رغم حملات التطعيم في أوروبا : عودة كورونا بشراسة

عادل فهمي /

أصبحت ظاهرة عودة كورونا إلى أوروبا بقوة بمثابة كابوس مفزع لبقية العالم، يستدعي معرفة أسباب هذه الظاهرة في القارة التي يفترض أنها من أكثر مناطق العالم نجاحاً في حملات التطعيم ضد المرض.

في مظهر مُحزن يؤشر إلى عودة كورونا إلى أوروبا باتت هولندا أول دولة في أوروبا الغربية تفرض إغلاقاً جزئياً منذ صيف 2021، وأغلقت برلين مطاعمها في وجه من لم يتلقوا اللقاح، فيما تُسابق فرنسا الزمن لتكثيف حملة الجرعات المعززة، وهكذا أضحت أوروبا مركز الجائحة من جديد.

المنطقة الوحيدة التي ترتفع فيها الإصابات والوفيات

عادت أوروبا لتتصدر المشهد الوبائي في العالم، مما يدفع بعض الحكومات إلى بحث إعادة فرض إجراءات الإغلاق التي لا تلقى قبولاً شعبياً. وتمثل أوروبا “بؤرة” جديدة لوباء كورونا، إذ سجلت أكثر من نصف الإصابات في متوسط سبعة أيام على مستوى العالم ونحو نصف أحدث الوفيات، وهو أعلى مستوى منذ أبريل /نيسان في العام الماضي عندما اجتاح الفيروس إيطاليا لأول مرة، وفق وكالة رويترز. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ارتفعت الإصابات بفيروس كورونا في القارة، وهو ما يجعلها المنطقة الوحيدة في العالم التي ترتفع فيها حالات الإصابة والوفيات باطراد. وقالت منظمة الصحة العالمية إن ما يقرب من ثلثي الإصابات الجديدة- نحو 1.9 مليون- موجودة في أوروبا، حيث شهدت عدة دولٍ موجات رابعة أو خامسة.

أسباب عودة كورونا إلى أوروبا

ونبه المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها، إلى أن الوضع الوبائي العام في البلدان الأوروبية يبعث على القلق الشديد نتيجة عودة كورونا إلى أوروبا الذي يتمثل في الارتفاع السريع في عدد الإصابات اليومية الجديدة والازدياد المطرد في عدد الوفيات.

تقديرات خبراء المركز للمشهد الوبائي في البلدان الأعضاء، التي تستند إلى معدل موحد يحتسب على أساس المؤشرات الوبائية على مدى خمسة أسابيع، أظهرت أن ثمة 10 بلدان؛ هي بلجيكا وبلغاريا وكرواتيا وتشيكيا وإستونيا واليونان والمجر وهولندا وبولندا وسلوفينيا، يشكل فيها المشهد الوبائي مصدراً للقلق الشديد، وأن 13 أخرى هي النمسا والدنمارك وفنلندا وألمانيا وأيسلندا وآيرلندا ولاتفيا وليتوانيا ولوكسمبورغ والنرويج ورومانيا وسلوفاكيا يستدعي الوضع الوبائي فيها القلق.

باستثناء أوروبا الوسطى والشرقية، حيث تكون أعداد من تلقوا التطعيم أقل بكثير، تظل حالات الدخول إلى المستشفيات والوفيات أقل بكثير مما كانت عليه قبل عام، والاختلافات بين البلدان في التدابير الوقائية تجعل من الصعب استخلاص استنتاجات عامة.

لكن الخبراء يتفقون على أن السبب الأكثر ترجيحاً هو مزيج من انخفاض نسب التطعيم، وتراجع المناعة بين الأشخاص الذين تلقوا اللقاح مبكراً، والتراخي في الالتزام بالكمامات والتباعد بعد أن خففت الحكومات القيود خلال الصيف.

هل هناك علاقة بين معدل التطعيم وانتشار المرض؟

وقال المدير الإقليمي لأوروبا في منظمة الصحة العالمية: “اللقاحات تفعل ما تعهدت به: التخفيف من حدة المرض في حال الإصابة به، وتقليل الوفيات. لكنها أقوى أسلحتنا فقط في حال استخدمناها جنباً إلى جنب مع التدابير الوقائية”.

ومعدلات تلقي اللقاحات في القارة هي الأعلى بجنوب أوروبا، حيث أعطت كل من البرتغال ومالطا وإسبانيا جرعتي اللقاح لأكثر من 80% من سكانها، وإيطاليا لـ73% من سكانها.

والمتوسطات المتغيرة للإصابات اليومية الجديدة خلال سبعة أيام هي الأدنى في تلك البلدان، حيث تبلغ عند نحو 100 حالة مرضية لكل مليون شخص، لكنها ترتفع، وفي المناطق التي تنخفض فيها نسبة التطعيم، ترتفع بدرجة كبيرة.

إذ شهدت مدينة ترييستي الإيطالية، التي اندلعت فيها الشهر الماضي احتجاجات كبيرة على البطاقة الخضراء الإيطالية، الأشد صرامة في أوروبا، حالات يومية تجاوزت الضعف. وقال رئيس إحدى وحدات العناية المركزة في المدينة بعد الزيادة الكبيرة في حالات دخول المستشفيات، إن 90% منهم لم يتلقوا اللقاح وأكثرهم مرتبط مباشرة بالاحتجاجات: “عدنا إلى أيام الجائحة المظلمة”.

لكن هولندا وفرنسا وألمانيا، التي تقل بها نسبة التطعيم بدرجة محدودة، تشهد أيضاً زيادة في الإصابات، في دلالة على الصعوبات التي تواجهها حتى البلدان ذات معدلات التطعيم المرتفعة نسبياً.

إذ دخلت هولندا، التي أعطت اللقاح لـ73% من سكانها، في إغلاق جزئي لمدة ثلاثة أسابيع، فأغلقت الحانات والمطاعم ومتاجر السلع الأساسية من الساعة 8 مساءً، وأغلقت المتاجر والخدمات غير الأساسية من الساعة 6 مساءً، وقصرت التجمعات المنزلية على أربعة ضيوف، بعد أن وصلت الحالات إلى أرقام قياسية جديدة.

وسجلت البلاد، التي خففت معظم القيود خلال الصيف، إصابات جديدة بلغت 609 حالات لكل مليون خلال سبعة أيامٍ؛ مما دفع الحكومة إلى التراجع عن تعهدها بإلغاء جميع القيود بحلول نهاية العام.

وقال وزير الصحة الفرنسي: “يبدو جلياً أن ما نشهده في فرنسا بداية موجة خامسة”، حيث ارتفع متوسط الحالات الجديدة في سبعة أيام، رغم أنه لا يزال منخفضاً نسبياً، ارتفع باطراد إلى 134 حالة لكل مليون.

وصحيح أنه يلزم إبراز إثبات صحي يوضح التطعيم أو التعافي أو نتيجة فحص سلبية لدخول المتاجر والحانات والمطاعم أو ركوب الطائرة أو ركوب القطار لمسافات طويلة منذ الصيف، ولا تزال الكمامات إلزامية في الأماكن العامة المغلقة، لكن الحالات الجديدة ترتفع بنسب تتجاوز 10% كل أسبوع منذ شهر.

ألمانيا

وألمانيا، التي تم تطعيم 67.5% من سكانها بالكامل، على أعتاب موجة رابعة قد تكون الأشد حتى الآن، حيث سجلت أعلى معدلات إصابة يومية في العامين الماضيين وبذلك ارتفع متوسط الإصابات في أسبوع إلى أكثر من 381 حالة لكل مليون.

ونبّه رئيس هيئة مكافحة الأمراض الألمانية إلى أن أجنحة العناية المركزة تواجه ضغوطاً غير مسبوقة، فيما تدرس الولايات الأكثر تضرراً فرض الإغلاق.

واعتباراً من يوم الإثنين 15 نوفمبر/تشرين الثاني، في برلين، لا يُسمح إلا للأشخاص الذين تم تطعيمهم أو تعافوا من الإصابة مؤخراً بزيارة المطاعم ودور السينما ومصففي الشعر. واقترح الوزير الاتحادي للصحة، ينس شبان فرض قواعد مماثلة لحضور الفعاليات العامة. وشكك خبير الأمراض المعدية في المستشفى الجامعي بميونيخ، في كفاية هذه الإجراءات. وقال: “ما نحتاجه الآن إجراءات موحدة وصارمة من الحكومة الفيدرالية، ولست واثقاً بأن هذه الإجراءات متوافرة حالياً”.

وذكر أنه في مستشفاه نفسه، لم يتلقَّ اللقاح نحو ثلاثة أرباع ممن يعالجون من الإصابة الخطيرة بمرض كوفيد. وما يقرب من نصفهم يعانون من مشكلات صحية أخرى. وقال: “من يقولون إن الجائحة الآن بين من لم يتلقوا اللقاح فقط مخطئون”.

اليمين المتطرف يحارب اللقاحات

وفي شرق ألمانيا كان معدل الإقبال على لقاحات الحصبة والأنفلونزا مرتفعاً كالعادة، لكن ساكسونيا وتورينغن وبراندنبورغ وساكسونيا-أنهالت تستقر حالياً في آخر مخطط التطعيم لفيروس كوفيد على مستوى البلاد.

وأشار المفوض الحكومي الخاص لشرق ألمانيا إلى أن الإحجام عن تلقي اللقاح قد يكون له بُعد سياسي في مسقط رأسه ساكسونيا، معقل اليمين المتطرف “البديل من أجل ألمانيا”. وقال: “توجد صلة واضحة بين دعم حزب البديل من أجل ألمانيا ورفض اللقاحات”. وفي النمسا، يؤيد حزب الحرية اليميني المتطرف أيضاً الآراء المعادية للقاح بحماسة أكبر.

.