كيف سيبدو عالم ما بعد كورونا؟

خالد أبو ظهر

على الرغم من تحذير علماء الفيروسات من مخاطر تفشي جائحة عالمية منذ انتشار السارس في عام 2003 ، كان العالم سيء الحظ إذ لم يكن مستعداً في الغالب لمواجهة كوفيد -2019.

من المؤسف كذلك ,  أن الوباء جاء في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية حيث أوجد بيئة مستقطبة سياسياً مثلما يحدث في أي بلد. ونتيجة لذلك ، فإن الكثير من التغطية الإعلامية الأمريكية والجدل حول الفيروس والسياسات العالمية اللازمة للتعامل مع آثاره كانت تتعلق أكثر بالسباق الرئاسي وليس بالوباء.ومن الواضح أن هذا كان له تأثير واسع على السياسة الدولية نظراً  لأهمية دور الولايات المتحدة وقيادتها العالمية.

كما كان أحد علامات  سوء الحظ أن الأزمة الصحية جاءت في وقت يكتنفه توترات شديدة بين الولايات المتحدة وثاني أكبر قوة عالمية ،وهى  الصين حيث نشأ الفيروس. وقد زاد هذا من تعقيد أي استجابة محتملة موحدة على الصعيد العالمي .

وفقا لذلك ونتيجة لحالة عدم اليقين العالمي ، من الصعب التكهن بكيفية ظهور الجوانب الحاسمة للأزمة ، التي يبدو أنها ستستمر لمدة 12 شهرًا أخرى على الأقل ، في الشرق الأوسط ، وكذلك التنبؤ بما قد يبدو عليه عالم ما بعد  كورونا

ولعل أحد الأمور المؤكدة  تتمثل فى  أن معظم البلدان ستضطر إلى تحويل تركيزها ومواردها إلى الشؤون المحلية بدلاً من القضايا الإقليمية.

لقد كان وسيظل  للفيروس وعمليات الإغلاق الناتجة عنه لـ”تسطيح منحنى” العدوى ، ، نتائج مدمرة على الاقتصادات والميزانيات الوطنية.  إذ يبدو أنه على الرغم من إعادة فتح أجزاء من الاقتصادات حول العالم ، إلا أن المخاوف الصحية الحالية ستمنع استعادة الأنشطة التجارية بالكامل لبعض الوقت ، لاسيما إذا بدأ عدد الإصابات والوفيات في الارتفاع مرة أخرى بعد أن تخفف الحكومات من الإجراءات الاحترازية.

ومع أنه من الصعب فى عالمنا المترابط بشكل متزايد ،  تحديد ما إذا كان أي بلد سيأتي على قمة الهرم اقتصاديًا ، وبالتالي جيوسياسيًا ، خاصة بالنظر إلى مستويات الديون المرتفعة . لكن يبدو أن البلدان القادرة على الاقتراض بعملتها الخاصة تتمتع بميزة نوعية ؛ حيث ينطبق هذا بشكل أساسي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (إذا كان بوسع الدول الأوروبية توحيد سياساتها) ، كما يفسر بشكل غير مباشر الجدل الحالي في الخليج حول فك ارتباط عملاتها

ربما يكمن اليقين الآخر فى أنه مع معاناة الجميع من شح الأموال ، ستصبح الحروب والحروب بالوكالة باهظة الثمن وستضطر جميع الأطراف إلى تقليص طموحاتها. ونتيجة لذلك ، سيتم تخفيض حالات  العدوان وقد يحدث توافق  بالآراء ينجم عنه التوصل إلى اتفاق بسهولة أكبر. فالدول وحلفاؤها أو وكلائها الذين رفضوا يوما ما الجلوس على طاولة المفاوضات قد يعدلون عن ذلك الآن ، أو ربما يضطرون إلى الانسحاب الكامل من مناطق الصراع.

على سبيل المثال إيران ، التي استهدفتها مؤخراً الولايات المتحدة بسياسة الضغوط القصوى والتي أتت ثمارها بنجاح,  تواجه مشاكل داخلية ، ومع الضغط الإضافي الناتج عن  انخفاض أسعار النفط المنخفضة ، ستصبح أقل قدرة على الحفاظ على دعمها المالي للميليشيات في العراق وحزب الله.لكن هل هذا يعني أن طهران ستوقف تدخلها؟ لا يوجد شيء مؤكد ولكن الاضطراب الداخلي قد يجبرها على القيام بذلك.

وفى ظل تزايد مشاكل إيران ، شهدت المنطقة خلال جائحة كوفيد -19 ظهور أكثر وضوحاً  لتركيا وذلك على الرغم من حقيقة أن البلاد تواجه مشاكل وتحديات اقتصادية .

لقد استغرقت انقرة وقتاً طويلاً لكى تخرج من طور التكوين إلى حيز الوجود الفعلي على الأرض حيث اتجهت إلى الانخراط  في العديد من القضايا الإقليمية خارج نطاق الأمن القومي الطبيعي . ومع أن تورطها في سوريا المجاورة يبدو مفهوماً، بالنظر إلى أن الصراع هناك يهدد بشكل مباشر أمنها القومي بيد أن والأكثر إثارة للانتباه هو الاهتمام التركي المتزايد بليبيا، حيث تسعى إلى استمرار حضورها مع عدم وجود تهديد مباشر أو مبرر جيوسياسي لتفسير ذلك.  ويأتى هذا كله هذا بالتزامن مع خطاب سياسي ترتفع به مؤشرات استمرار تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية في السنوات المقبلة.

وإذا أمعنا النظر في السياسات التركية سنكتشف أن أنقرة  تعمد إلى تكريس تواجدها على النقاط الرئيسية على طرق الطاقة الأوروبية. ولعل هذا ليس مفاجئًا، لأن أوروبا لا تزال التركيز الرئيسي والثابت لأنقرة.  لذا، فإن تركيا تتنافس الآن بشكل مباشر مع روسيا – أكبر مورد للغاز إلى أوروبا – في سوريا، كما رسخت إيران أيضًا حضورها بقوة خاصة و أن البلاد هي مفتاح الوصول الرئيسي للبحر الأبيض المتوسط لتوريد الغاز والطاقة إلى أوروبا.

حيث تتحدى تركيا روسيا للسيطرة على الصنبور الذي يزود أوروبا بالطاقة ، وهذا يفسر مشاركتها في ليبيا وبلدان أخرى. فضلاً عن أن نفس المنطق لا يكشف أسباب رد فعل أنقرة السلبي على مشروع خط أنابيب الغاز الإسرائيلي-اليوناني-القبرصي ، إيستميد فحسب، بل  يحفز استراتيجيتها، حيث أنها تأمل في الاستفادة منها لتحقيق المزيد من المكاسب في المنطقة.لذلك ، يمكن ترجيح زيادة التركيز التركي على البحر الأبيض المتوسط وعلى طرق سلسلة التوريد ونقاط الوصول للطاقة ، بالإضافة إلى البضائع التي يتم شحنها من الشرق إلى أوروبا.

في هذه المرحلة ، تشمل الطرق البرية لمبادرة الحزام والطريق الصينية مسارًا يمر عبر روسيا وآخر عن طريق تركيا. والتي تدرك جيداً حجم المكاسب بهذا المشروع الضخم ، لذلك تسعى أنقرة جاهدة لضمان وجودها في النقاط الرئيسية على طول طريق الحرير البحري ومرة أخرى ، لا تسترشد بمخاوف الأمن القومي ولكن برغبة في زيادة نفوذها الإقليمي.

في حين تواجه روسيا تركيا على الأرض بسبب عدد متزايد من القضايا ، من المثير للاهتمام ملاحظة النقص الواضح في أي مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة أو الصين ، أكبر قوتين عالميتين ، بل والمثير للدهشة ، الغياب التام للدول الأوروبية ، التي ينبغي أن تكون أكثر قلقا بشأن ما يحدث.

عند تقييم كيفية توجيه القوى العالمية والإقليمية لسياساتها الخارجية وإدارة مناطق الصراع القائمة ، فإن استقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي المحلى سيلعب دورًا مهمًا.

ومع ذلك ، فإن نقاط الضعف الواضحة قد تدعو إلى خطوات جريئة ومحاولات خطيرة للاستيلاء على السلطة. سيكون هذا التوازن الدقيق هو المحرك الرئيسي للسياسات الدولية خلال السنوات المقبلة. يمكن للمرء أن يقول إن عدم اليقين والتقلب قد انتشر من أسواق الأسهم إلى الساحة الجيوسياسية.

.