كما أمضى جدي 27 عامًا في سجن فقط لأنه أصبح أيقونة عالمية للحرية، فقد أصبحت أحد رمزًا قويًا للتصميم الفلسطينيين على المقاومة. وبحسب نكوسي تمثل عهد وعائلتها الروح الشجاعة للفلسطينيين في كل مكان، الذين يقفون في وجه هذه الوحشية الهائلة.

وعلى الرغم من أنَّ عهد حرة الآن، فإنَّ آلاف الفلسطينيين –بما فيهم مئات الأطفال– ما يزالون يقبعون في سجون التمييز العنصري في إسرائيل. وينبغي لنا، في هذا الاحتفال بالذكرى المئوية لنيلسون مانديلا العام الجاري، أن نتذكر إقراره بأنَّ «حريتنا ليست كاملة دون حرية الشعب الفلسطيني» والعمل بلا كلل للمطالبة بمنح الفلسطينيين –سواء كانوا يعيشون في المنفى أو بصفتهم مواطنين في إسرائيل أو في الأراضي المحتلة– حقوقهم الإنسانية غير القابلة للتصرف.

ويكمل نكوسي: «ذلك أننا نحن الجنوب أفريقيين نعرف أنَّ المقاومة الفعالة للتمييز العنصري تتطلب تضامناً دولياً». تمامًا كما كان الحلفاء من جميع أنحاء العالم محوريين في كفاح جنوب أفريقيا للحرية، فإنَّ روح هذا التعاون العالمي تعيش في حركة المقاطعة غير العنيفة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) التي تدعم نضال التحرير الفلسطيني.

وقد أمد نكوسي الأمل عندما رأى حزب العمل يدعو لإنهاء مبيعات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل. ويأمل أيضًأ أن تستخدم جنوب أفريقيا مكانتها بين دول بريكس (الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم) للدعوة إلى فرض حظر على الأسلحة أيضًا. إنَّ هذه العقوبة المهمة هي الحد الأدنى من المتطلبات اللازمة لإنهاء التورط في جريمة إبقاء التمييز العنصري الإسرائيلي. إنَّ إنهاء التواطؤ في جريمة ليس من قبيل الإحسان، وإنما هو التزام أخلاقي عميق.

دعم حركة BDS

هذه الخطوات الإيجابية والأساسية تواصل الكفاح الذي كان الشغل الشاغل لحياة مانديلا. وتقف هذه الخطوات في تناقض صارخ للمحاولات المخزية لمحو التاريخ الفلسطيني (بما في ذلك النكبة) – وهو تاريخ تواطأت فيه المملكة المتحدة بشكل عميق، كما كان الحال مع التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. كما تعتبر هذه الخطوات رداً حاسماً على جهود شيطنة حركة BDS، إن لم يكن تجريمها.

إنَّ حق جميع أصحاب الضمير الحي ليس مقصورًا على التعبير عن اختلافهم مع أية دولة تنتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي، وإنما لديهم مسؤولية أيضًا للتعبير عن هذا الاختلاف. لهم الحق في حرية التعبير، وقول الحقيقة للسلطة، والتضامن مع المضطهدين.

ويذكر نكوسي أن التاريخ سوف يحكم على الحكومات التي لا تلتزم بحقوق الإنسان والقانون الدولي، أو أسوأ من ذلك، الدول التي تتواطأ على ترسيخ إنكار هذه الحقوق. حاولت تيريزا ماي، أثناء رحلتها الأخيرة في جنوب إفريقيا، محو تاريخ حكومة المملكة المتحدة في دعم التمييز العنصري. وبحسب نكوسي فإن ماي تحتفل بمانديلا الآن بعد وفاته، لكنها لم تشر إلى حقيقة أنَّ أعضاءً من حزبها السياسي قد نادوا بإعدامه ونعتوه بالإرهابي عندما كان على قيد الحياة.

كان الضغط الدولي عنصرًا حيويًا في الكفاح لإنهاء التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. ونحن نعرف أنه فعال في حالة إسرائيل أيضًا، لأسباب ليس أقلها المبالغ الطائلة التي تنفقها حكومتها في شن حملة عالمية لتقويض حركة BDS.

إنَّ تكتيكات المقاومة السلمية مثل المقاطعة وسحب الاستثمارات لأسباب أخلاقية والضغط على الشركات والحكومات، بما في ذلك السلطات المحلية، لإنهاء تورطهم في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، جميعها وسائل محترمة دومًا لدعم حركات العدالة. لقد وصف ماديبا، في إحدى المرات، القضية الفلسطينية بأنها «أكبر قضية أخلاقية في عصرنا»، ومع ذلك فما يزال العالم صامتًا. ويختتم نكوسي مقاله قائًلا: «يتوجب علينا جميعًا أن نفعل كل ما في وسعنا للمساهمة في حرية الفلسطينيين وعدالتهم ومساواتهم ومكافحة التمييز العنصري في كل مكان».