كييف هي العاصمة الأولى لروسيا قبل موسكو

ماجد درويش /

تدريجيا تقوم القوات الروسية حاليا بالزحف على كييف عاصمة أوكرانيا ومحاصرتها، ربما تمهيدا لاقتحامها او الاكتفاء بالضغط عليها لحملها على التسليم بالمطالب الروسية.

 في كتاب “طريق الحرير” لمؤلفه علاء السيد، وتحت عنوان: “نشوء الدولة الروسية”، نقرأ جانبا مهما من العلاقة التاريخية بين الشعب الروسي وعاصمته التاريخية كييف..

**كانت روسيا منذ حوالي ثمانمائة عام في مطلع القرن الثالث عشر عبارة عن مجموعة من الإمارات المستقلة المتفرقة التي تسكنها القبائل القادمة من الدول الاسكندنافية الشمالية ومن قبائل الشعوب السلافية ومن قبائل الخزر،

أهم هذه الإمارات إمارة فلاديمير الكبرى في الشمال، وكييف في الجنوب، وكانت موسكو مجرد دوقية متطرفة جغرافياً. ولم تكن هذه الإمارات متحدة.

قرر إمبراطور المغول أوكتاي خان، وهو ابن جنكيزخان غزو روسيا عام 1236م فاستطاع الاستيلاء على شبه جزيرة القرم،

ثم توجه في العمق الروسي وتوجه شمالاً نحو دوقية موسكو وإمارة فلاديمير فاستولى عليهما عام 1238م

ثم توجه نحو كييف وكانت أهم المدن الروسية وأعظمها في ذلك الحين فدمرها عام 1240م.

سيطر المغول على الإمارات الروسية المتفرقة سياسياً حينها وفرضوا على حكامها الطاعة المطلقة كما فرضوا عليهم واجب حماية الطرق التجارية لمصلحة المغول.

واختاروا عام 1235م دوقية موسكو ودعموا أميرها إيفان الأول ومنحوه لقب أمير الأمراء، فاستطاع هذا الأمير تدريجياً ضم أراضي الإمارات الأخرى إلى دوقيته وتوحيد الأراضي الروسية .

استمر هذا الأمر حوالي مائتين وثلاثين عاماً عندما قام أمير موسكو إيفان الثالث عام 1476م برفض دفع الإتاوات للمغول.

لم يعاقبه المغول للتطرف الجغرافي لبلاده وضعف عوائدها الضريبية التجارية، واكتفوا بالسيطرة على الجنوب الروسي المؤلف من ساحل البحر الأسود وشبه جزيرة القرم حيث تمر القوافل التجارية عبر مسار محور التجارة الدولي هناك.

بعد حوالى السبعين عاماً قام ملك “موسكوفيا” إيفان الرابع الذي اشتهر باسم “إيفان الرهيب” بإعلان نفسه قيصراً لروسيا عام 1547م، وأعلن موسكو عاصمة لدولته التي سميت تاريخياً “روسيا القيصرية”.

استقرت الأمور على ما هي عليه خارجياً في روسيا القيصرية التي انعزلت عن العالم الأوروبي وعانت من محدودية الواردات طوال ما يزيد على مائة وأربعين عاماً حتى مجيء القيصر بطرس الأكبر.

تولى بطرس الأكبر قيصراً لروسيا عام 1682م وهو صبي في العاشرة من عمره.

لم يكن لروسيا إلا ميناءٌ بحريٌ وحيد متصل بالمحيط المتجمد الشمالي وتحاصره الثلوج تسعة أشهر في السنة، ولم يكن للروس أي وجود عسكري أو تجاري في بقية البحار.

أدرك بطرس الأكبر أن قيام دولته ونموها الاقتصادي رهن بتنشيط التجارة البرية والبحرية الروسية، ورأى بطرس أنه لا بديل عن النفاذ لشواطئ البحر الأسود في حال قررت روسيا الانخراط بالتجارة الدولية، هذا البحر الذي تسيطر على شواطئه جهة روسيا إمارة القرم التترية المدعومة عثمانياً.

استطاع بطرس الأكبر رغم ضعف امكانياته العسكرية عام 1696م احتلال ميناء صغير هو “أزوف” ليكون لروسيا موطئ قدم على هذا البحر.

وصول الروس للمرة الأولى إلى ضفاف البحر الأسود الدافئة، سيكون لحضورهم التاريخي على هذه الضفاف أولوية قصوى في السياسة الدولية الروسية التي استمرت على النهج ذاته حتى اليوم.

ثم وجه بطرس الأكبر أنظاره نحو بحر البلطيق كمنفذ بحري ثاني لروسيا، واستطاع بعد حروب طويلة انتزاع موطئ قدم على هذا البحر من السويد في عام 1703م، ثم قام بتأسيس ميناء “بطرس بورغ” كميناء تجاري يحيط به الجليد خمسة شهور سنوياً على بحر البلطيق والذي سيتحول لاحقا إلى عاصمة ثانية لروسيا ومدينة تنافس موسكو عبر التاريخ.

توفي بطرس الأكبر عام 1725م ونسبت إليه بعد وفاته وصية هامة من أربعة عشر بنداً تتعلق بالمستقبل الاستراتيجي لروسيا بين دول العالم.

قامت الامبراطورة الروسية كاترينا العظمى، بعد وفاة بطرس الاكبر بحوالي سبعين عاماً في عام 1794م ووفقا لوصية بطرس، بانتزاع المزيد من سواحل البحر الأسود من الدولة العثمانية، لتعلن عام 1794م تأسيس مدينة “أوديسا” لتكون ميناءً بحرياً رئيسياً لروسيا على البحر الأسود. ” (ميناء أوديسا أهم موانئ أوكرانيا الحالية).

ومن ألمعتقد أن هذه الوصية ما زالت تشكل المنهج الاستراتيجي السياسي الاقتصادي الروسي حتى اليوم.

.