لعنة الجمارك: الحرب التجارية ستجلب كارثة للاقتصاد العالمي

الدليل ـ برلين

تصاعدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في الأسابيع الماضية، مع إعلان البلدين كليهما عن فرض رسوم جمركية جديدة على بضائع الآخر.

ولطالما نظرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى الاقتصاد الصيني كخطر يهدد مصالحها، لكنّ أحداً لم يكن في وارد الدخول في حرب اقتصادية كتلك التي يخوضها ترمب حالياً، وذلك لاختلاف التوقعات بشأن التبعات الخطيرة لهذا الخيار.

ويبدو أن الولايات المتحدة المتجهة إلى التصعيد في العديد من الملفات الدولية والإقليمية تلجأ على المستوى الاقتصادي والتجاري إلى سياسة (عليّ وعلى أعدائي) فيما الدول الملتزمة بهذا الاقتصاد الرأسمالي العولمي قد تكون أكبر الضحايا!

وأدت هذه المعركة المفتوحة إلى هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية، حيث سيكون النفط أكثر المتضررين من الحرب التجارية التي ستخفض التجارة البينية بين أكبر اقتصادين، ومن المحتمل أن تؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي، سيضعف الطلب على النفط، المحرك الرئيسي للصناعات في الاقتصادات العالمية.

وعاد هذا الوضع المتفاقم للأزمة التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، بالمباحثات بين الطرفين إلى الخلف، عندما قررت واشنطن فرض رسوم تصل إلى 25% على السلع الصينية. ومنذ ذلك الوقت، هناك شد وجذب في الملف التجاري بين الطرفين، لكن البورصات كانت تأمل حلا في نهاية المطاف، غير أن ذلك اصبح مستبعدا الآن خصوصا أن الرئيس الأميركي قال للشركات الأميركية العاملة بالصين بأن “تغلق مقارها في بكين وتبحث عن أماكن أخرى”.

من يتحمل نفقات الصراع

قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مرارا إن الصين سوف تدفع تلك الضرائب، حتى بعد أن أقر مستشاره الاقتصادي، لاري كودلو بأن الشركات الأمريكية هي التي ستدفع الرسوم الجمركية على أي بضائع تستورد من الصين.

ويدفع المستوردون الأمريكيون، وليس الشركات الصينية، الرسوم الجمركية في صورة ضرائب للحكومة الأمريكية، ومن المحتمل أن يدفع تلك التكاليف الإضافية المستهلكون الأمريكيون في صورة أسعار مرتفعة.

وأظهر تقرير لصندوق النقد الدولي أن تصعيدا في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين سيلحق ضررا بالصناعات التحويلية في البلدين، ومن المرجح أن يتسبب في خسائر في الوظائف، لكنه لن يغير شيئا في مجمل الموازين التجارية للبلدين.

وقال التقرير أن الإلكترونيات والقطاعات الأخرى في الصناعات التحويلية ستتضرر بشدة، وأن القطاع الزراعي الأمريكي سيشهد انكماشا كبيرا إذا تصاعدت الحرب التجارية. ويتوقع الصندوق سيناريو تستغني فيه قطاعات ضخمة في البلدين كليهما عن عدد كبير من الوظائف.

هل من منتصر؟

روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، قال في حوار سابق مع قناة “سي بي إس نيوز”، إن الصين تتمتع بميزة في مواجهتها التجارية مع الولايات المتحدة، لأن واشنطن تفتقد استراتيجية بعيدة المدى للتعامل مع بكين، مؤكدًأ أن للصينيين هدفاً واضحاً هو تحقيق تفوق شركاتهم في مجال التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك قطاعي صناعة الروبوتات والذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025، أما الولايات المتحدة فليس لديها هدف بعيد المدى كهذا.

وأكد جيتس، أن تلك المشكلة واجهت أسلاف ترامب الذين حاولوا التصدي لدور الصين المتنامي على المستوى الدولي الاقتصادي والسياسي، لكنهم افتقدوا الرؤية لكيفية التعامل معها على المدى الطويل، معتبرًا أن تلك هي نقطة ضعف الإدارات الأمريكية، وأن أفق تخطيطها لا يتخط أسبوع واحد فقط، مؤكدًا أن مجلس الأمن القومي هو الهيئة المكلفة بالتخطيط طويل المدى، لكنه لا يؤدي هذه الوظيفة في الفترة الأخيرة.

فيما نشرت وكالة أنباء شينخوا الرسمية الصينية، تصريحات جون تايلور، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان توماس في هوستن الأمريكية، التي أكد فيها أن الضجيج حول كسر الاتفاق وزيادة الرسوم الجمركية “ليس إستراتيجية تفاوض طبيعية مع واحدة من قوى العالم البارزة”، وتصريحات ماتيو جوليانو كارولي، العميد المشارك في كلية إدارة الأعمال بجامعة لوييس، التي تتخذ من روما مقرا لها، قائلا إنه إذا استمر الخلاف على هذا المسار، فإن الاحتكاكات التجارية قد “يكون لها تأثير كبير في إيطاليا أو أي مكان آخر في الاتحاد الأوروبي”، مؤكدًا أن أي خلل كبير في الاقتصاد العالمي من شأنه أن يؤثر على الطلب على السلع المصنوعة في إيطاليا ويزيد من تكلفة المواد والمنتجات التي تساعد على تغذية الاقتصاد الإيطالي.

الحقيقة لا يوجد أطراف فائزة من الحرب التجارية فالجميع مهدد بالخسارة، وسيحاول الطرفان هنا ضمان البقاء وتحقيق مكاسب مالية على حساب الطرف الآخر وهذا ما بدأت الصين القيام به بالفعل ردا على موقف أمريكا بفرض رسوم جمركية على بضائعها، ومن المتوقع أن تتأثر عدد من الشركات الكبرى والصادرات بهذه الحرب، مثل ما سيحدث فى حبوب الصويا الأمريكى الذى تعتمد عليه الصين  كمصدر رئيسى للغذاء تستورده من أمريكا بنسب كبيرة وتصل القيمة لأكثر من 12.3 مليار دولار.

توقعات

ويتوافق محللون اقتصاديون كثيرون، على أنه يمكن للحروب التجارية فيما لو ذهبت بعيدا، أن تحدث بحد ذاتها ضررا جادا في اقتصادات كل الدول المشاركة فيها، أي في منظمة التجارة العالمية، ويمكن أن يؤدي إلى انهيار جديد في البورصات وإلى أزمة مصرفية عالمية كما حدث في عام 2008، ومع ذلك فإن الخطر الرئيسي هو (الانهيار المحتمل لنظام الدولار نفسه) وقد قام «ترامب» بإرادته الخاصة بالخطوة الأولى نحو ذلك!

فيما أبدى خبراء آخرون تفاؤلهم بشأن نمو الاقتصاد الصيني وعدم تأثره سلبًا بضغوط التوترات التجارية مع الولايات المتحدة وبعض العوامل الأخرى، مؤكدين أن الصين تمر بمرحلة انتقالية من “مصنع عالمي” إلى تنمية يقودها الابتكار وذات جودة عالية.

هذا وأعلن نائب وزير الإعلام الصيني غوو ويمين، أن الحرب التجارية التي بدأها الرئيس الأمريكي العام الماضي “لم تعد لأمريكا عظمتها” كما يأمل دونالد ترامب، بل ألحقت أضرارا جسيمة بالاقتصاد الأمريكي.

.