ماذا قد يعني فشل هجوم أوكرانيا المضاد؟

عادل فهمي

تتناقض الروايات بين روسيا وأوكرانيا بشأن الهجوم المضاد الكبير لكييف بهدف إجبار موسكو على الانسحاب التام، والسؤال الآن: ماذا قد يعني فشل الهجوم رغم دعم الغرب غير المسبوق؟

فبعد أشهر طويلة من التحضير لمعركة الربيع، أرسل خلالها الغرب أسلحته الثقيلة والمتطورة من دبابات وطائرات وأنظمة صواريخ إلى أوكرانيا، بدأ الهجوم المضاد على استحياء ودون إعلان من جانب كييف، وكان ذلك قبل أسابيع، ثم اعترفت إدارة الرئيس فولوديمير زيلينسكي وداعميها في واشنطن وأوروبا بأن “الهجوم” بدأ بالفعل.

وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن “الهجوم المضاد” قد فشل، بينما يصر زيلينسكي على أن الهجوم مستمر وأن “الضربة الكبرى” لم تأت بعد. وبطبيعة الحال، من شبه المستحيل تأكيد أو نفي رواية كل منهما في الوقت الحالي على الأقل، فالمعركة الكبرى، التي تأتي في العام الثاني للحرب، ستستمر شهوراً على الأرجح، كما حدث في العام الأول.

ماذا تقول أوكرانيا عن هجومها المضاد؟

كان زيلينسكي قد اعترف للمرة الأولى، السبت 9 يونيو/حزيران، بأن الهجوم الأوكراني المضاد، الذي طال انتظاره من جانب الغرب، قد بدأ بالفعل. وتوالت بعد ذلك إعلانات كييف عن تحقيق “انتصارات” في أرض المعركة.

و قالت أوكرانيا إن قواتها “حررت 3 قرى في جنوب شرق البلاد هي بلاهوداتني ونسكوتشني وماكاريفكا”، وفي اليوم التالي مباشرة، أعلنت عن “تحرير قرية رابعة”. وبطبيعة الحال تمثل استعادة أوكرانيا للقرى الأربع في غضون أيام بالفعل أسرع تقدم تحرزه منذ 7 أشهر، لكنها لا تعد اختراقاً كبيراً للخطوط الدفاعية المنيعة لروسيا، بحسب التقارير الغربية.

فالتقدم الذي أعلنته كييف يصل إجمالاً إلى 5 كيلومترات فقط من جانب القوات الأوكرانية، التي لا يزال أمامها نحو 90 كيلومتراً للوصول إلى ساحل بحر آزوف وقطع “الجسر البري” الروسي إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو من أوكرانيا في عام 2014، وهذا هو الهدف الرئيسي للهجوم الحالي.

أما الرئيس زيلينسكي، فقد قال في خطابه الليلي المصور، إن جيش كييف يتقدم في بعض القطاعات ويسعى لصد هجمات مكثفة في مناطق أخرى، مضيفاً أن النتيجة النهائية في صالح أوكرانيا: “لم نفقد مواقع، وإنما حررنا بعضها. وهم فقط يتكبدون الخسائر”.

وظهر في نهاية المقطع المصور جنود واقفون أمام مبنى مزين بأعلام أوكرانيا ويقولون إنهم حرروا القرية. وأضافوا: “حررت قوات الكتيبة 128 اليوم، 18 يونيو، قرية بياتيخاتكي… فر الروس تاركين وراءهم عتاداً وأسلحة وذخائر”. وتقول رويترز إنها تمكنت من التحقق من مكان تصوير المقطع لكنها لم تتمكن بشكل مستقل من التحقق من موعد تصويره.

ماذا تقول روسيا إذن؟

قبل أسابيع، أعلن بوتين أن الهجوم الأوكراني المضاد قد بدأ وفشل بالفعل، وعرضت روسيا مشاهد لعشرات الدبابات الغربية المحطمة أو التي تم الاستيلاء عليها، وأبرزها من طراز برادلي الأمريكية أو ليوبارد 2 الألمانية، وهو ما يمثل ضربة كبيرة لكييف وداعميها الغربيين بطبيعة الحال.

ووصف مقال لشبكة CNN الأمريكية تلك التطورات الميدانية بأنها تمثل “ضربة موجعة” ليس فقط للمراحل الأولى من الهجوم الأوكراني الكبير ولكن أيضاً لاحتمالات تحقيق ذلك الهجوم لأهدافه الرئيسية المتمثلة في إجبار الروس على التراجع إلى خطوط ما قبل اندلاع الحرب في 24 فبراير/شباط 2022.

“بداية الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال انتظاره لا تمثل نجاحاً بالنسبة لكييف. نشرت روسيا مقاطع فيديو تظهر 16 مدرعة من طراز برادلي الأمريكية، قدمتها واشنطن مؤخراً للكتيبة 47 مدرعات الأوكرانية، وقد أصيبت بأعطال، إضافة إلى العديد من دبابات ليوبارد 2 الألمانية، ضمن الكتيبة 33 مدرعات. وما زاد الطين بلة، هو قيام وزارة الدفاع الروسية بنشر مقطع مصور آخر للقوات الروسية وهي تتباهى بمركبات أخرى من نفس الطرازات حصلت عليها كغنائم حرب بعد أن هجرها الأوكرانيون وفروا”، بحسب مقال CNN.

وتمثل هذه الخسائر ضربة موجعة، خاصة أن أوكرانيا تسلمت ما مجموعه 109 مدرعات برادلي و89 دبابة ليوبارد 2، وهو ما يمثل تذكيراً مؤلماً بأن أسلحة الغرب المتطورة والتي تقدر بمليارات الدولارات لا يمكنها أن تحارب بنفسها أو تجبر الروس على الانسحاب بسرعة أو بسهولة.

ماذا يعني كل ذلك لمسار الحرب؟

على الرغم من استحالة الجزم بما يدور في ساحة المعارك، إلا أن المؤشرات التي ترشح من التقارير والتصريحات الغربية خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية لا تصب في صالح تحقيق الأهداف الأوكرانية-الغربية، رغم الدعم غير المسبوق والأسلحة المتدفقة من واشنطن وحلفائها الغربيين على كييف.

صحيح أن الوقت مبكر للغاية بالنسبة للحكم على مصير الهجوم الأوكراني المضاد الكبير، لكن الواضح أن تعرض القوات الروسية لهزيمة ساحقة تجبرها على التراجع إلى خطوط ما قبل اندلاع الحرب على الأقل يبدو “أمنيات” أكثر منها سيناريوهات ممكنة التحقيق على الأرض.

السؤال المنطقي هنا: ماذا يعني كل ذلك لمسار الحرب الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية؟ ولا يمكن أن نحاول الإجابة على هذا السؤال دون التوقف عند أهداف الغرب الفعلية من الهجوم الأوكراني المضاد، بعيداً عن “الأمنيات” بطبيعة الحال.

نجح الغرب في معركة الصيف العام الماضي، من خلال تسريع وتيرة الدعم العسكري واللوجستي والمعلوماتي لأوكرانيا، في إجبار الروس على الانسحاب من خاركيف ثم خيرسون، وبشكل عام غادرت القوات الروسية جميع الأراضي الأوكرانية الواقعة غرب نهر دنيبرو الذي يقسم أوكرانيا شرقاً وغرباً.

أوكرانيا وداعموها إذن أمامهم أشهر الصيف فقط ، حتى بداية الحملة الانتخابية الأمريكية، لتحقيق انتصارات مدوية على الجيش الروسي ربما تجبر بوتين على الاستسلام والانسحاب، بينما موسكو تدرك جيداً أن الوقت في صالحها، وبالتالي فإن تقوية دفاعاتها على طول خط المواجهة في أوكرانيا لإفشال أي تقدم حقيقي هو هدفها الرئيسي،

السؤال هنا: أي الطرفين أكثر قدرة على تحقيق أهدافه؟

.