لماذا العداء للعرب والعروبة؟

ما هي دوافع ذلك، ومن هم هؤلاء المعادون؟

“كلكم لآدم، وآدم من تراب”

“خير الناس، من نفع الناس”

د. نزار محمود

القوميات واقع إنساني عرفته البشرية منذ الأزل. فهو ليس من إختراع العرب أو العجم وإنما هو حتمية لاختلاف صيرورات النشوء والبيئة والتطور التأريخي للمجاميع البشرية. وحتى الكائنات الحية الأخرى من حيوانية ونباتية تخضع هي الأخرى لتأثيرات الزمان والمكان في تطورها واختلافات صفاتها.

ولقد شكلت موضوعة القوميات جدلاً منذ زمن ليس بالقريب، ووضعت في تفسيرها نظريات وقامت آراء اختلفت في توافقاتها واختلافاتها. وكان للقوميات تبعاً لذلك آثارها الايجابية أو السلبية على حياة الإنسان والشعوب والأمم. فباسمها نهضت شعوب وأمم، وباسمها ارتكبت مجازر وذبح آلاف من البشر.

هذا الاختلاف سببه هو ما فهمته مجموعات البشر من أمر القومية وما قامت عليه.

وعلى العموم هناك أنماط من القوميات تبعاً لمقومات وعوامل الشعور بالانتماء لها.

فهناك القوميات القائمة على مبدأ نوعية الجنس البشري أو العرق، وهي بالتالي القوميات العرقية  أو الإثنية . هذه القوميات التي دفعت بالمتحمسين لها إلى العنصرية أو الشوفينية التي، غالباً، ما انفلتت من عقالها الإنساني إلى ممارسات ومواقف وحشية ومتعالية تجاه القوميات الأخرى. وهي بهذا الشكل مذمومة وكريهة إنسانياً.

أما الشكل الثاني للقوميات فهي تلك القائمة على ظروف المكان أو المنطقة، التي تحولت عبر التاريخ إلى وطن لمجموعة بشرية تشاركت في مقومات حياتية كثيرة.

ولعل القوميات التي تقوم على أسس ثقافية وحضارية وبما تمثله من مفاهيم حياتية مشتركة وقيم روحية واجتماعية وأنماط عيش وسلوكيات هي الأكثر إنسانية من غيرها.

وتشكل اللغة، باعتبارها وسيلة التخاطب، والتي تعبر عن أفكار وأحاسيس وفلسفة مجموعة بشرية، العامل المشترك الأقوى في نسيج أية قومية باعتبارها فضاءً ثقافياً واحداً لمجموعة بشرية بغض النظر عن عرق أو جنس أو دين أو مذهب أفرادها.

وهكذا تعيش على الكرة الأرضية عشرات القوميات ذات الأشكال الثقافية المتعددة.

وقبل الحديث المباشر عن العرب والعروبة، ولماذا العداء لها، أود أن  أبدأ الحديث بطرح بعض الملاحظات عن مفهومي الشخصي للقومية:

أولاً: إني لا أحترم قومية عنصرية شوفينية أو مناطقية، أو أخرى تقوم على انتماء مجرد لديانة محددة أو مذهب عقائدي. فكلا القوميتين تمييز بشري قائم على عوامل بشرية لا إرادية في الأساس.

ثانياً: إني أؤمن بجمالية الحياة البشرية وبثرائها الإنساني الذي تشكله أطيافها المتعددة في خصائص شعوبها وأقوامها. فكم ستكون الحياة مملة لو تشابه جميع البشر شكلاً ولوناً ولغة وأنماط حياة وغيرها من صفات.

ثالثاً: ليس هناك من تفاوت في القيمة الإنسانية للقوميات المختلفة ولا ينبغي أن يقوم على أساس ذلك تمييز.

رابعاً: إن خير القوميات هي تلك التي أكثرها خيراً ونفعاً وتضحيةً لأفرادها وأفراد القوميات الأخرى من بني البشر على حد سواء.

ويبقى التاريخ حاكماً وحكماً على الشعوب والأمم في سجاياها الطيبة وأفضالها الإنسانية من ناحية، أو على عدوانيتها وأنانيتها وجشعها من ناحية أخرى.

إن المتتبع المنصف للتاريخ لا يقف على عنصرية أو شوفينية عرقية أو مناطقية عند العرب. فها هو التاريخ يروي لنا قصص عظام عاشوا في بلاد العرب ونشئوا على ثقافتها وأبدعوا في علومها واعتنقوا ما كلفهم الله بحمله من رسالاته السماوية وحملوا راياتها وقادوا جيوشها، فكانوا عند العرب خير الناس وأجلهم. فها هو صلاح الدين الأيوبي وسيبويه والفارابي وابن سينا وطارق بن زياد وعبد القادر الجزائري والصحابي سلمان الفارسي والإمام النووي وأمير الشعراء أحمد شوقي والفارابي وابن سيناء والغزالي وغيرهم الكثير. كما لعبت كثير من الشخصيات المسيحية وحتى اليهودية دوراً بارزاً في حياة العرب والمسلمين  في جلهم. إن ذلك يدلل بما لا يقبل الشك على روح الفضاء الثقافي والتسامح الإنساني والأخلاق اللاعنصرية التي كان العرب يتمتعون بها والتي مهدت لاعتناق الملايين من أبناء القوميات الأخرى لدين الإسلام الذي كلفوا بحمل رايته رسالة سماوية للإنسانية جمعاء.

وإذا كانت الطبيعة الصحراوية لشبه الجزيرة العربية وحياة البداوة والتنقل لم تشكل أسس حضارة بنيان مدني وحضري في هذه المنطقة فإن أهلها من العرب أبدعوا في فنون أخرى وحملوا من أخلاق الكرم والشجاعة والمروءة ما تفخر به الإنسانية. كما أن ما أقامته أقوام نزحت عن تلك الجزيرة إلى ما يحيطها من بيئات طبيعية أكثر خصوبة في أرضها وأوفر مياهاً من حضارات تدين لها الإنسانية جمعاء في اكتشافاتها واختراعاتها هي دليل مضاف على حيوية تلك الأمة الإنسانية.

أسباب معاداة العرب والعروبة:

لقد عرف التاريخ أشكالاً من العداء للعرب والعروبة لأسباب مختلفة، أحاول إيجازها في محاور:

أولاً: المفاهيم والنوازع العنصرية والأطماع الاقتصادية للشعوب والأمم التي أحاطت بجزيرة العرب والمناطق التي نزحت إليها أقوامها العربية وأقامت فيها الدول والبنيان والعمران والحضارات القديمة العظيمة مثل وادي الرافدين والنيل والبتراء واوغاريت وغيرها.

ثانياً: لم يكن من السهل أو حتى من الممكن تقبل وقبول الدولة الإسلامية في بنيانها وأعمدتها ورسالتها السماوية بلغتها وأخلاقياتها العربية.

ثالثاً: حنين من عادى العرب والعروبة من الأمم والشعوب إلى ماضيها عندما كانت محتلة لبلاد العرب ومستهينة بكرامة أوطانهم.

رابعاً: الدوافع الواعية واللاواعية لبعض الدهاقنة وأحبار الديانات السابقة لحرف التعاليم الإسلامية، التي آمنت وقدست كل ما سبقها من ديانات سماوية وأنبياء ورسل وحملت جوامعهم ومساجدهم وأبناؤهم أسماءها،  وتفسيرها بما يتناغم وأهواءهم الخبيثة ونزعاتهم المتعالية المتكبرة، وبالتالي ممارسة الهدم الداخلي للكيان العربي الإسلامي.

من يناصب العرب والعروبة العداء؟

لقد تعددت مشارب المعادين للعرب والعروبة أفراداً ودويلات. ويمكن إجمال هؤلاء بالمجاميع التالية:

أولاً: أولئك الذين فهموا، أو أرادوا أن يفهموا، أن العرب والعروبة مجموعة عرقية وإثنية، لاسيما ممن لا ينتمون لذلك العرق وتلك الإثنية، وربما لأنهم يشعرون بأنهم ينتمون لأخرى أكثر رقياً بنظرهم، وتبعاً لذلك راحوا يناصبون العداء للعرب والعروبة.

ثانياً: هناك مجموعة أخرى، ممن لا ينتمون لدين الإسلام، فهمت أن العرب هم مسلمون يحملون مهمة نشر الإسلام خاتم الديانات التي تطوي ما قبلها.

ثالثاً: هناك مجموعة ثالثة، لدوافع سياسية واقتصادية، تجاهر بأن الإسلام هو استعمار عربي تحت غطاء “الرسالة السماوية”.

رابعاً: إن معاداة العرب والعروبة في سياساتها وأدواتها الحربية والسياسية والاقتصادية والتفتيتية قد حققت وتحقق لأعداء العرب والعروبة والإسلام كسباً وهيمنة مطلقة وشبه مطلقة على ثروات ومقدرات هؤلاء العرب، وربما وسيلة خبيثة لاستعادة أمجادهم الغابرة.

خامساً: الجاهلون أو المجهلون تجاه النوايا والأطماع غير المشروعة لمن يقف ويدعم ويبرر التناحر في الجسد العربي بحجج الطائفية والعرقية المظلومة والمستضعفة.

سادساً: المنظومات الفكرية والفلسفية والسياسية من دينية وطبقية واجتماعية ممن توحي بأن العرب والعروبة هيمنة وابتزاز عرقي وديني،  ومنهج لا يتفق ورؤيتها الفلسفية أو السياسية.

سابعاً: المتخاذلون والمهزومون وضعاف الشخصية والنفوس من المحسوبين على العرب عرقاً أو إثنية وممن لا يملكون القدرة والعزم والشعور بالمسؤولية الإنسانية ولا يحترمون أنفسهم، أو من أولئك المرتزقة والمأجورين.

واختتم بالقول: إن من يقف وراء معاداة العرب والعروبة، والتي أصر على لا عنصريتها أو فوقيتها، هم خليط من عنصريين صعبت عليهم حرية وكرامة العرب، واستعماريين يطمحون في ثرواتهم، ومتدينون بغير الإسلام ممن يريدوا أن ينخروا بدينهم، وطائفيون مستخدمون كمعاول لهدم قوة وحدتهم.

واذكر أولئك الآخرين الذين يسهرون على البحث عن أخطاء وخطايا العرب، لا بل ويلوون أعناق الحقائق لتبرير وتسويق مواقفهم ومناهجهم السلبية والمعادية للعرب، بأن أشعة الشمس لا يمكن حجبها بغربال، وأن الله سبحانه وتعالى يعلم أين يأتمن رسالاته ويختار حامليها.

إن من يقرأ تاريخ العرب والعروبة لا يمكن أن ينكر عليهم علومهم وآدابهم وإبداعاتهم وفضائلهم الإنسانية ومروءتهم وكرمهم وشجاعاتهم، فلولا تلك السجايا ما ثمروا واستفادت الشعوب وفي مقدمتها الأوروبية منها، وما كان للجزائر  من مجد ولا حرية ولا لفلسطين ذكراً، ولا تحالفت دول الشر، شرقها وغربها، على احتلالهم، ولا سهروا الليالي على تمزيقهم ونهبهم.

إن ما يعيشه العرب اليوم من تشتت وتناحر  وتخلف، وتآمر عليهم وتكالب على وجودهم وتاريخهم ودورهم الإنساني لن يدوم، وحسبها فترة انكسار زائلة  وسينتهي الضعف العابر مهما طال الزمن.

إن العرب اليوم بحاجة إلى استعادة وعيهم، واستذكار كرامتهم، واستنهاض روح تضحياتهم لكي يعودوا لأداء دورهم الإنساني وتجاوز محنهم وصون وجودهم.

كم سيكون العرب أقوياء في تعاونهم ووحدتهم، سعداء في حريتهم، متراحمون في عدالتهم، محترمون في إنسانيتهم، فاعلون في تقدمهم، وما على الله ذلك بعزيز….

إنني، كإنسان عربي، لا يشرفني عرب جهلة أنانيون، عنصريون أو أفاقون أو منافقون أو خانعون، ولا عروبة لا تحب الخير والكرامة لغيرها من القوميات الإنسانية الأخرى.

لقد قالها “قي بن ساعدة الأيادي”: أيها الناس اسمعوا وعوا، وإذا وعيتم فانتفعوا”