صناعة الحياة .. هجرة !!

عبد القادر مصطفى

انتهى عام هجري وأقبل عام آخر، وهكذا لن تتوقف عجلة الزمن حتى تُبدل الأرض غير الأرض بإذن من خلقها وفعَّل فيها نواميسها.

في رأيي – المتواضع – أنّ الحياة لم تُخلق لتُستهلك وتنتهي القصة بقدوم الموت القاهر لها، ولكنها خٌلقت لتكون ميداناً للعمل، يتنافس فيه المتنافسون، ويتقدم فيه العاملون الجادون..

قال الله «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ».

صناعة الحياة وإعمار الأرض على نحو ما أراد الله هي عمل المؤمنين – حقاً – بالقوانين الحاكمة لحركة الكون بكل ما يحويه، ولا أكاد أصدقُ أنّ إنساناً يقرأ كتاب الكون المنظور – بدعوة من كتاب الله المسطور – ثم لا ينكبُ على البحث والعلم والعمل، طاعة وعبادة لمن أمر، إلا حين أرى تردي وتخلف المسلمين في كافة ميادين الحياة، فكرياً وعلمياً وثقافياً وتكنولوجياً، وكأن الدين الذي حضَّ على إعمال العقل والبحث في مناكب الأرض قد تحدث إلى غير المُمسكين به، بينما تحول لدى المسلمين إلى مظهر أجوف لا صلة له بالحياة!.

إن القلبُ ليعتصر ألماً حين تمر الأيام مر السحاب والنخب في وطني العربي والإسلامي مشغولون بالسباحة في السطحيات وتحليل القشريات، نصرة لقضايا هامشية، فئوية أو حزبية أو شخصية، بينما القضايا المصيرية للأوطان تعاني تجاهلاً وإهمالاً وتهميشاً، الأمر الذي انتقلت عدواه إلى أحاديث الناس ومناقشاتهم.

لماذا يا نخب الوطن لا تتحدثون عن التخلف الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكيفية النهوض بالأمة من وضعها الضعيف على كافة الأصعدة، وماذا فعلتم في عقول الناس الذي اعتقدوا من خلالكم أن هذا قدر لابد أن نقبل به؟.

و لماذا لا تشرحون للناس بأن الزهد لا يعني ترك الحياة لغيرنا ليقودوها إلى حيث ينشدون، وإنما يعني الزهد فيها وأنا أملكها وهي رهن إشارتي؟.

ولماذا لا تقولون للناس بأن الدين ليس صلاة وصوم وزكاة وحج فقط؟.

ولماذا لا تعلمون الناس بأن محرابهم الذي يتعبدون فيه إلى الله هو حياتهم بما تحمل من أفكار وأقوال وأفعال، وأن محراب المسلم ليس المسجد فقط؟.

إننا أمام عقليات برزت على السطح، نظرت إلى الدين على أنه ترف يُمارس في المساجد ووسائل الإعلام، وغاب عنها أن الدين حياة متكاملة في الجامع والشارع، والمصنع والمتجر، والمستشفي  والمدرسة، أي أن الدين أخلاق وسلوك وعمل وإنتاج وإتقان وتقدم وحضارة..الخ، وليس مجرد رقائق ودعوة إلى التبتل والزهد والرضا بالفقر والتخلف والهزيمة والسلبية!.

يجب أن يكون مفهوماً بأن صلاتك شيء يخصك وحدك، أما أخلاقك وعملك وعدلك .. الخ، هي أمور تخص المجتمع، وبالتالي فلا فائدة لصلاة لا تؤدي إلى إحسان الحياة وقيادتها إلى أفضل حال.

ذلك كان شأن القرآن في كل آياته تقريباً، حين ربط بحرف العطف بين الإيمان والعمل، وكأن القرآن يريد أن يقول: بأن الترجمة والبلورة العملية لحقيقة الإيمان الصادق هي: العمل الصالح، وهذه رسالة مُعلم البشرية عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن: « ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل».

.