دراسة تتنبأ بانهيار الاتحاد الأوروبي وسقوط العولمة

هاشم سليمان

 

قامت وزارة الدفاع الألمانية، لأول مرة في تاريخها، بعمل وثيقة تحليلية لدراسة الأحداث السياسية والاجتماعية المحتملة التي سوف تحدث في أوروبا والعالم خلال السنوات العشرين القادمة.

ووفقا للمعلومات التي نشرتها مجلة “شبيغل”، فلقد رجح مصممو الاستراتيجيات العسكرية في وزارة الدفاع الألمانية في هذه الوثيقة التحليلية، احتمالية انهيار الدول الأوروبية خلال العقود القادمة.

وتجدر الإشارة هنا بأن هذه الوثيقة التحليلية المعنونة بـ”الرؤية الاستراتيجية لعام 2040” قد بحثت المصير المحتمل لأوروبا والعالم. ولقد تمت الموافقة على هذه الوثيقة من قبل كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الألمانية في أواخر شباط 2017، ولكنها ظلت سرية منذ ذلك الحين.

وفي سياق متصل تناولت هذه الوثيقة التي تضم 102 صفحة، والتي صدرت لأول مرة في التاريخ العسكري الألماني، مسألة كيف ستستطيع الأحداث الاجتماعية والصراعات الدولية أن تؤثر على أمن جمهورية ألمانيا الاتحادية في العقود المقبلة ؟

ووفقا لما صرحت به إذاعة “دويتشة فيله” في تقرير أعدته مسبقا، فإن هذه الدراسة خرجت بخطة ونموذجاً، من المرجح أن يستفيد منها الجيش الألماني في المستقبل، غير أن هذه الوثيقة لا تزال تفتقر إلى الاستنتاجات والاقتراحات النهائية بشأن القدرة العسكرية للجيش الألماني.

 

احتمالية “انهيار الاتحاد

ولقد ناقش أحد السيناريوهات الستة الواردة في هذه الوثيقة، احتمالية “انهيار الاتحاد الأوروبي” ورد الفعل الألماني تجاه ذلك. فكاتبو هذه الوثيقة يعتقدون بأنه إذا حدث ذلك الانهيار داخل الاتحاد الأوروبي، فإن ألمانيا ستواجه الكثير من التحديات.

ولقد حدد كاتبو وثيقة “الرؤية الاستراتيجية 2040” معالم العالم المستقبلي الذي “سيختفي فيه النظام العالمي، بعد عقود من حالة عدم الاستقرار التي ستنتابه، وستنهار القيم الاجتماعية في جميع أنحاء العالم وستتوقف عملية العولمة”.

وفي سياق متصل ذكر المصممون الاستراتيجيون بوزارة الدفاع الألمانية، قائلين: “لقد تم التخلي عن فكرة توسيع الاتحاد الأوروبي، ولقد طالبت بلدان أخرى بالانسحاب وترك هذا الاتحاد الأوروبي.

لقد فقدت أوروبا قدرتها التنافسية العالمية. كذلك فإن الاضطرابات المتزايدة في العالم والازدواجية والتوترات بين البلدان، قد غيرت بشكل كبير البيئة الأمنية في ألمانيا وفي كل أوروبا أيضا “.

ومن جهة اُخرى ذكر كاتبو هذه الوثيقة في سيناريو آخر مرتبط بمستقبل الاتحاد الأوروبي بعنوان “الغرب ضد الشرق”، حيث قالوا: لم يُسمح لبعض دول أوروبا الشرقية بالانضمام إلى هذا الاتحاد الأوروبي ولهذا السبب فإن تلك الدول اتجهت للانضمام إلى الكتل الشرقية الأخرى.

 

المنافسة متعددة الأقطاب

وقيل في سيناريو آخر، جاء تحت عنوان “المنافسة متعددة الأقطاب”، بأن التطرف في حالة تزايد مستمر، وهناك بعض شركاء الاتحاد الأوروبي، الذين يبدو بأنهم يبحثون لأنفسهم عن نهج جديد ومحدد، مثل نموذج “الرأسمالية الحكومية الروسية”.

وفي الأخير يقول واضعو هذه الوثيقة التحليلية والاستراتيجية، بأنه ليس لديهم نية بالتنبؤ بالأحداث المستقبلية، ولكن كل هذه السيناريوهات المذكورة في هذه الوثيقة، من الممكن حدوثها خلال العشرين سنة القادمة.

وقال “برونو كال” رئيس جهاز المخابرات الخارجية الألمانية (بي.إن.دي) إنه يجب اعتبار روسيا “خطرا محتملا” لا شريكا في بناء الأمن الأوروبي، وإن المناورات العسكرية الضخمة التي أجرتها في الصيف أظهرت تحديثا عالي المستوى بصورة تبعث على القلق في صفوف قواتها المسلحة.

وجاء تصريح “كال” في خطاب أدلى به في مؤتمر استضافته مؤسسة هانز زايدل في ميونيخ. وجاء تحذيره عقب اتهامات وجهتها أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة لموسكو بمحاولة التدخل في الانتخابات الأميركية في يناير/كانون الثاني واتهامات مشابهة من جانب وزراء إسبان، قالوا إن جماعات مقرها روسيا استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للترويج للاستفتاء على الاستقلال الذي أجراه إقليم كتالونيا وزعزعة استقرار إسبانيا.

وتنفي موسكو التدخل في أي انتخابات أجنبية وتتهم الغرب بشن حملة لتشويه سمعتها.

وقال “كال” إن من المهم بالنسبة لألمانيا وحلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مراقبة التطور العسكري الروسي عن كثب.

وأضاف أن المناورات واسعة النطاق التي أجرتها روسيا في الصيف وتعرف باسم زاباد أظهرت أن موسكو “اقتربت للغاية” من تحقيق هدفها المتمثل في تحديث 70 بالمئة من قواتها المسلحة بحلول 2020.

وقال “كال” إن أهداف روسيا تشمل “إضعاف الاتحاد الأوروبي ودفع الولايات المتحدة إلى الوراء، وعلى وجه الخصوص دق إسفين بين الجانبين. يعني هذا أن روسيا تمثل لنا خطرا محتملا بدلا من أن تكون شريكا في الأمن الأوروبي.”

وأضاف أن التهديد الروسي لأمن ألمانيا زاد بنشر موسكو صواريخ قصيرة المدى في كالينينغراد.

 

الاتحاد يـأكل نفسه

الاتحاد الأوروبي، إذن، في أزمة عميقة غير مسبوقة لأنها تتعلق بإمكانات الحفاظ عليه، أي أنها أزمة وجودية بمعنى ما. لكن مؤسسات الاتحاد في بروكسل تتحمل مسؤولية كبيرة عن هذه الأزمة التي تعود أيضاً إلى عوامل داخلية في الدول الأوروبية. فقد استعجلت بيروقراطية الاتحاد الأوروبي في سعيها إلى تحقيق مزيد من الخطوات في اتجاه التوحيد، وتصرفت في بعض الأحيان بطريقة خلقت ردود فعل سلبية تراكمت مع الوقت، وأدت إلى استفزاز المشاعر السيادية لدى بعض الفئات في هذه الدولة أو تلك، وأعطت التيارات اليمينية المتشددة فرصة لاستغلال هذه المشاعر، والإيحاء بأن الالتزامات المترتبة على عضوية الاتحاد تُهدر فرصاً، وتحول دون انتهاج سياسات اقتصادية تُحقق نتائج أفضل.

اترك تعليقاً