عندما كان العالم يتحدث العربية!

محمد حسني النني /

«منذ منتصف القرن الثامن وحتى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، كانت اللغة العربية هي لغة البشرية العلمية المتقدمة، وعندما كان الشعور بالرغبة في معرفة أعمق ينضج لدى الغرب، كانت اللغة العربية أول ما جذب انتباههم، وليست المصادر اليونانية بل العربية».          

جورج سارتون في مقدمة كتاب «تاريخ العلم».

في هذا المقال نحاول أن نلقي الضوء على بعض النواحي التي فرضت فيها اللغة العربية نفسها لغةً عالميةً، في أثناء العصر الذهبي للإبداع والابتكار في الحضارة الإسلامية.

العربية لغة العلم

في العصر الذهبي للإبداع منذ أكثر من 1000 عام، ما كان لافتًا حول الاكتشافات والابتكارات والبحوث وكتابات العلماء والباحثين، خلال القرون الوسطى في أوروبا، هو العطش الذي لا يشبع من أجل المعرفة.

بلغت ذروتها في الوقت الذي لعب حكام بغداد دورًا رئيسيًّا في حركة رائعة من جمع وترجمة إلى اللغة العربية، من المعارف القديمة من اليونان وروما والصين وبلاد فارس والهند وأفريقيا، وبناء مجموعة علمية، وأكاديمية العلوم التي أصبحت مكانًا زاخرًا بالعلماء، والمترجمين المشهورين، والمؤلفين، والأدباء، والعلماء، والمهنيين في مجال الفنون، والحرف اليدوية.

«بيت الحكمة في بغداد كان مركزًا لدراسة الإنسانيات، والعلوم بما فيها الرياضيات، والفلك، والطب، والكيمياء، وعلم الحيوان والجغرافيا… مرسومة على المخطوطات الفارسية، والهندية، واليونانية فقد حصد العلماء أعظم مجموعة معرفية في العالم، والتي بنوا من خلالها اكتشافاتهم الخاصة». – بريان ويتاكر كتب في جريدة الجارديان.

علماء مشهورون مثل ابن الهيثم، والصوفي، وابن سينا، والرازي، والخوارزمي، والكندي، والجاحظ هم فقط بعض الأسماء نتاج عصر الإبداع الذهبي، والذين أثرت أعمالهم في أجيال قادمة.

العربية لغة الفلك

واحد من العلوم التي شهدت تقدمًا كبيرًا خلال الحضارة الإسلامية هو علم الفلك. اكتشافات علماء الفلك صنعت عهدًا جديدًا، كما سجلت أول نظام النجوم خارج مجرتنا، ووضعت الأدوات التي كانت الأساس لعلم الفلك في العصر الحديث.

عندما ترجمت كتابات بطليموس للعربية في القرن التاسع الميلادي. أصبح الوصف العربي للنجوم شائع الاستخدام. ومع إضافات جديدة في العصر الذهبي، وترجمات لاتينية لاحقة حافظت على عادة تسمية النجوم بأسماء عربية. واليوم العديد من النجوم الساطعة لديها أسماء عربية أعطيت لها في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية.

العربية لغة الفن والجمال

واحدة من المساحات التي نبغت فيها عبقرية الحضارة الإسلامية في جميع أنحاء العالم هي الفن. فقد لاءم الفنانون المسلمون إبداعهم لاستحضار معتقداتهم الداخلية، في سلسلة من الأشكال المجردة منتجين أعمال فنية رائعة.

واحد من الفنون الزخرفية التي تطورت في الثقافة الإسلامية هو فن الخط، الذي يتسخدم حروف فنية مجتمعة مع أشكال هندسية وطبيعية. ويرجع تطور الخط لأهمية اللغة العربية في الإسلام، والأهمية الكبرى للكتابة في التقاليد العربية.

العربية لغة الشعر

عادةً ما كان الشعر هو شكل قوي، وبليغ التعبير في التراث العربي. ومع الحركة العلمية في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية لم تتعارض العلوم الإنسانية مع العلوم الطبيعية. فقوة اللغة العربية كانت قادرة بكل سهولة على التكيف مع طرق جديدة لاستخدامها لصالح البشرية.

وبالتزامن مع إحياء العديد من العلوم في هذا الوقت. فقد ازدهرت أشكال جديدة من الشعر العربي. مع ظهور أشعار استخدمها العلماء في تعليم العلوم، مثل الفيزيائي الشهير ابن سينا، والبحار الشهير ابن ماجد. وفي هذه الأثناء تعامل الشعر العربي أيضًا مع نواحٍ عديدة: اجتماعية، وأخلاقية، وإنسانية للعلوم.

العربية لغة الأدب

لطالما اعتبر العرب لغتهم الأداة الأمثل للدقة، والوضوح، والبلاغة مثبتين ذلك بالقرآن نفسه، وكذلك بعض المختارات من الأدب. ومنذ تبني القرآن كمعيار ثابت، تراكم بشكل يدعو للدهشة العديد من الأدب الغني على مدى أربعة عشر قرنًا.

بالإضافة إلى الشعر، ازدهر النثر في العصر العباسي. كان نابغة النثر العربي في ذلك الوقت هو الجاحظ (عاش في القرن 8/9 في بغداد). أصبح واحدًا من أكبر المثقفين، وقد اشتهر كتابه «بخلاء» الذي كان دراسة بارعة وثاقبة للنفس البشرية.

وقد اشتهر العديد من الكتّاب والشعراء الآخرين، منتجين الكثير من الأعمال الأدبية المؤثرة والملهمة، والتي ما زالت حية إلى الآن أمثال المتنبي، وياقوت الحموي، وبديع الزمان، وابن حزم الأندلسي، وابن طفيل، وغيرهم الكثير.

.