اليمين المتطرف”.. يقلق ألمانيا

عادل فهمي /

حذرت جهات رسمية في ألمانيا من تعرض البلاد لخطر جديد يتمثل في اليمين العنيف، أو ما يصفونه باليمين المتطرف الميَّال لاستخدام العنف والاغتيالات، بعد أن سجل العامان السابقان زيادة قياسية في نسبة المنضمين لهذا الفكر.

وبحسب تصريحات صحفية لرئيس الهيئة الاتحادية الألمانية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية)، توماس هالدنفانغ، فإن عدد المتطرفين آخذٌ في الازدياد، بمن فيهم أولئك المستعدون لاستخدام العنف، موضحًا أن مكاتب حماية الدستور سجلت زيادة في أعداد الأشخاص الذين يعتنقون أفكارًا يمينية متطرفة مجددًا في 2020.

وأعرب هالدنفانغ عن مخاوفه من هجمات يقودها اليمين المتطرف، مثل التخطيط لجريمة قتل، أو التعرض لحياة الأشخاص بإطلاق النيران في الشوارع، أو الهجوم على محطات الوقود، أو استهداف ضباط الشرطة والصحفيين.

وأشار تقرير حماية الدستور لعام 2020، الصادر حديثًا، إلى ارتفاع عدد الأشخاص المنتمين لليمين المتطرف بنسبة 3.8 بالمئة بمعدل 33 ألفا و300 شخص، من بينهم 40 بالمئة عنيفون ومستعدون لاستخدام العنف ومؤيدون له، بينما وصل عدد اليمينيين المتطرفين المصنفين “خطر” في نهاية عام 2017 إلى أقل من 30 شخصًا.

وفي يناير2021، قضت محكمة في مدينة فرانكفورت بعقوبة السجن مدى الحياة على ستيفان إرنست، الموصوف باليميني المتطرف لقتله السياسي المؤيد لفتح حدود ألمانيا أمام أعداد كبيرة من المهاجرين، والتر لوبكه، في حديقة منزله 2019.

وفي مارس، وضعت الاستخبارات الداخلية حزب “البديل من أجل ألمانيا” الموصوف باليميني المتطرف على لائحة “الحالات المشبوهة”، مما يعني أنه أصبح تحت مراقبة الشرطة، وبالإمكان مراقبة اتصالاته وإدخال مخبرين إلى صفوفه.

وفي يوليو الماضي، كشفت الاستخبارات الداخلية مخططًا لحركة يمينية تدعى “نوردكرويتس” كانت تعتزم تنفيذ عمليات قتل ذات دوافع سياسية في مناطق متفرقة بألمانيا.

أسباب القلق

ويرجع مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات أسباب ارتفاع معدلات اليمين المتطرف إلى وجود “حزب البديل من أجل ألمانيا”.

ويوضح في حديثه ” أن السبب الثاني يرتبط باستثمار اليمين المتطرف قضايا الهجرة لألمانيا، إضافة إلى أن توسع التنظيمات الإرهابية يزيد حصة “حركات اليمين المتطرف”، في إشارة إلى تبرم قطاع كبير من الألمان من الدخول المكثف للاجئين للبلاد منذ 2015، خاصة أن كثيرًا من العمليات الإرهابية ظهر أن منفذيها من المهاجرين.

ويرى أن من مصادر الخطورة احتمال اختراق هذه الجماعات لأجهزة الأمن للحصول على التدريبات والذخيرة، وتنفيذ عمليات “الذئاب المنفردة”.

وتبلغ أعداد ما يوصف بالأحزاب اليمينية المتطرفة 15 حزبًا وحركة، من بينهم حركة “بيغيدا”، وحركات “نسر الشمال”، و”مواطنو الريخ”، و”عصابات الذئاب البيضاء”.

ثمة جماعة يمينية متطرفة باسم «لواء العاصفة 44» أو «لواء الذئب»، تحظرها ألمانيا، واتهمها وزير الداخلية السابق زيهوفر بأنها تهدف إلى «إعادة بناء الدولة النازية السابقة».

عدد يتزايد

وبحسب التقرير الذي أوردته وكالة الأنباء الألمانية، ارتفع عدد الأشخاص المحتمل انتماؤهم للتيار اليميني المتطرف بنسبة 3.8%، ووصل إلى 33 ألفاً و300 شخص. وورد في تقييم الهيئة أن 40% تقريباً من هؤلاء الأشخاص تصنفهم الهيئة على أنهم «يتسمون بالعنف أو مروجون للعنف أو داعمون للعنف أو مؤيدون للعنف».

ويندرج ضمن اليمينيين المتطرفين الذين رصدتهم الاستخبارات الداخلية بألمانيا نحو ألف شخص ممن ينتمون لما يسمى بحركة «مواطني الرايخ» الذين لا يعترفون بالدولة الألمانية الحديثة التي تأسست بعد انهيار النازية ولا بقوانينها، ويمتنعون عن دفع ضرائب ومخصصات اجتماعية وغرامات، ومن ثم يقعون في نزاع متكرر مع السلطات.

جدير بالذكر أن ليس كل من تصنفهم السلطات الأمنية على أنهم ينتمون لحركة مواطني الرايخ الألماني، تنسبهم هيئة حماية الدستور إلى التيار اليميني المتطرف.

ووفق تقييم لمنظمة “أمل لا كراهية” حصلت عليه مجلة “دير شبيجل” الألمانية، فإن حزب “البديل لأجل ألمانيا” هو الحزب الأنجح في الترويج، بمنصتي فيسبوك وتليجرام العام الماضي.

وعلى تليجرام على سبيل المثال، نشر حزب “البديل لأجل ألمانيا” 572507 رسالة على 230 قناة ومجموعة يمينية على التطبيق.

والشبكات الاجتماعية هي أداة مهمة لليمين المتطرف، إذ تستطيع هذه التنظيمات بمساعدة هذه المنصات، في الوصول إلى مجموعات مستهدفة جديدة وتجنب عملية تحرير الوسائط التقليدية.

وأظهرت دراسات سابقة أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” يعتمد على منصات مثل “فيسبوك” أو “يوتيوب” أكثر من أي جهة أخرى في البلاد.

ويقول تقرير “أمل لا كراهية”: “لقد نجح حزب “البديل لأجل ألمانيا”، بشكل ملحوظ في بناء قاعدة كبيرة من المتابعين على فيسبوك، وتعزيز المشاركة لمحتواه”.

ووفق التقرير، فإن الحزب اليميني المتطرف يتمتع بإمكانيات وصول أعلى من المتوسط ​​في فيسبوك وتليجرام. وعلى فيسبوك تحديدا، تجري مشاركة منشوراته نحو 15 مرة أكثر من مشاركة منشورات “الاتحاد المسيحي”، و 5 مرات أكثر من مشاركة منشورات حزب “الخضر”. كما يحظى حزب “البديل لأجل ألمانيا” بدعم على تليجرام، أكبر من أي حزب آخر في البلاد، وفق التقرير ذاته.

وعن نوعية المنشورات على منصتي فيسبوك وتليجرام، تحدث 61% من المنشورات بشكل إيجابي عن حزب “البديل لأجل ألمانيا”، فيما لم تتخط نسبة المنشورات الإيجابية عن “الاتحاد المسيحي” و”الحضر” حاجز الـ3% فقط.

وعن وسائل الحكومة للتصدي لهذه الجماعات، يشير المركز إلى أن جهود المراقبة والمتابعة الحكومية كشفت مجموعات متورطة في اغتيالات لسياسيين خلال 2018 و2019، مشيرًا إلى أن التشكيل الحكومي الجديد يسير على نهج التشكيل السابق الذي كانت تقوده المستشارة أنغيلا ميركل فيما يخص السياسة تجاه حركات اليمين المتطرف، وأن مؤشر الإرهاب لعام 2021 ينبئ بنجاح ألمانيا في مجابهة التطرف.

واليمين المتطرف مصطلح فضفاض في أوروبا، فهو يطلق بداية على جماعات سلمية تنادي بحماية الهوية الوطنية للدولة، والحد من تدفق المهاجرين إليها باعتبارهم يحملون ثقافاتهم، بما فيها العنيفة، وينشرونها بالداخل، وصولًا إلى حركات عنيفة تعتنق الفكر النازي، وكلاهما تعتبره حكومة ألمانيا خطرًا على ما تعتبره إرثها الديمقراطي.

.