فلسطين يا شعبنا العربي

 

محمود كامل

 

يبقى الصراع العربي الإسرائيلي دائما – وحتى يزول الاستيطان الصهيوني من ارض فلسطين – صراع وجود وليس صراع حدود، وتلك ليست مقوله تطلقها الحناجر لا لتذهب أدراج الرياح ، لكنها حقيقة وواقع لابد أن يترسخ في الوجدان .

فعلى مدى التاريخ والأيام، أدرك نابليون بونابرت أن وحدة مصر وسوريا هي كيان وحدوي أن تحقق صار للعرب سياج، وصارت العروبة تستعصى على كل احتلال ، وتجهض أطماع الغزاة ، وهنا أدرك أنه لابد من فاصل يقطع الأوصال بين ارض الشام ومصر الحضارة وهمزه الوصل بين جناحي الأمة العربية في آسيا وأفريقيا .

أنها فلسطين، بلد السلام، ومهبط الأديان، ومسرى محمد عليه السلام، صارت العين عليها تخطط وتدبر، منذ أن تحطمت قوافل الحملة الفرنسية على أبواب عكا، على أثر مقاومة وَالِيها وجنودها البواسل، فحموا سوريا من براثن الاحتلال، وكانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير، وغدى قادة الحملة الفرنسية على يقين بأن مغادرتها الأراضي المصرية قاب قوسين أو أدنى ، وإزاء مقاومة المصريين سقطت الحملة في شرك النضال المصري وراحت تلملم بقاياها وغادرت مصر إلى حيث آتت ،منذ تلك اللحظة أدرك نابليون بونابرت أن تلاحم مصر مع سوريا لابد أن ينتهي وتنفصم عراه أذا ما أراد الغرب الاستعماري السيطرة على المنطقة العربية لينعم من معين ثرواتها .

وكانت فلسطين هي المطمع والحد الفاصل بين مصر وسوريا ،وفى احتلالها وإخراجها من سياقها العروبي، ما سيُقطع الأوصال بين مصر وسوريا، ويسهل السيطرة على عالمنا العربي، ويمنع تقدمه على مر العصور والأجيال، وعلى ذلك كان الفعل الاستعماري الأوروبي خاصة البريطاني ممثلا في وعد بلفور صادرا ممن لا يملك إلى من لا يستحق، وقد تُرجم هذا الوعد واقعا بإعطاء فلسطين وطن قومي لليهود والهدف تقسيم العالم العربي ، ووضع حد فاصل يجهض أي عمل وحدوي بين مصر وسوريا فكانت النكبة في العام 1948، وما استتبع ذلك من حروب 1956 و 1967 و 1973 ، وحروب لبنان كلها وأخرها حرب 2006.

 

صار تآمر الرجعية العربية إلى آخر مداه مع المؤامرة لاندثار حق العودة، ومتابعة تدنى المؤامرة الكونية والتماهي معها من أجل شرق أوسط جديد تقوده إسرائيل ، وتمحو به فلسطين من الخريطة السياسية.

لكن وعلى مدى التاريخ القريب كانت هناك ومضات مضيئة قادها الزعيم جمال عبد الناصر للتشبث بفلسطين وحق العودة وإزالة الاستيطان الصهيوني من أرضها ، كهدف تكتيكي لابد من تحقيقه من اجل الهدف الاستراتيجي وهو الوحدة العربية – احتضن “ناصر“ المقاومة الفلسطينية وحماها من الإبادة على يد الملك حسين، وثار ندائه “أرفعوا أيديكم عن النضال الفلسطيني”- وزلزلت المقاومة الفلسطينية أركان الوجود الصهيوني الاستيطاني في فلسطين ، وبثت العمليات الفدائية الرعب في نفوس المستوطنين ، وبدت الانتفاضة الأولى والثانية، ثورة شعبية جعلت الأرض تميد من تحت أركان الدولة العبرية – ثم صارت المقاومة اللبنانية تقود النضال وتحتضن المقاومة الفلسطينية ، ليشكلا معا تلاحما عروبيا نضاليا قدم أروع الأمثلة واجل التضحيات من اجل فلسطين وطن خالي من المستوطنين الصهاينة.

من هنا صَعَدت المؤامرة الكونية على الأمة العربية سَعِيرها وراحت تشعل نيرانها في مصر وليبيا واليمن ولبنان وأخيرا في سوريا.

تماهت (حماس) مع المؤامرة وانزلقت أرجلها في وحلها، وأن بقيت كتائب القسام تخوض النضال- وبانغماس محمود عباس وبعض من قيادات فتح في اللهث وراء سراب السلام مع إسرائيل ، وتماهي قيادات حماس، بالإضافة إلى انشغال الشعوب العربية فى إطفاء الحرائق التي اشتعلت على أراضيها ، صارت المؤامرة الصهيوأمريكية تحقق هدفها وهو الهاء قوى المقاومة والشعوب العربية عن فلسطين وبدا إن ذلك محاوله للتسليم بالأمر الذي أرادوه واقع وهو الوجود الصهيوني على ارض فلسطين، وبدا التطبيع على أشده بين حكام العرب والعدو الصهيوني، وسخروا جل تأمرهم من اجل الصداقة مع إسرائيل وخلق عدو وهمي بديلا لها (إيران).

 

والسؤال الآن هو : هل أدرك الشعب العربي حقيقة المؤامرة؟ هل وضحت الرؤية وتأكد أن هدفها من إشعال النار في البلدان العربية هو خدمة الأمن الإسرائيلي، و من اجل الوثوب إلى الهدف الاستراتيجي وهو تمدد إسرائيل من النيل إلى الفرات ومحو فلسطين من خريطة الوطن العربي واستبدالها بشرق أوسط جديد تقوده إسرائيل ؟

علنا ندرك ذلك جيدا الآن وقبل أن تصل المؤامرة إلى نهايتها الدراماتيكية، وأن ننهى خلافاتنا ونطفئ النار المشتعلة في سوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا ولبنان وكل بلدان الأمة العربية ،وأن نتجاوز أنانيتنا وتعصبنا المقيت للدونية والاستغراق في المحلية والشوفونية ، منطلقين إلى هدفنا القومي لشحذ الهمم وهو الوحدة العربية بين الشعوب، والتي لا يمكن إن تتحقق إلا إذا سبقها هدف تحرير فلسطين .

 

فى الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطيني لابد للأعلام القومي الحر بكل وسائله وأدواته أن يرفع من جديد ويؤكد على أن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع وجود وليس صراع حدود، ولابد لأسم فلسطين وعلمها أن يعودا إلى الواجهة فى نشرات الأخبار والعناوين الرئيسية للصحف، وعلى كل وسائط التواصل الاجتماعي والمواقع.

وعلى الشعوب العربية وقواها ان تمد يد العون المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني، وأن ترفع فى كل ميادين البلدان العربية أعلام فلسطين وخريطتها وقبل كل ذلك أن تزيل السفارات الصهيونية في القاهرة وعمان والمكاتب التجارية الصهيونية في دول الخليج و وأن تجعل من الدار البيضاء راية نضال ضد المظاهر الصهيونية فيها .

من هنا نكون قد بدأنا طريق طويل، سوف يمتد مخضبا بدماء الشهداء من بيروت إلى القدس ومن دمشق إلى القدس ، ومن بغداد إلى القدس ، ومن القاهرة إلى القدس ومن كل مكان في أمتنا العربية حيث يقف الرجال في طابور طويل يمتد نحو تحرير كل التراب الفلسطيني من دنس الاستيطان الصهيوني.