لماذا العرب هكذا .. ؟

حسن  سعيد

أعطت النظم السياسية العربية الأولوية لها على أوطانها ودولها وشعوبها. فضحت بالشعوب فى سبيل النظام السياسى كما يحدث الآن فى سوريا. وضحت بوحدة الأوطان كما هو الحال فى ليبيا واليمن. وضحت بالمواطنة فى العراق ولبنان فى سبيل الطائفية والعرقية. وأعطت الأولوية للأيديولوجيا الطائفية والعرقية والقبلية على الدولة الوطنية، والأولوية للهوية الطائفية والعرقية على الوطن والمواطنة. وبعد التموجات فى ثورات الربيع العربية الشعبية، أُحبطت الشعوب واتجهت إلى البحث عن الخبز، لقمة العيش، بعد غلاء الأسعار وخفض قيمة العملات المحلية.

واضطر العرب إلى مغادرة أوطانهم حتى أصبحت نسبة المهجرين العرب أكبر نسبة فى العالم. يستجدون الإقامة والإعاشة والاستيطان. فلتحرق الشعوب رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا بالنابلم والغازات السامة مادامت العروش قائمة.

لم يعد عند العرب ولاء لأوطانهم، ولا ولاء لتاريخهم، ولا محافظة على هويتهم، ولا اعتزازاً بذاتيتهم. أصبحت أوطانهم طاردة لهم لاستحالة العيش فيها بسبب الفقر أو خوفا من الاعتقال. يهاجرون إلى الخارج لرزق أكبر، وحرية أوسع.

فإذا تحرك العرب وهم محاصرون فيما تبقى من أوطانهم فإنهم يسيرون «محلك سر»، أى يتحركون فى المكان. فتهشمهم الحروب الأهلية، الطائفية، سنة وشيعة أو عرقية، عرب وأكراد أو قبلية وعشائرية، بنو فلان وأولاد فلان.

أصبحت العروبة فى المظهر. بل اختفى اللسان العربى من بعضها، والعروبة هى اللسان. وأصبحت الهوية الأعمق هى التشيع أو السنة أو الكردية أو الأمازيغية. تفتت العرب ولم تعد هناك قضية تجمعهم ولا حتى فلسطين كما كان فى الماضى بعد أن عقد البعض معاهدات سلام معهم علنا أو سرا.

فرقهم الرزق. فمنهم الفقراء والأغنياء. الفقراء يزدادون فقرا، والأغنياء يزدادون غنى. فلم يعد همّ الأغنياء إلا جمع المال، والتمتع بالحياة الحلوة فى المعيشة والاستهلاك، وتحويل قراهم إلى مدن أمريكية مثل نيويورك وسان فرانسيسكو، والانتقال من عصر الخيام إلى عصر ناطحات السحاب، ومن القرى إلى مانهاتن أخرى. وظنوا أنهم بهذه المظاهر يدخلون إلى عصر الحداثة ومازالت العقول والثقافات لم تتغير، خاصة بالنسبة للحريات العامة، ووضع المرأة، وحق الاجتهاد.

غلبت عليهم ثقافة «الثابت» دون «المتحول» بتعبير أدونيس. خافوا من الحركة. واطمأنوا إلى السكون. وأرادوا السلام الكاذب دون رغبة فى المخاطرة حتى لو كانت محسوبة. يستفيدون من حركة غيرهم الأوروبيين والأمريكيين، ولكنهم أنفسهم ثابتون لا يتحركون. العالم حولهم يتغير فى آسيا وأوروبا وحتى أفريقيا وهم ثابتون ثبوت أوتاد الخيام. مع أن هذه الخيام تقلعها الرياح القوية. فلا شىء يقف أمام ريح التغيير. وانتشرت موجة التكفير والحكم بالردة والخروج على إجماع الأمة كلما حاول أحد هز الثقافة السلفية الثابتة القديمة وكأنها ثقافة كل العصور.

هكذا وصف ابن خلدون العرب: أن انتقالهم من البدو إلى الحضر انتقال زائف سرعان ما ينهار الحضر فيعود العرب إلى مرحلة البدو ليستأنفوا دورة حضارية جديدة.

لكن …

العربى أيضا الشاعر صاحب المعلقات السبع. وهو الذى عقد حلف الفضول، نصرة المظلوم على الظالم. وهو صاحب الفتوحات العظيمة لنشر الإسلام وتحرير الشعوب من حكم الفرس والروم. وهو الذى أقام إمبراطورية ترث إمبراطوريتى الفرس والروم فى أقل من مائة عام وممتدة شرقا إلى أواسط آسيا وغربا إلى الأندلس. طائر يفرش جناحيه. ومازال القلب نابضا.

هو صاحب الحضارة فى العلوم والفنون، فى العلوم الطبيعية والرياضية والعلوم الإنسانية، الفلسفة والتصوف، والعلوم التاريخية والجغرافية. وفى الفنون، العمارة والموسيقى والزخرفة.