سقوط متوالي للحكومات الإسرائيلية

لطفي عمار /

بعد أسبوع من الذكرى السنوية الأولى لتوليهما المنصب، أعلن زعيما الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت ونائبه وزير الخارجية يائير لابيد، يوم الإثنين 20 يونيو/حزيران 2022، أنهما “استنفدا كل الجهود لتحقيق الاستقرار في الائتلاف”، وأنهما سيحلّان البرلمان الإسرائيلي “الكنيست” لتتجه إسرائيل إلى انتخاباتها العامة الخامسة في أقل من أربع سنوات. فما وراء انهيار الائتلاف الحكومي، ومن القوى التي تستطيع حسم الانتخابات القادمة؟

انهيار الحكومة الإسرائيلية.. ما الذي حدث؟

كان من المفترض أن تنتهي سلسلة من الانتخابات غير الحاسمة وفترة طويلة من الشلل السياسي في يونيو/حزيران الماضي 2020، عندما تمكّن نفتالي بينيت، اليميني المتطرف، وحليفه يائير لابيد، من توحيد ثمانية أحزاب متباينة، بما في ذلك حزب “راعام” العربي المستقل- وهو أول حزب على الإطلاق يشارك في حكومة إسرائيلية. حصل هذا الائتلاف على أغلبية ضئيلة في الكنيست، وبالتالي كان قادراً على إنهاء حكم الزعيم اليميني بنيامين نتنياهو الذي دام 12 عاماً.

لفترة قصيرة سارت الأمور بسلاسة إلى حد ما؛ حيث أقرت الحكومة الإسرائيلية ميزانية طال انتظارها، لكن سرعان ما كان بينيت ولابيد يكافحان للحفاظ على تحالف التناقضات. وفي أبريل/نيسان، انشقت عضو الكنيست المتطرفة إيديت سليمان من الائتلاف الحاكم الحكومي. وقالت سليمان آنذاك إنها “اختارت الاستقالة بسبب شعورها بأنها لا تستطيع تحمُّلها بعد الآن”، مؤكدةً أنها “لا تستطيع الاستمرار في إلحاق الضرر بالهوية اليهودية لدولة إسرائيل”، على حد قولها.

ومثّل خروج سليمان من الائتلاف الحكومي خسارة الحكومة أغلبيتها في البرلمان؛ مما يعني أنها أصبحت غير قادرة على تمرير أي مشروع قانون إلا بدعم من نواب المعارضة.

وسقطت الحكومة أخيراً بعد أن رفض أعضاؤها العرب تجديد “قانون الطوارئ في مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة”، ورغم أن المعارضة، بقيادة نتنياهو، تدعم القانون من حيث المبدأ لكنها صوتت ضده لدفع الحكومة نحو الانهيار.

وكان سقوط “قانون الطوارئ في مستوطنات الضفة” قد شكّل القنبلة التي ألقاها معارضو الحكومة، وبعض داعميها سابقاً، وعلى رأسهم نتنياهو، بين أقدام أعضاء الائتلاف، الذين سرعان ما انقسموا على أنفسهم، ما أنذر بوجود خطر وجودي على الحكومة. وبعد عدّة استقالات من مجلس الوزراء والائتلاف، وتعليق بعض أعضاء الكنيست دعمهم لبينيت، أدرك رئيس الوزراء أن هذه هي النهاية ولا مفر من حل الحكومة.

بموجب شروط اتفاق الائتلاف، فإن بينيت، رئيس الوزراء الذي يقول إنه “تعلم قيمة التسوية خلال العام الماضي”، سيتنازل عن وظيفته لحليفه لابيد، ليسيّر الأخير شؤون الحكومة حتى تجرى الانتخابات.

من هو يائير لابيد رئيس وزراء إسرائيل الجديد؟

بحسب اتفاق بينيت-لابيد، سيصبح الأخير على الأرجح المقبل رئيس الوزراء الرابع عشر لإسرائيل، بعد 10 سنوات من انتخابه في الكنيست لأول مرة.

ويبلغ لابيد من العمر 58 عاماً؛ إذ نشأ في تل أبيب، وهو من مواليد عام 1963 لوالديه يوسف (تومي) لابيد، وهو صحفي وعضو كنيست ونائب رئيس الوزراء ووزير القضاء، بعد تخرجه في المدرسة العبرية في هرتسليا، التحق بجيش الاحتلال الإسرائيلي وأدى معظم خدمته العسكرية في صحيفة “بامحنيه” التي تخرج منها عام 1985.

اشتهر لابيد كمقدم للأخبار في القناة 12 العبرية، وله تجارب في كتابة الأغاني والمسلسلات والمسرحيات. وأعلن عام 2012 دخوله الحياة السياسية بتأسيس حزب “يش عتيد”، وهو حزب صهيوني وطني وليبرالي من يمين الوسط، تفاجأ بانتخابات 2013 عندما حصل على 19 مقعداً وأصبح ثاني أكبر كتلة في الكنيست التاسع عشر، ليشغل لابيد منصب وزير المالية.

لم يرشح لابيد نفسه أبداً ليكون رئيساً للحكومة، وقد تنازل عن رئاسة الوزراء أولاً لبينيت في الحكومة المنحلة أخيراً، وربما لم يكن الناخب الإسرائيلي ليصوت للابيد ليكون رئيساً للوزراء، لكن عندما يجلس بالفعل على الكرسي، ربما يغير الناخب الإسرائيلي رأيه، وربما ينجح لابيد في استغلال الوقت في تحركات سياسية مختلفة، وربما في النهاية سيضطر إلى إخلاء المكان، وفي جميع الأحوال، حصل لابيد على “فرصة العمر” اليوم ليصبح رئيساً للوزراء.

هل يعود نتنياهو مجدداً؟

فشل نتنياهو أربع مرات متتالية في تأمين أغلبية مطلقة لكتلته المكونة من أحزاب يمينية ودينية متطرفة، لكنه ظل رئيساً للوزراء بالوكالة من خلال انتخابات تلو الأخرى، فيما لا تزال تشير استطلاعات الرأي إلى عدم قدرته هو الآخر على حسم الانتخابات القادمة.

لكن نتنياهو يعتقد أن بإمكانه القيام بعمل أفضل هذه المرة من خلال شن حملة ضد التحالف الذي ساعد للتو في إسقاطه، وسارع إلى انتقاد الحكومة المنتهية ولايتها “لاعتمادها على مؤيدي الإرهاب” في إشارة إلى النواب العرب.

قد يفوز هذا التخويف السخيف بالأصوات، على الرغم من أنه قد يدفع أيضاً عرب الداخل، الذين يشكلون أكثر من خُمس السكان، للتصويت بأعداد أكبر من المعتاد. ويرى الكثير من اليمينيين أن ضم حزب عربي إلى الحكومة تجربة فاشلة، لكن بالنظر إلى الحسابات المرهقة المتمثلة في تجميع الأغلبية معاً، من الصعب تخيّل أن الوسط واليسار لن يتحولا إلى الأحزاب العربية مرة أخرى. مهما كانت نتيجة الانتخابات، فإن الائتلاف المنحل الآن قد غير السياسة الإسرائيلية.

ولم يحدد بعد موعد الانتخابات العامة القادمة، لكن يتوقع أن تكون في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بحيث ستكون خامس انتخابات تشهدها إسرائيل خلال ثلاثة أعوام ونصف العام، وتدخلها في نفق مظلم مجدداً لا يستطيع أحد إيجاد مخرج واضح له.

.