اليمين المتطرف يزداد شراسة

عادل فهمي

منذ أسابيع هاجم شاب يميني متطرف كنيس يهودي في مدينة هاله شرق ألمانيا، مما أدى لوقوع قتلى خلال العملية. هذا بخلاف مهاجمة المساجد في شرق وغرب البلاد، والتعدي على المنقبات والمحجبات في محطات القطارات والحافلات.

وتتصدر حركات اليمين المتطرف المشهد في ألمانيا، إذ يزداد عدد المنضمين لها بشكل كبير، وتقدر هيئة حماية الدستور «الاستخبارات الداخلية» عدد المنضوين تحت لواء هذه الحركات حتى نهاية 2018 بـ 24100  شخص. وتتمثل في « النازيين الجدد»، و«مواطني الرايخ»، و«الهوية» أبرز حركات اليمين المتطرف في البلاد.

وترصد الشرطة بشكل متزايد أسلحة بين أيدي نشطاء اليمين المتطرف. فخلال 2018، رصدت قوات الأمن 1091 قطعة سلاح في حوذة نشطاء من اليمين المتطرف، مقارنة بـ 676  في 2017. كذلك نجحت هذه الحركات في اختراق الجيش الألماني، وتجنيد جنود داخله، ما يثير قلقا كبيرا. وحتى أغسطس (آب) الماضي، سجلت الاستخبارات الحربية 477 حالة انتماء لليمين المتطرف بين جنود الجيش.

وقبل عامين رصدت السلطات خلية لليمين المتطرف في الجيش بقيادة ضابط يدعى فرانكو ايه، كانت تخطط لشن هجمات إرهابية على أهداف عدة بينها مطار العاصمة النمساوية فيينا، واغتيال صحفيين ألمان، وإلصاق هذه الجرائم باللاجئين.

ووفق تقرير «دويتشه فيلا»، فإن الشرطة سجلت 1156 جريمة مدفوعة بدوافع يمينية متطرفة في 2018، بينها جرائم الكراهية ضد الأجانب والمسلمين في الأراضي الألمانية. ووقعت أخطر جريمة لليمين المتطرف في يونيو الماضي، حين اغتال أحد نشطاء «النازيين الجدد» السياسي المحلي بولاية هيسن، فالتر لوبكة، بالرصاص، بسبب مواقف الأخير الداعمة للاجئين، في سابقة لم تحدث منذ عقود وأعادت للأذهان عمليات الاغتيال التي نفذها نظام هتلر ضد معارضيه السياسيين.

وفي وقت سابق هذا العام، أوقفت السلطات الألمانية رجلًا أرسل 200 خطاب تهديد بأعمال عنف وتفجيرات إلى مؤسسات حكومية وشخصيات سياسية عامة في ألمانيا موقعة بـ«الاشتراكيين القوميين»، وهي أيدلوجية النظام النازي بقيادة أدولف هتلر، حسب صحيفة «دي فيلت» الألمانية.

كما أعلنت الشرطة في يوليو (تموز) الماضي، أن حركة يمينية متطرفة تسمى «نورد كرويتس» (صليب الشمال) أعدت قوائم اغتيالات سياسية في كل أنحاء ألمانيا، ضمت أسماء وعناوين 25 ألف شخص. ونقلت «شبكة التحرير الاخبارية» الألمانية الخاصة عن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية أن «حركة نورد كرويتس خططت لعمليات قتل ذات دوافع سياسية في جميع أنحاء ألمانيا»، مضيفة أن «الشرطة استطاعت إحباط المخطط».

وفي مدينة كيمنتس شرقي البلاد، استطاعت السلطات قبل عدة أشهر، رصد خلية يمين متطرف مكونة من ثمانية أشخاص تتراوح أعمارهم بين 21 و32 عاملًا، تخطط للاطاحة بالنظام الديمقراطي. وكان المتهمون يخططون لأهدافهم عبر محادثات عبر الإنترنت، ويتحدثون عن ارتكاب عمليات قتل، وفق صحيفة «دي فيلت».

محاولات لاحتواء الظاهرة

مع تفاقم ظاهرة اليمين المتطرف، وضعت الحكومة الألمانية خطة الشهر الماضي، لمكافحة هذا الخطر. وتشمل الخطة في هيئة حماية الدستور «الاستخبارات الداخلية» لمكافحة الإرهاب اليميني، وتدشين 500 وظيفة جديدة في هذا القسم.

كذلك وضع المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية خطة لإعادة هيكلة الشرطة وزيادة عدد عناصرها، لمواجهة خطر اليمين المتطرف. ووفق صحيفة «دي فيلت»، فإن المكتب انتهى في أغسطس الماضي، من إعداد خطة لاعادة هيكلة جهاز الشرطة، تتضمن إنشاء جهاز شرطي لمكافحة جرائم الكراهية. وتشمل أيضًا زيادة عناصر الشرطة وخلق 440 وظيفة جديدة في أروقتها.

فيما اقترحت رئيسة لجنة الشؤون الداخلية بالبرلمان الألماني، إجراء عمليات تعقب إلكتروني لليمين المتطرف، واختراق الرسائل المشفرة بين نشطائه، كخطوة استباقية لمنع أي عمليات إرهابية، حسب ما نقله موقع «آر بي» الإخباري الخاص.

وأواخر يونيو الماضي، عقد المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية وهيئة حماية الدستور، اجتماعا طارئا للجنة الأمن الداخلي في البرلمان «البوندستاغ»، بشأن خطر اليمين المتطرف، حسب ما نقلته في حينه مجلة «دير شبيجل». وقالت المجلة: «إن الاجتماع شهد إطلاق الشرطة والاستخبارات الداخلية تحذيرًا واضحًا من تنامي خطر الإرهاب اليميني المتطرف، خاصة بعد اغتيال لوبكة. كما حذرت الأجهزة الأمنية خلال الاجتماع من (موجة جديدة للعنف) اليميني المتطرف في البلاد».

وعلى الصعيد الشعبي،تنظم الأحزاب والحركات السياسية المنتمية لليسار ويمين الوسط فاعليات ومظاهرات بشكل دوري للتنديد بخطر اليمين المتطرف. وفي أغسطس الماضي، شارك أكثر من 30 ألف شخص في مظاهرة حاشدة ضد اليمين المتطرف والعنصرية في مدينة دريسدن، عاصمة ولاية ساكسونيا، جنوب شرقي البلاد.

وجرت المظاهرة تحت شعار «التضامن بدلًا عن الرفض: من أجل مجتمع حر ومنفتح» في وسط المدينة، وشارك فيها متظاهرون من مختلف الاتجاهات السياسية. ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها «العنصرية ليست خيارًا»، و«لا للنازيين»، مرددين هتافات تدعم تنوع المجتمع والمهاجرين.

هل يحكم اليمين المتطرف ألمانيا؟

في 2017 فجر «حزب البديل لأجل ألمانيا» المفاجأة وأصبح ثالث أكبر كتلة في البرلمان. ومنذ تلك اللحظة ازداد الجدل السياسي حول إمكانية مشاركة الحزب المعادي للمهاجرين في الحكومة الألمانية، أو وصول سياسي منتم له إلى منصب المستشار.

وجاء الأداء القوي للحزب في الانتخابات المحلية في ولايتي ساكسونيا وبراندنبورغ، في سبتمبر الماضي، ليزيد ذلك الجدل، ويرسخ موقع الحزب في المشهد السياسي الألماني.

كما أن نشاط الحركات السياسية اليمينية، ولجوءها المتزايد للعنف لفرض نفسها على الشارع، يزيد القلق حول مستقبل البلاد.

ورغم الرغبة الواضحة لليمين المتطرف لحكم ألمانيا، وتخطيطه للوصول للسلطة بداية من الانتخابات التشريعية في عام 2021، إلا أن هذا الطموح لا يزال بعيدا عن التحول لواقع، في ظل رفض جميع الأحزاب الدخول في ائتلاف حاكم مع «حزب البديل لأجل ألمانيا»، على المستوى الاتحادي، وصعوبة تصويت أكثرية الألمان لهذا الحزب في ظل الماضي السيئ لليمين المتطرف في البلاد، حسب تقرير لصحيفة «دي تسايت» الليبرالية الألمانية.

.