الربيع العربي .. ذكريات وقصص حفظها التاريخ

 

إبراهيم بدوي

 

بين البرتقالية والخضراء والحمراء.. ومن الياسمين إلى الأرز والخبز والربيع .. تبدو هذه التسميات الرومانسية للثورات متناغمة بشكل يعزز إحساس الكثيرين بأنها نتيجة مؤامرات من نفس المصدر وأنها مجرد حلقات من مسلسل مخرجه واحد.

فتسمية الثورات تثير كثيراً من الجدل بين الخصوم والمؤيدين الذين يحاول كل منهم طرح بديل أحياناً، ولكن في الأغلب، يحفظ التاريخ الثورات والانتفاضات بهذه الأسماء المثيرة للجدل، ليبقى الجدل حولها مستمراً، فمن أين جاءت تسميات الثورات والانتفاضات وخاصة تلك التي وقعت في عالمنا العربي؟.

 

الربيع العربي الأول في 2005

قيل إن أول من وصف الثورات العربية بالربيع العربي هي مجلة Foreign Policy الأميركية ولكن تقريراً نشر في المجلة عن هذا الطرح لفت إلى أن من استخدم هذا المصطلح هم المحافظون الأميركيون في عهد جورج بوش، في معرض وصفهم للازدهار القصير الأمد للحركة المطالبة بالديمقراطية في الدول العربية عام 2005.

وفي 6 يناير/كانون الثاني 2011 أي بعد يومين فقط من وفاة بائع الفاكهة التونسي محمد البوعزيزي، كتب مارك لينش في Foreign Policy مقالاً  بعنوان “الربيع العربي لأوباما”، حيث تحدث عن “الاشتباكات الناشئة في مجموعة متنوعة من الدول العربية – تونس، الأردن ، الكويت ، مصر”

وتساءل هل يعاصر أوباما بدايات احتجاجات تعادل “الربيع العربي” لعام 2005 (الذي كان في عهد بوش)، عندما استحوذت الاحتجاجات في بيروت عقب اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري على الاهتمام الشعبي من خلال صور تلفزيونية فضائية قوية ألهمت التعبئة الشعبية في جميع أنحاء المنطقة والتي كان البعض يأمل أن تخرق في النهاية ركود الاستبداد العربي؟.

اللافت أنه تساءل أيضاً هل ستلعب وسائل الإعلام الاجتماعية دور الجزيرة هذه المرة؟ وهل ستكون النتيجة مختلفة؟.

أما الاستخدام المبكر لهذا المصطلح دون الإشارة  إلى أحداث عام 2005 كان افتتاحية في 14 كانون الثاني/يناير في مجلة Christian Seciene Monitor ، بعد الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، إذ تساءلت.. ربيع أم شتاء عربي؟ .

وقالت هذا الخيار الآن أمام الحكام الاستبداديين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهم يشاهدون بعصبية انتفاضة شعبية تطيح بزعيم قمعي في واحدة من أصغر بلدان المنطقة، لكن الأكثر استقراراً في تونس.

 

البرادعي نقل هذا المصطلح إلى مصر 

الحالة التالية المعروفة التي ذكر فيها مصطلح الربيع العربي جاءت في مقابلة في 25 يناير 2011 مع الدكتور محمد البرادعي القيادي المصري المعارض البارز مع مجلة دير شبيجل الألمانية، إذ قال ربما نشهد حالياً أولى بوادر “الربيع العربي” (مشابه على سبيل المثال لربيع براغ في تشيكوسلوفاكيا عام 1968).

وأضاف: جيراننا يراقبون مصر التي لعبت دوراً رائداً على الدوام. آمل أن تكون بلادي واحدة من أولى الدول التي تزدهر فيها الحرية والديمقراطية. يجب علينا نحن المصريين أن نكون قادرين على تحقيق ما فعله التونسيون.

ولكن بصرف النظر عن الجدل المحيط بتسمية الربيع العربي، فإن لكل ثورة عربية حكايتها الخاصة التي كانت السبب في إطلاق تسمية تميزها ويتذكرها بها الناس حتى لو كانوا خصومها أو كانوا معارضين للتسمية.

 

إيران باللون الأخضر

عندما خرجت احتجاجات كبيرة في إيران بعد فوز الرئيس الإيراني “محمود أحمدي نجاد” بالانتخابات الرئاسية، التي جرت في العام 2009 – حيث خرج 5 ملايين متظاهر تقريباً، إلى الشوارع، رفع المتظاهرون شعارات تحمل اللون الأخضر، بالإضافة إلى تلوين الكف باللون نفسه، ومن هنا جاءت تسمية هذه الاحتجاجات الإيرانية  بالثورة الخضراء.

وأطلق على الاحتجاجات الحركة أو الثورة الخضراء من قبل مؤيديها، والتي تعكس اللون الخاص بحملة المرشح الرئاسي الخاصرة مير حسين موسوي.

كما أن  محسن مخملباف‎ المخرج والمؤلف الإيراني المؤيد للثورة نشر مقالاً في صحيفة The Guardian البريطانية، وعنوانه أنا “أتحدث باسم موسوي وإيران” شرح فيه لماذا سميت هذه الحركة بالثورة الخضراء؟.

وقال “في السابق، كان موسوي ثورياً، لأن الجميع داخل النظام كان ثورياً. لكن الآن هو إصلاحي. الآن يعرف غاندي – قبل أن يعرف تشي غيفارا فقط. إذا حصلنا على السلطة بالأعمال العدائية، فعلينا أن نحافظ عليها بالعدائية. لهذا السبب نحن الآن لدينا ثورة خضراء، محددة بالسلام والديمقراطية.”

ومن قبل هذه الثورة الخضراء عرف العالم الثورة البرتقالية في أوكرانيا التي رفعت الوشاح البرتقالي رمزاً للاحتجاج، حيث كان  هذا اللون هو  اللون الرسمي للحركة منذ أن كان لون الحملة الانتخابية للمرشح المعارض الرئيسي “فيكتور يوشينكو”.

 

الحمراء بدأت في فرنسا

عُرفت الثورة الشيوعية في أكتوبر 1917 بروسيا بالثورة الحمراء، وذلك بعد أن اتخذ الاتحاد السوفيتي علما أحمر اللون ، خاصة أنه تقليدياً ينظر للون الأحمر باعتباره علماً للشيوعية  والطبقة العاملة، كما أن اللون الأحمر ينظر له كرمز للتضحية.

كما سميت الثورة الفرنسية  في 1789 بالثورة الحمراء وهو الاسم الذي أطلقه عليها الروائي الكبير ألكسندر دوماس في روايته “الثورة الحمراء أو سقوط الباستيل”.

أما في العالم العربي فإن التسميات الملونة تبقى أقل انتشاراً لصالح تسميات أخرى ارتبطت بالثورات والانتفاضات العربية المتعددة، ولكن تبقى أيضاً مثيرة للجدل.

ولكن تظل هناك ثورة ملونة عربية نجحت في تحقيق أهدافها بهدوء وإن كان أغلبنا لا يتذكرها.

 

الثورة الزرقاء في الكويت

مرسوم أميري لم يطبق، كان وراء اندلاع ما يعرف بالثورة الزرقاء  في الكويت.

فقد  أصدر  أمير الكويت الراحل جابر الأحمد، عام 1999 مرسوماً أميرياً يقضي بالسماح للمرأة الكويتية بحق التصويت والترشح لعضوية البرلمان في الكويت، لكن المرسوم الأميري لم يتم تطبيقه.

فقد رفضه أعضاء البرلمان الكويتي ليكون هذا الرفض سبباً في إصرار كبير للمرأة الكويتية حتى تنال حقوقها السياسية.

وفي عام 2002 تظاهرت بعض النساء في الكويت اعتراضاً على عدم السماح لهن بحق التصويت والترشح في انتخابات البرلمان، ولم  تأتِ هذه التظاهرات بنتيجة أيضاً، ولكن ظلت المرأة الكويتية مستمرة في دفاعها عن حقوقها السياسية.

ففي عام 2003 وأثناء انتخابات البرلمان في الكويت أطلقت النساء تظاهرات شاركت فيها أكثر من 1000 امرأة للمطالبة بحق التصويت والترشح، ولم تأت بأي نتيجة أيضاً، حتى مارس/آذار عام 2005، عندما قامت المرأة الكويتية بثورة أطلق عليها “الثورة الزرقاء”، تجمعت فيها 1000 متظاهرة أمام البرلمان الكويتي، للمطالبة بالسماح للمرأة بالتصويت والترشح، وقد نجحت هذه الثورة في إعطاء المرأة الكويتية حق الترشح والتصويت.

إذ أصدر البرلمان الكويتي، قراراً في 17 مايو/أيار عام 2005، بالسماح للمرأة بالترشح والتصويت في البرلمان والمجلس البلدي.

وقد أطلق عليها اسم الثورة الزرقاء بسبب حمل المتظاهرات لافتات باللون الأزرق كتب عليها “حق المرأة الآن”، بالإضافة إلى ارتداء البعض الآخر منهن لملابس تحمل اللون نفسه، ليكون الأزرق هو رمز النضال والدفاع عن المرأة الكويتية في حقها في التصويت والترشح. وقد بررت المشاركات اختيار هذا اللون لأن الأزرق هو لون مياه الخليج العربي.

 

انتفاضة شعبية أم حرامية ؟

“اربط أجرى بالأسعار.. أصل العيشة بقت مرار”، كانت هذه إحدى شعارات ما عرف بانتفاضة الخبز في مصر، التي اشتعلت في يناير/كانون الثاني من العام  1977 اعتراضاً على رفع الحكومة لأسعار السلع الغذائية الأساسية، بنسب تتراوح ما بين 30%إلى 50%.

وكان أبرز هذه السلع هي الخبز، الذي يعد أهم سلعة أساسية يعتمد عليها المصريون في غذائهم.. لذلك أطلق عليها انتفاضة الخبز.

فإثر الزيادات خرج الطلبة والعمال في تظاهرات حاشدة، ما أدى إلى إعلان حالة الطوارئ، وحظر التجول ونزول الجيش إلى الشارع، لقمع التظاهرات.

وقد أسفرت هذه الانتفاضة عن سقوط 79 قتيلاً و214 مصاباً، فقررت الحكومة نتيجة لذلك إلغاء القرار الخاص برفع الأسعار، والإبقاء على أسعار السلع الغذائية مثلما هي.

وقد أطلق الرئيس السابق أنور السادات على هذه الانتفاضة لقباً ساخراً هو “انتفاضة الحرامية”، لكن الانتفاضة أجبرته عملياً على التراجع عن قراراته الاقتصادية.

 

انتفاضة “الكوميرا” في المغرب

شهد المغرب في عام 1981 احتجاجات شعبية اعتراضاً، على زيادة أسعار السلع الغذائية الأساسية من قبل الحكومة، وشن إثر ذلك حملات اعتقالات واسعة، ونزل الجيش للشارع، ما أدى إلى سقوط كثير من الضحايا.

وقد تضاربت الأقوال عن أعداد ضحايا تلك الانتفاضة حتى بعد عقود من وقوعها، إذ ذكر موقع الجزيرة نت نقلاً عن السلطات المغربية و”هيئة الإنصاف والمصالحة”، وهي هيئة حكومية، “بأن عدد الضحايا لم يتجاوز  200 قتيل”.

في حين ذكر الجانب المعارض للحكومة في ذلك الوقت وهو “حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”،  بأن عدد الضحايا  بلغ 600 قتيل، و5 آلاف مصاب. بينما ذكرت منظمات حقوقية مغربية بأن عدد الضحايا أكثر من ألف قتيل”.

وكما هو الحال في مصر 1977، عندما  سخر  الرئيس السادات من انتفاضة الخبز، سخر وزير الداخلية المغربي إدريس البصري آنذاك أيضاً من الانتفاضة المغربية وأطلق عليها اسم الكوميرا، سخرية ممن قاموا بالانتفاضة، إذ أن “الكوميرا” في المغرب هو نوع من الخبز الفرنسي، يتم تناوله في وجبة الإفطار.

 

انتفاضة الخبز في تونس

“ابكي ابكي يا مسكين الخبزة بمية وسبعين”، كان هذا أحد الشعارات التي هتف بها الشعب التونسي في ديسمبر/كانون الأول لعام 1984، عندما أعلنت الحكومة عن زيادة أسعار بعض السلع الغذائية، وأبرزها الخبز.

وقد برر رئيس الوزراء التونسي محمد مزالي آنذاك السبب في زيادة الأسعار بسوء الحالة الاقتصادية، بجانب أن “المواطنين يرمون الخبز الذي تدعم الدولة تكاليفه في المزابل، ويعطونه علفاً للحيوانات”، حسب تعبيره، لذلك أطلق عليها انتفاضة الخبز.

وقد لجأ وزير الداخلية التونسي آنذاك “إدريس قيقة”، إلى استخدام القوة ضد المتظاهرين من أجل إنهاء الانتفاضة، ما أدى إلى سقوط ضحايا، ولم يهدأ الأمر إلا بعد تراجع الحكومة عن زيادة أسعار السلع الغذائية.

 

ثورة الأَرز ..

بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، إندلعت مظاهرات واحتجاجات كبيرة، أطلق عليها ثورة الأَرز أو انتفاضة الأرز.

وقد نادت هذه الثورة بعدة مطالب لعل أبرزها تكوين لجنة دولية للتحقيق في اغتيال الحريري، والمطالبة بالانسحاب الكامل للقوات السورية من لبنان، وإجراء انتخابات برلمانية نزيهة. وقد تم تنفيذ بعض من هذه المطالب منها انسحاب القوات السورية من لبنان.

ويعود السبب وراء تسمية الثورة، إلى شجرة الأرز إذ تعد رمزاً للشعب اللبناني، حتى أنها تتوسط  العلم اللبناني وتشكل الشعار الرسمي للدولة، وبالتالي كان المسمى يرمز للهوية الوطنية وإلى توحيد اللبنانيين تحت راية الوطن.

المفارقة أنه رغم اعتزاز اللبنانيين بشجرة الأزر  التي تنمو منذ القدم في جبالهم الشاهقة، إلا أنها تواجه شبح الانقراض، ويقول المهتمون بها إن شجرة الأرز عانت لفترة طويلة من الإهمال والقطع الجائر إضافة لتداعيات التغيرات المناخية، حتى تحدث أحد خبراء البيئة عن أن الشجرة تشكو من اللبنانيين الذين يحبونها ولكن يزيدون أوجاعها.

 

ثورة الياسمين..

أغرب مفارقات تسمية الثورة التونسية بـ”ثورة الياسمين” أن هذا المسمى أطلق على الانقلاب غير الدموي الذي قام به الرئيس السابق زين العابدين بن علي ليلة 06 نوفمبر 1987 على سلفه الحبيب بورقيبة.

أي أنها سميت على اسم الانقلاب الذي قام به الرئيس الذي قامت عليه الثورة.

وقد ورد هذا الاسم “انقلاب الياسمين”، في كتاب بعنوان “صديقنا بن علي” للصحافيين الفرنسيين نيكولا بو وجان بيير توكوا.

ولأن تونس معروفة بأنها “بلد الياسمين”، جاءت ثورة الشعب التونسي في 2011 لتتخذ لقب “ثورة الياسمين” وتطيح  بـ”انقلاب الياسمين”.

ولكن لا يحب بعض التونسيون هذا المسمى، وعقب نجاح  الثورة مباشرة، أعرب البعض عن تفضيله لمسمى ثورة الكرامة أو ثورة الشعب التونسي.

إذ يقول البعض إن هذا مسمى اخترعته الصحف الفرنسية، فالفرنسيون عندما يأتون إلى تونس يعودون إلى بلادهم بكروت عليها صورة ياسمين، وربما كان الياسمين تعبيراً عن أن الثورة كانت خفيفة وسريعة، لكن من المهم احترام الشهداء، حسب قولهم.

كما أعرب البعض عن رفضه لوصف الثورة بالياسمين لأنه يزرع فقط في قرطاج والحمامات – المناطق الثرية وحيث يوجد القصر الرئاسي – أما في سيدي بوزيد والقصرين – الأبسط حالاً – فيزرعون الصبار والتين الشوكي.

 

ولكن أياً كان مصدر مسميات الثورات وبصرف النظر عن الرفض والتأييد له فإن التسمية عادة تصبح أشهر ممن أطلقها، وأكثر تأثيراً ممن يرفضها، فما يحفظه التاريخ يصعب تغييره.