حول التعديلات الدستورية في مصر

أحمد الجمال :

صادق نواب البرلمان المصري على سلسلة من التعديلات الدستورية، التي ستؤدي في حال تمريرها إلى ترسيخ مزيد من السلطة بيد الرئيس، وتنصيب الجيش مجددا كأعلى سلطة في البلاد.

ويبدو أن هذه التعديلات ستكون المسمار الأخير الذي يُدق في نعش المكاسب الديمقراطية الهشّة التي استمرّت بالكاد منذ ثورة يناير 2011. وترى منظمة الشفافية الدولية أن الحكومة المصرية تبعث بذلك رسالة خطيرة تُقوّض جهود مكافحة الفساد في البلاد وتُشكل سابقة مثيرة للقلق في المنطقة.

وتقضي التعديلات المُقترحة بتمديد ولاية رئيس الجمهورية من 4 إلى 6 سنوات، وتُخول بذلك للرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، التمتع بولايتين إضافيتين وهو ما يُرجح بقاءه في السلطة إلى سنة 2034.  في حين يُفترض أن تنتهي فترة حكم الرئيس سنة 2022 على ضوء الدستور الحالي.

وتتناقض هذه التعديلات مع تصريحات أدلى بها الرئيس في شهر نوفمبر 2017. حيث قال وفقا لاقتباس نشرته  وكالة رويترز آنذاك “لن نتدخل في (الدستور)…أنا مع الالتزام بفترتين رئاسيتين مدة الواحدة منهما أربعة أعوام”.

ولا يشكل طول فترة الرئاسة في حد ذاته الوصفة التي تؤدي إلى حُكم فاسد، ولكن ضعف الإشراف والرقابة على مؤسسة الرئاسة وغياب انتخابات حرة وعادلة من شأنه أن يُفاقم إلى حد كبير خطر هذه التعديلات وهو ما سيؤسس للاستحواذ على الدولة.

وكما أشرنا مؤخرا في مؤشر مدركات الفساد، يوجد رابط وثيق بين النجاح في السيطرة على الفساد ومدى سلامة الديمقراطيات. حيث حققت مصر 35 درجة من أصل 100 في مؤشر هذا العام، وهي درجة تقع دون المتوسط العالمي بكثير (43 درجة). وبعودة مصر إلى مظاهر من أسس النظام الاستبدادي، فإنها تُقوّض قدرتها على السيطرة على الفساد المستشري في القطاع العام، وسيؤتي الفساد بثقله بشكل غير مباشر على بقية الجوانب الأخرى المتعلقة بالسياسة والاقتصاد والتنمية السكانية.

كما من شأن هذه التعديلات المُقترحة أن تُضعف سيادة القانون والرقابة على السلطة التنفيذية. وسيصبح الجيش “وصيّا على الدولة” بهذه التعديلات. كما تنص التعديلات على إلغاء الهيئة الوطنية للإعلام.

ولا يخفى على أحد أهمية الدور الذي تضطلع به المؤسسات الديمقراطية مثل المؤسسات الإعلامية الحرة والقضاء المستقل في مكافحة الفساد. في حين لن يحقق ترسيخ نفوذ الرئاسة فائدة كبرى في إرساء الاستقرار وتحقيق التنمية في مصر، وفقا لمعارضي التعديلات.

إلى جانب مكانتها كإحدى أكبر بلدان المنطقة وأهمها على المستوى الاستراتيجي، تترأس مصر حاليا الاتحاد الإفريقي وتحتضن مقر جامعة الدول العربية.

وأفادت المستشارة الإقليمية المعنية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى منظمة الشفافية الدولية، قائلة: “تُمثل مصر إحدى أهم البلدان في منطقتنا على المستوى الاستراتيجي، ويجعل منها ذلك مثالا تحتذي به بقية دول المنطقة. وقد يتسبب تمرير هذه التعديلات الدستورية في مصر في أن تنتهج دول أخرى في المنطقة نفس المنهج وبالتالي لن يقتصر إحباط جهود مكافحة الفساد على مصر فقط وإنما على مستوى الإقليم أيضا.”  

ولتعزيز الاستقرار على نحو ناجع وتحسين التنمية في مصر، تحث منظمة الشفافية الدولية البرلمان على ترسيخ الحقوق السياسية وحمايتها والتشبث بالحكم الديمقراطي وسيادة القانون، بما يتماشى مع الالتزامات المُتعهّد بها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

لا للتعديلات

وهاجم الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، التعديلات الدستورية الجديدة التي أقرتها اللجنة التشريعية بمجلس النواب. ووصف “نافعة” هذه التعديلات بأنها فضيحة قانونية وسياسية وأخلاقية كبرى لم تحدث في أي تعديلات دستورية في العالم وستلحق العار بكل من شارك فيها.

وكتبت أستاذ العلوم السياسية عبر حسابه على «تويتر» :« التعديلات الدستورية التي أقر مجلس النواب المصري صيغتها النهائية أمس لا مثيل لها في تاريخ التعديلات الدستورية في العالم أجمع، وتشكل فضيحة قانونية وسياسية وأخلاقية كبرى، وسوف تلحق العار إلى الأبد بكل من شارك في إعدادها أو في إقرارها أو يوافق عليها في الاستفتاء. وهذا رأيي الشخصي».

بدوره قال السياسي محمد البرادعي، الذي تولى سابقا منصب نائب الرئيس المؤقت، عقب الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، عام 2013، إن التعديلات الدستورية إهانة لشعب قام بثورة لينتزع حريته، وعودة إلى ما قبل يناير/كانون الثاني 2011، أي قبل الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك.

وأضاف محمد البرادعي ـ النائب السابق لرئيس الجمهورية ـ في سلسلة تغريدات أن الدستور “عقد توافقي بين كافة الأطراف، وليس عقد إذعان يفرضه طرف على آخر”، وتساءل مستنكرا: “ألم ندرك بعد أن صراع الدساتير منذ 2011 كان جزءا أساسيا من نكبتنا؟” مشيرا إلى أن وضع دستور غير توافقي عادة يعجل برحيل صاحبه ويرحل معه.

وقال الحقوقي المصري البارز جمال عيد إن الدستور المصري يمنع أي تعديل على نصوصه المتعلقة بإعادة انتخابات رئيس الجمهورية، مضيفا أنه “إذا تم التعديل فسيكون استنادا إلى القوة ولا شيء آخر”. لأن الدستور يقول في مادة 226: “وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات”.

وأضاف الحقوقي المصري أن الأخطر في التعديلات الدستورية المقترحة هو أنها “تشرعن حكم الجيش”، ويضيف أنه على ضوء التعديلات سيصبح “الجيش ليس فقط الحاكم عمليا، بل وقانونيا ودستوريا”.

وذهب النائب البرلماني المعارض هيثم الحريري إلى أن التعديلات المقترحة “تكرس الاستبداد وتنسف أي مسار ديمقراطي في المستقبل القريب أو البعيد”.

هذا وقد رفض التعديلات جمع غفير من المثقفين والفنانين والجمعيات الأهلية والكوادر المصرية.الشعب المصري يستحق الحرية والعدالة والحياة الكريمة .. كل ما يطالب به أن يفي الرئيس السيسي بتعهده ويكتفي بثمان سنوات في الحكم.

.