ماذا سيحدث لنا إن أفلست أمريكا؟

الدليل ـ برلين /

توالت في المدة الماضية تحذيرات خبراء الاقتصاد والمالية من مخاطر بوادر إفلاس الولايات المتحدة، أو ما يسميه بعض المتخصصين انفجار “فقاعة” الدين القومي الأمريكي.
وكان الرئيس التنفيذي لبنك أمريكا قد حث على الاستعداد للتخلف عن سداد الدين القومي للولايات المتحدة التي تبلغ قيمتها 31.55 تريليون دولار، الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم الاستقرار ليس فقط على الولايات المتحدة، ولكن في جميع أنحاء العالم.

لفهم الموقف بصورة واضحة، نعود على الوراء، ونشير إلى أن السندات الحكومية الأمريكية كانت حتى وقت قريب تعد من الأصول المالية الأقل خطورة في العالم بأسره. ووضع الدولار كعملة احتياطية في العالم سمح ولا يزال لواشنطن، بزيادة المعروض النقدي إذا لزم الأمر من أجل الوفاء بالتزاماتها. علاوة على ذلك ضمنت مكانة العملة الأمريكية، والاقتصاد ككل، سيولة سندات الخزانة، وبنتيجة ذلك، استثمرت الدول عن طيب خاطر في الاقتصاد الأمريكي.

ديون و ديون

وتفيد البيانات الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية بأن أكبر مبلغ من السندات الحكومية وقيمته 1.18 تريليون دولار يعود إلى الصين، التي تعد الدائن الرئيس للولايات المتحدة.

تأتي اليابان في المرتبة الثانية بسندات أمريكية قيمتها 1.03 تريليون، تليها البرازيل بما قيمته 300 مليار، فإيرلندا 299 مليارا، ثم بريطانيا 274 مليارا.

القروض الأجنبية في المجمل تمثل حوالي 30 في المائة من الدين الأمريكي، بقيمة 6.21 تريليون دولار.

مثل هذا المبلغ الضخم يجعل الدول المستثمرة مرتبطة بالوضع في الولايات المتحدة وخاصة بالنسبة لاحتمالات التخلف عن السداد.

إن الدين القومي للولايات المتحدة عبارة عن فقاعة مالية، وأن عدم القدرة على سداد الديون ينذر باحتمال انفجار هذه الفقاعة.

الولايات المتحدة تقترض من الدول الأخرى عن طريق بيع أوراق مالية تسمى سندات الخزانة الأمريكية، وتستعمل الأموال التي تحصل عليها في تمويل الاحتياجات العامة.

وبالوضع القائم باعتبار الصين أكبر مستثمر في السندات الحكومية الأمريكية، فبكين ليس من مصلحتها أن تظهر بوادر إفلاس الولايات المتحدة في الوقت الحالي وتتخلف عن سداد ديونها، ما سينجم عنه ضعف الدولار، وجمود اقتصادي أمريكي تصيب تداعياته الجميع.

الخبراء الماليون يجمعون على أن النتيجة الرئيسة للتخلف عن السداد في الولايات المتحدة من وجهة نظر بقية العالم ستكون ضعف الدولار بقوة. وسيحدث ذلك لأن المستثمرين الأجانب سيبدؤون في بيع السندات الحكومية التي كانت ذات يوم “ملاذا آمنا”، وستقوم الدول الدائنة بتنويع احتياطياتها من العملات الأجنبية، ما سيؤدي إلى خفض قيمة العملة الأمريكية تماما، وبالتالي سيفقد الدولار مكانته كعملة عالمية.

يتبادر في هذا السياق سؤال هام عما إذا كانت تستطيع الصين إقامة نظام مالي بديل في حالة انهيار الولايات المتحدة اقتصاديا؟

جواب الخبراء الماليين يُذكر بأن سوق السندات الأمريكية والأوراق المالية الأخرى يصل إلى حوالي 24 تريليون دولار، فيما السندات الصينية تقدر قيمتها بـ 3.3 تريليون دولار فقط، وهذا القدر لا يكفي، كما يلفتون إلى أن العملة الصينية اليوان ليست “شائعة” الاستخدام بما فيه الكفاية.

الخبراء يستعينون بأفضل مؤشر في هذه الحالة ويتمثل في احتياطي العملات الأجنبية في البنوك المركزية في العالم، حيث يتم في المتوسط، الاحتفاظ بـ 60٪ من احتياطيات العملات الأجنبية بالدولار الأمريكي، يليه اليورو بنسبة 20٪، فيما يمثل اليوان الصيني 2.8٪ فقط من احتياطيات النقد الأجنبي.

ولا تزال الصين تحقق استقرارها ضمن إجراءات مالية محددة، يرى خبراء ماليون أنها ليست مستعدة حاليا لتغييرها وأخذ مكانة الولايات المتحدة، وأن بكين لا تريد إفلاسا أمريكيا مبكرا، خاصة أن الولايات المتحدة لا تزال سوق تصدير ضخمة للصين، ولم يحن بعد عصر الـ”يوان”.

لماذا الدولار؟

الدولار هو وسيط المبادلات التجارية حول العالم، كما أن القوام الرئيسي للاحتياطات النقدية للدول أصبح الدولار، وأحيانا تقوم الدول بتنويع العملات المكونة لاحتياطاتها ولكن يظل الدولار الأميركي هو الأكثر ثقة، نتيجة الاتفاقيات الاقتصادية العالمية التي تبعت الحرب العالمية الثانية والتي جعلت الدولار يحل محل الذهب في الاحتياطات النقدية.

وإذا أعلنت الولايات المتحدة إفلاسها فإن ذلك يعني سقوط الدولار ما يعني أن الدول التي تحتفظ باحتياطاتها بالعملة الخضراء ستخسر هذا المال بالتأكيد ما يعني حالة إفلاس عالمية، إضافة إلى الارتباك الذي سيصيب التجارة حول العالم، إذ إنها تعتمد على الدولار في سداد ثمن السلع والخدمات.

ومنذ تسعينات القرن الماضي، انتهجت الولايات المتحدة سياسة «الدولار القوي» ما أدى إلى منافسة الدولار للذهب والأسهم والمعادن والسلع كأحد أدوات الاستثمار، وأصبح الاستثمار في السندات الأميركية أحد الأدوات الأكثر ربحية في سنوات عدة منذ ذلك الحين، فإذا تم انهيار الدولار فإن هذه الاستثمارات ستتلاشى وستبحث الأموال عن وسائل آمنة للاستثمار، وسيكون الذهب أولها باعتباره الملاذ الآمن للاستثمارات وقت الأزمات، إضافة إلى الأدوات الأخرى من الاستثمار.

.