شعارات حزب البديل .. لم تعد تصلح بعد الآن

محمد عبد المنعم

تقول مجلة «فورين بوليسي» أنه بالنسبة لليمين المتطرف الشعبوي، البديل من أجل ألمانيا، فإن الحصول على اهتمام شبه مستمر، وتحويله إلى زخم سياسي، لا يمثل عادة مشكلة بالنسبة له.

فمن خلال موهبة سياسييه الفطرية في الاستفزاز وتركيزهم المتعنت على قضايا الهجرة واللاجئين، والعدد غير المحدود من منشوراتهم المحبِطة التي تملأ وسائل التواصل الاجتماعي حول إخفاقات الحكومة؛ تمكن الحزب من الهيمنة باستمرار على العناوين الرئيسية والتأثير غير المتناسب على اتجاه الجدل السياسي في ألمانيا.

لا يزال سياسيو حزب «البديل من أجل ألمانيا» ينشرون تغريدات مناهضة للاجئين وينتقدون حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. ولكن في خضم تفشي فيروس كورونا، وبوجود عشرات الألا من حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس في ألمانيا، وعزل المواطنين إلى حد كبير في المنازل، لا يبدو أن الناس يستمعون لهم كما اعتادوا أن يفعلوا.

فيروس والاستبداد

من المؤكد أن الأحزاب اليمينية المتطرفة التي في السلطة استخدمت فيروس كورونا بالفعل باعتباره فرصة للدفع بالمزيد من التدابير الاستبدادية: مرر رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، تشريعًا يوسع من سلطاته في حالة الطوارئ دون تحديد تاريخ انتهاء، ويمضي حزب العدالة والقانون البولندي قدمًا لإجراء الانتخابات الرئاسية في مايو (أيّار) على الرغم من حقيقة أن الحظر المفروض في البلاد يمنع حصول حملة انتخابية فعلية.

لكن أولئك الذين في المعارضة حاليًا – مثل حزب البديل من أجل ألمانيا- يواجهون معضلة جديدة؛ إذ التف الناخبون بشكل كبير حول المسؤولين الحكوميين والخبراء لإرشادهم خلال هذه الأزمة، ما أفقدهم الأضواء التي لطالما كانوا يعتمدون عليها.

ومن المفارقات الساخرة أن هذا الوضع الجديد يأتي على الرغم من حقيقة أن هذه الأحزاب – التي لطالما دافعت عن إقامة حدود داخلية لأوروبا ودول قومية قوية تُعنى بمصالح مواطنيها في المقام الأول- حصلت بالفعل في المدى القصير على كثير مما كانت تريده. ومع ذلك، لم يعد بمقدورها السيطرة على النقاش السياسي بعد تفشي الفيروس كما كانت تفعل عادة، وهي الآن تكافح للحصول على الاهتمام، وصياغة خطاب متماسك.

يقول يوهانز هيلجي، المستشار السياسي المقيم في برلين، والخبير في الاتصال والأساليب البلاغية التي يستخدمها حزب البديل من أجل ألمانيا: «هذه الأزمة ليست كغيرها من الأزمات التي استفاد منها حزب البديل من أجل ألمانيا، كأزمة اليورو وأزمة اللاجئين. في كلٍ من هاتين الأزمتين كان هناك عدو خارجي، لكنّ العدو الآن هو الفيروس، الذي ينتشر من الداخل. وهكذا فإن السردية الشعبوية الافتراضية- «نحن» ضد «هم»، و«القريب» ضد «الغريب»- لم تعد تصلح بعد الآن».

ربما تكون ألمانيا أفضل مثال على هذه الديناميكية التي تكشفت حديثًا، ومدى السرعة التي تحولت بها الأشياء: فحتى بضعة أسابيع قبل أن يصبح فيروس كورونا هو موضوع النقاش الأساسي، كانت البلاد منغمسة بعمق في الجدال حول التأثير السياسي المباشر وغير المباشر لحزب «البديل من أجل ألمانيا».

وفي أوائل فبراير (شباط)، صوّت حزبان يميلان لليمين – من بينهما حزب ميركل الاتحاد الديموقراطي المسيحي- مع حزب «البديل من أجل ألمانيا» لهزيمة حاكم يساري في ولاية تورينجيا المركزية. تسبب التصويت الذي كسر المحظورات في استقالة خليفة ميركل المنتخب في حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي، وافتتح عصرًا من البحث الوطني عن الذات حول دور حزب «البديل من أجل ألمانيا» في السياسة والمجتمع الألماني.

تفاقم هذا الجدل لاحقًا عندما أطلق يميني متطرف النار على تسعة أشخاص – معظمهم من أصول أجنبية- وقتلهم في حانتي شيشة في مدينة هاناو؛ ما أثار تساؤلات حول كيفية إسهام خطاب الحزب المناهض للمهاجرين في تعزيز العنف اليميني المتطرف.

جائحة عصفت بالآمال

كان يعتقد بأن هذه الموضوعات، التي أثارت المشاعر بعمق في ألمانيا، ستهيمن على النقاش السياسي لشهور تالية. لكن جاء فيروس كورونا ليستحوذ على الاهتمام الجماعي للمواطنين.

وفي البداية، أشاد سياسيو حزب «البديل من أجل ألمانيا» بإغلاق الحدود، وزيادة التركيز على الشأن الوطني، وقالت السياسية بياتريكس فون ستورتش، من بين قادة الحزب، بأن الفيروس «أثبت فشل فكرة العولمة الخالية من الحدود»، ودعت إلى أن تظل الضوابط الحدودية الجديدة على نحو دائم.

ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من أنهم أمضوا الأسابيع الأخيرة منتقلين من جدال إلى آخر، انتقد الحزب وسياسيّوه – ضمن ما انتقدوه- المستشارة ميركل؛ لأنها لم تستجب لتفشي الوباء بالسرعة الكافية، وقال إن إجراءاتها كانت شديدة القسوة والاستبداد، وتورطت في صراع حزبي حول انقسام مقترح بين جناحيه، الأكثر اعتدالًا واليميني المتطرف، وضربت عرض الحائط ببرامج دراسات النوع الاجتماعي في الجامعات الألمانية، وطالبت بفتح الكنائس في عيد الفصح بالرغم من الجائحة.

لكن عندما كشف سياسيو حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشهر الماضي عن وثيقتهم السياسية المكونة من 10 نقاط لمكافحة فيروس كورونا، بدت – مع بعض الاستثناءات الصغيرة- مشابهة إلى حد كبير لنوع الإجراءات التي اقترحها أحزاب وسياسيون آخرون: زيادة طاقة إجراء الاختبارات، وإنتاج معدات حماية إضافية للعاملين في القطاع الصحي، وحماية المواطنين الأكثر عرضة للعدوى؛ وكلها اقتراحات لا تكاد تكون حزبية أو جديدة.

تختم الصحيفة بالقول: إن قاعدة الحزب القوية والنشطة عادة، الموجودة على وسائل التواصل الاجتماعي – أداة الحزب الرئيسية للتواصل مع مؤيديه – تبدو أقل حماسة.

وحين تابع يوهانز هيجلي الشخصيات التي تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي من حزب «البديل من أجل ألمانيا» على مدى الأسابيع الثلاثة التي سبقت أزمة فيروس كورونا، وخلال الأسابيع الثلاثة التي بدأ فيها الفيروس يطغى على عناوين الأخبار؛ وجد أن منشوراتهم بالكاد تلقى نصف التفاعل الذي كانت تحصل عليه في العادة. وأكثر من ذلك، كانت المنشورات التي تتحدث عن الأزمة نفسها هي الأقل قابلية لتلقي الإعجاب والمشاركات والتعليقات من المؤيدين.

.