مؤشرات بداية الأزمة الاقتصادية العالمية

 

 

احمد الجمال

 

خلال الأشهر الستة الماضية، وجدت بعض أسرع الاقتصادات نمواً في العالم نفسَها في مأزقٍ، باحثةً عن مخرجٍ، وفي إحدى الحالات، تطلب العون من مركز الإنقاذ الماليِّ العالميِّ المعروف باسم صندوق النقد الدولي.

يُعتبر مبلغ 50 مليار دولار الذي أنقذت به مؤسسة الإقراض الأرجنتين هو الحدث الأضخم حتى الآن، ولكن يصاحبه كذلك أزمة في الليرة التركية، والكساد في جنوب إفريقيا، والتنبُّؤات الاقتصادية المريعة للفلبين وإندونيسيا والمكسيك.

 

يبدو أن هناك مزيداً من الأوجاع القادمة للدول الناشئة، في ضوء مزيجٍ من توتُّرات التجارة العالمية، واحتمالات ارتفاع معدَّلات الفوائد الأميركية، وحالة الشكِّ العامة في السوق،كل ذلك  مزيج يُنَفِّر ويزعج المستثمرين.

 

دولٌ تحت دائرة الضوء

 

الأرجنتين

رفع البنك المركزي الأرجنتيني معدلات الفوائد إلى 60% الشهر الماضي، سعياً وراء دعم عملتها المنهارة. ولم يسترضِ هذا المستثمرين، لذا بدأت الحكومة إجراءات تقشفٍ حادةً لمحاولة استعادة الثقة. ومن المرجَّح أن تدفع أزمة العملة بالدولة نحو كسادٍ اقتصاديٍّ عميقٍ. وقد طلبت الدولة من صندوق النقد الدولي تعجيل دفع تمويلات الطوارئ، المقدرة بنحو 50 مليار دولار لأجل دعم خزائنها. وقال وزير المالية نيكولاس دوجوفني إن إجراءات التقشف -وزيادة ضرائب الصادرات- ستسمح للأرجنتين بتحقيق موازنةٍ متكافئةٍ العالم المقبل، بدلاً من عجز الـ1.3% الذي سبق توقعه.

 

جنوب إفريقيا

أُصيبت جنوب إفريقيا بكسادٍ مفاجئٍ في الربع الثاني من 2018، مسجِّلةً هبوطاً بنسبة 0.7% في إجمالي الناتج المحلي، مما أفضى إلى بيعٍ سريعٍ للأسهم ووصول عملة الراند إلى أقلِّ سعرٍ لها منذ عامين.

الرئيس سيريل رامافوزا، الذي حلَّ محلَّ جاكوب زوما في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، وسط تفاؤلٍ شديدٍ حيال الاقتصاد أدى لانتعاش الأسواق المالية، يزعم أن الكساد هو «أزمةٌ انتقالية» سيتعافى منها الاقتصاد. وبلغت البطالة 27.2%، وما زالت في ارتفاعٍ، مما يزيد خطورة اندلاع احتجاجاتٍ قوميةٍ بسبب حالة الاقتصاد.

 

تركيا

من المرجَّح أن تدفع الأزمة المالية المستمرة للدولة بها إلى الكساد، وهبوط العملة التركية زاد من تكاليف الاقتراض، ولا يزال الرئيس رجب طيب أردوغان عنيداً، ويوجه أصابع الاتهام نحو المصالح الأجنبية بشنِّ الحرب على تركيا.

وفي الولايات المتحدة، فرض دونالد ترامب تعريفاتٍ جمركيةً على صادرات الفولاذ التركية، بسبب نزاعٍ حول اعتقال آندرو برانسون، القس الأميركي الذي اتهمته تركيا بالجاسوسية. وهناك تهكُّناتٌ باقتراض مساعدات طوارئ من صندوق النقد الدولي، وأصبحت تركيا كذلك تحت الضغط لرفع معدلات الفوائد، إلا أن أردوغان قد يعارض هذا.

 

الصين

تسبَّبت الديون الطائلة على المؤسسات في مخاوف دوليةٍ بشأن الاقتصاد الصيني، وقدرته على الحدِّ من الاعتماد على الاستدانة والحفاظ على النمو. وتتعقَّد الصورة بتهديد ترامب بفرض تعريفاتٍ بقيمة 200 مليار دولار على الصادرات الصينية. ويخشى المستثمرون من أن يؤدي تصاعد الحرب التجارية إلى بطءٍ في النمو العالمي، نظراً إلى أن الصين هي من محاور الاقتصاد العالمي. وقد هبطت قيمة اليوان مقارنةً بالدولار هذا العام، مما قد يخفِّف من وطأة التعريفات على الصادرات الصينية، التي ستغدو سلعها أكثر تنافسيةً.

 

إندونيسيا

اضطر البنك المركزي الإندونيسي إلى رفع معدلات الفوائد لأجل رفع قيمة عملته. فالروبية في أدنى معدَّلاتها منذ 20 عاماً، بسبب زيادة الديون ومراهنة عددٍ من المستثمرين ضد الأسواق الناشئة. وتملك إندونيسيا أعلى ديونٍ للمموِّلين الأجانب من بين جميع الدول الآسيوية، بنسبة 35% من إجمالي الناتج المحلي. ولمَّا كان التضخم ما زال تحت السيطرة حتى الآن، كان البنك المركزي غالباً ليحبِّذ خفض الفوائد لتحفيز اقتصاده المكافح، لكن التخوفات بشأن انخفاض قيمة العملة أكرهته على رفع الفوائد عوضاً عن ذلك.

وإذا تدهور المشهد عن ذلك، فالدول المجاورة بما فيها كوريا الجنوبية والهند والفلبين قد تُجبَر على اتخاذ خطواتٍ مماثلةٍ.

 

المكسيك

تعريفات ترامب الجمركية على الفولاذ وتهديده بإجبار الشركات الأميركية على إعادة الإنتاج المنَفَّذِ جنوب حدودها تشبه سحابةً مظلمةً تخيِّم على الاقتصاد المكسيكي، واضعةً البيزو تحت الضغط. ومن شأن المكسيك أن تستفيد من تجديد اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية: وقد أبرمت اتفاقاً مع الولايات المتحدة، لكن المفاوضات مع كندا لا تزال جاريةً.

 

الهند

الروبية في أدنى معدلاتها مقارنةً بالدولار وسط مخاوف بشأن تأثير الحمائية الاقتصادية وارتفاع معدلات الفوائد الأميركية. وأسفر التضخم عن اندلاع احتجاجاتٍ في دلهي بسبب أسعار الوقود. الهند هي صاحبة أسرع اقتصادات العالم نمواً، إذ بلغ معدَّل نموها 8.2% في الأشهر الثلاثة السابقة ليونيو/حزيران. لكن تفاقم عجز ميزانها التجاري في يوليو/تموز، واصلاً إلى 18 مليار دولار بسبب زيادة واردات الوقود وارتفاع أسعار البترول على مستوى العالم. ويتحلى الخبراء الاقتصاديون الحكوميون بالتفاؤل حيال العملة، لكن يخشى آخرون حدوث ركودٍ في معدَّل النموِّ قريباً.