رحل عام 2021 ورحلت معه هيبة أمريكا

الدليل ـ برلين /

رحل عام 2021 ، وعلى الأرجح قد يسقطه أغلب الأمريكيين من ذاكرتهم، بعد أن شهدوا خلاله أحداثاً سيئة قد تمثل بداية النهاية للإمبراطورية التي تحكمت في مصير العالم لعقود طويلة.

فمن مشاهد اقتحام الكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، إلى مشاهد الهرولة للانسحاب من أفغانستان قبل الموعد النهائي الذي حددته حركة طالبان للجيش الأقوى في العالم، إلى “خطوط بوتين الحمراء” في أزمة أوكرانيا، وصولاً إلى رفع إيران سقف مطالبها في مفاوضات الاتفاق النووي بصورة غير مسبوقة، يجد الأمريكيون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه.

وهذه فقط بعض من ملفات السياسة الخارجية التي واجهت فيها إدارة الرئيس جو بايدن في عامها الأول تحديات كان بعضها “مهيناً”، لكن الأوضاع الداخلية ربما كانت أسوأ بكثير، سواء من الجانب الاقتصادي وأزمة جائحة كورونا وتبعاتها الصحية والاجتماعية، أو من الجانب السياسي الذي غلب عليه الاستقطاب بصورة غير مسبوقة، وتسبب في حالة من الضبابية التشريعية تُغلّف أروقة الكونغرس.

حرب اليمن

من الوضع الداخلي الشائك والمعقد في الولايات المتحدة إلى سياسة واشنطن الخارجية، ونتوقف عند عبارة “أمريكا” التي رفعها الرئيس جو بايدن شعارا لإدارته، عكس شعار “أمريكا أولا” الذي ارتبط بترامب. والمقصود بالطبع هو عودة أمريكا لتلعب دور القيادة على المسرح الدولي كما اعتادت منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، مشاركة مع الاتحاد السوفييتي السابق خلال الحرب الباردة، ومنفردة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.

وكانت أولى القرارات التي اتخذها بايدن بشأن ملفات الشرق الأوسط هي إعلانه وقف الدعم الأمريكي للسعودية والإمارات في العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، وإلغاء قرار إدارة ترامب إدراج جماعة أنصار الله الحوثية على قائمة المنظمات الإرهابية، وتعيين مبعوث أمريكي خاص باليمن وحفنة أخرى من القرارات، الهدف منها “إنهاء الحرب في اليمن”. بايدن اتخذ قراراته مطلع فبراير/شباط 2021، وها هو العام يهم بالرحيل بينما الحرب في اليمن لا تزال مستمرة وتزداد مأساويتها بالنسبة لليمنيين.

قرارات بايدن وخطاباته الحماسية لم تحقق أي تقدم من أي نوع في مأساة الحرب في اليمن، وهو مؤشر لافت على مدى تراجع التأثير الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، التي كانت منطقة نفوذ أمريكي خالصة تقريباً على مدى عقود طويلة.

حرب غزة

خلال الأشهر الأولى من العام 2021، كان واضحاً أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني لا يمثل أولوية لإدارة بايدن، حتى إن واشنطن لم تعين سفيراً لها لدى تل أبيب، ولا لدى السلطة الفلسطينية، وغابت فلسطين عن السياسة الخارجية الأمريكية ربما للمرة الأولى على الإطلاق. لذلك عندما اشتعلت الأوضاع بفعل فاعل معلوم، هو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، سعياً منه للبقاء في منصبه، كانت إدارة بايدن آخر من يعلم.

ثم جاء التدخل الأمريكي خلال وبعد انتهاء حرب الـ11 يوماً، خلال مايو/أيار 2021، بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، متخبطاً وبدون أهداف استراتيجية، باستثناء تقديم الدعم للاحتلال الإسرائيلي. ولجأ بايدن إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي كان الرئيس الأمريكي قد توعد بعدم التساهل معه بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لتتوسط القاهرة ويتم التوصل لوقف إطلاق النار.

أفغانستان

بعيداً عن الشرق الأوسط، كان مشهد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، في أغسطس/آب 2021، واحداً من أبرز الدلائل على غروب شمس الهيمنة الأمريكية على العالم، حتى إن ترامب وصفه بالمشهد “المهين”، وطالب بايدن بالاستقالة. فبعد 20 عاماً من احتلال أفغانستان للإطاحة بحركة طالبان، انسحبت أمريكا بصورة فوضوية، ذكّرت الأمريكيين والعالم بمأساة فيتنام والانسحاب الأمريكي منها، بعد إنفاق تريليونات الدولارات والتسبب في مئات الآلاف من القتلى وملايين المصابين والنازحين، دون أن تحقق واشنطن شيئاً، باستثناء اهتزاز ثقة الحلفاء في الالتزام الأمريكي بشكل عام.

وربما يكون خطاب الرئيس جو بايدن حول الانسحاب من أفغانستان، ووصفه لتلك الكارثة المهينة “بالنجاح غير العادي”، مؤشراً على مدى تركيز الرئيس على توجيه الخطاب إلى الداخل الأمريكي المنقسم بشدة، فقد أكد على “تحقيق الولايات المتحدة أهدافها كاملة” في أفغانستان، رغم أن طالبان عادت للحكم هناك، في تناقض فجّ مع الواقع.

روسيا والصين

وبعد أن كانت الولايات المتحدة تكاد تكون القوة الأكثر سيطرة وقدرة على فرض رؤيتها على العالم خلال السنوات والعقود الماضية، كشفت أحداث العام 2021 عما يمكن وصفه بعالم متعدد الأقطاب، فالصين أصبحت منافساً يرى البعض أنه يمتلك اليد الأعلى، بينما رفعت روسيا راية التحدي عالية، وها هو فلاديمير بوتين يستعرض قوته في أزمة أوكرانيا ويضع “خطوطه الحمراء” لساكن البيت الأبيض.

ولا يبدو أن واشنطن تمتلك الأدوات اللازمة لمنع بوتين من غزو أوكرانيا، ويتضح هذا من الحديث والتهديدات الأمريكية بفرض عقوبات “ضخمة” إذا ما أقدم بوتين على غزو أوكرانيا. فهل نجحت التهديدات بفرض عقوبات في ردع بوتين عام 2014، عندما احتل شبه جزيرة القرم وضمها إلى روسيا؟ كلا، رغم أن روسيا وقتها كانت أضعف كثيراً اقتصادياً وعسكرياً مما هي عليه اليوم، بينما كانت الولايات المتحدة أقوى كثيراً مما هي عليه اليوم.

أما الصين فيبدو أنها تضع اللمسات الأخيرة على خططها لغزو تايوان أو إعادة توحيدها مع البر الرئيسي للصين، بحسب وجهة نظر بكين، وخصوصاً بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والرسالة السلبية التي وصلت لحلفاء واشنطن ومنهم تايوان بالطبع.

ويمكن تلخيص أفول نجم الهيمنة الأمريكية خلال 2021 من خلال مشاهد رئيسية، أولها القمة بين بوتين وبايدن منتصف يونيو/حزيران 2021 في جنيف، والتي لم يحقق الرئيس الأمريكي منها أي نتيجة أو هدف كان يسعى إليه، سواء إجبار روسيا على إطلاق سراح أليكسي نافالني المعارض الأبرز لبوتين أو وقف الهجمات السيبرانية ضد أمريكا، أو السماح بفتح مرات لعبور المساعدات الإنسانية في سوريا أو أي من الملفات الأخرى.

والمشهد الثاني يتمثل في القمة الافتراضية التي جمعت بايدن بنظيره الصيني شي جين بينغ، التي أكد فيها شي على أن الصين ستتخذ ما تراه مناسباً تجاه تايوان إذا ما تخطت رئيستها ومسؤوليها خطوة واحدة تتجاوز خطوط بكين الحمراء، بينما لا يبدو أن بايدن قد حقق أياً من أهدافه أيضاً، سواء فيما يتعلق باضطهاد الصين لأقلية الإيغور المسلمة أو التهديدات العسكرية لتايوان أو قمع الاحتجاجات في هونغ كونغ.

.