حول البطالة في العالم العربي

الدليل ـ برلين/

عادة ما تذكر معدلات البطالة عند مناقشة الاقتصاد، وعادة ما تذكر البطالة بوصفها سببًا من أسباب انتفاض الشباب العربي، ولكن البطالة لا تُحتسب عن طريق قسمة عدد غير العاملين على عدد السكان، بل عن طريق قسمة عدد غير العاملين ممن بحثوا عن عمل بشكل فاعل في الفترة الأخيرة، على إجمالي قوة العمل، والتي تتكون من العاملين وغير العاملين بالشرط المذكور.

بهذا التعريف التقني قد يقال إن العرب لم يكونوا يبحثون عن إيجاد الوظائف أصلًا، خصوصًا وأنَّ سبع دول عربية تتصدر قائمة أقل 10 دول من حيث نسبة المشاركة في قوة العمل على العالم، والبيانات واضحة في انخفاض معدل مشاركة العرب في قوة العمل، مقارنة بمناطق العالم الأخرى.

لا يقارب العالم العربي من المناطق إلا منطقة آسيا الجنوبية، والتي تضم كلًّا من أفغانستان، والهند، وباكستان، وسريلانكا، وبنجلاديش، وبوتان، والمالديف، ونيبال.

ولهذه البيانات محدداتها؛ فهي، وفق البنك الدولي نفسه، ضعيفة في قياس العمالة في الشركات الصغرى، أو العمالة في القطاع غير الرسمي، ولكن الفارق الكبير بين الوطن العربي وغيرها من المناطق، وخصوصًا المناطق التي تحتوي على قطاع غير رسمي واضح، ولذلك فحتى إن لم يكن ممكنًا الاعتماد على دقة البيانات، فإنه يكمن الاعتماد على الفارق بين المناطق المختلفة مؤشرًا.

ولا تتوقف المحددات عند ما ذكرناه؛ بل تتعداه لأمور أخرى كثيرة مثل تعريف العمالة، وسن العمل، وفترة البحث بشكل فعال عن عمل أو وجود هذه الفترة من الأساس، ودقة البيانات الرسمية، ودقة إجابات العمال عن استطلاعات الرأي المعتمدة في هذه البيانات. لكن ما يمكن التأكد منه هو أن مشكلة عمالة كبيرة متحققة بالفعل في الوطن العربي، وواجبة الفهم والتفسير والدراسة، خاصةً في سياق الحديث عن الربيع العربي.

تقسيمات الدول العربية

يمكن تقسيم الدول العربية من حيث خصائصها إلى ما يلي: دول الخليج ذات عدد المواطنين المنخفض جدًّا، وهي قطر، والإمارات، والبحرين، والكويت. تملك هذه الدول نسب مشاركة عالية في سوق العمل، تتراوح بين قطر الأعلى في العالم بنسبة 87%، والكويت بنسبة 75%، وهي نسبة أعلى من نسبة الولايات المتحدة الأمريكية.

والتفسير لهذا بسيط جدًّا، فالنسبة لا تحتسب المواطنين وحدهم، بل تحسب معهم المغتربين العاملين. ومن جهة أخرى فإن هذه الدول تملك قطاعات عامة أضخم نسبيًّا من غيرها من الدول العربية، ومن ثم تستطيع توظيف المزيد من مواطنيها في وظائف أكثر راحة وضمانًا دون ربط بين الأداء والعائد المادي، وفي هذا تشتري الدولة ولاء المواطنين، ولديها فائض قوة اقتصادية للتعامل مع الخارج.

على النقيض من هذه الدول، الدول العربية ذات عدد السكان الكبير نسبيًّا، مثل السودان، ومصر، والمغرب، والجزائر، والعراق. وهذه الدول تتراوح النسبة فيها بين قرابة 50% في السودان، و44.7% في العراق، والمعادلة في هذه الدول أصعب وأكثر تعقيدًا، وتحتاج بحثًا كاملًا لكل دولة فيها على حدة.

ولكن بشكل عام؛ احتاجت هذه الدول لبناء قطاع عام مضخم يوظف ويخلق الطبقة الوسطى المتعلمة في البلاد، لتحالف بين السلطة والثروة، وقطاع عسكري وأمني متضخم؛ ينتج ذلك مستويات ثلاثة: رأسمالية متصدعة لا مكان فيها للشركات المتوسطة والصغيرة، والطبقة الوسطى هي صناعة شبه حصرية لموظفي الدولة والشركات الكبرى، نخبة متعلمة تخلق الخطاب الرسمي وتحاول السيطرة على المجتمع بالأساليب الناعمة، وتوسيع الحلف لأبعد مستوى دون استخدام المال، وبطش أمني يعوض ما تفقده هذه الأنظمة من الموارد بالعنف والمراقبة والسجون.

يلاحَظ أن النسبة في هذه الدول ترتفع وتنخفض تبعًا لمعادلات أخرى؛ هي ارتباطها بالأنظمة النفطية الخليجية، وتحصيلها على ريوع نفطية غير مباشرة عن طريق تصدير العمالة، وحجم عدد السكان والتكلفة اللازمة لتشغيلهم، ووجود موارد طبيعية لا تجعل هذه الدول في مصاف دول الخليج، ولكن في وضع قريب منها.

لذلك فإن مصر تعوض ضخامة عدد سكانها بمواردها من الطاقة والصناعات البتروكيماوية، وبتحويلات عامليها في الخليج ومصادر عملات أجنبية أخرى مثل السياحة. بينما يستطيع العراق التصرف لوفرة النفط فيه مع بقاء سوء الأوضاع الاقتصادية بسبب الحرب، وهو ما ينطبق على سوريا بعد الحرب، بينما تكون دولة مثل الجزائر في المنتصف.

أما الفئة الثالثة فهي الدول العربية الصغيرة، ومنها الدول التي تعتمد تقسيمات فئوية طائفية أو عشائرية مثل الأردن، واليمن، ولبنان، وهي دول استفادت أكثر من غيرها من ريوع النفط غير المباشرة، عن طريق المغتربين في دول الخليج.

ويبقى من الدول العربية حالات خاصة واستثنائية؛ مثل السعودية التي تمتلك مصادر طبيعية كثيرة مع عدد مواطنين كبير، وليبيا التي تمتلك مصادر طبيعية أكبر نسبيًّا من غيرها من الدول العربية، وتشترك مع سوريا والعراق بواقع الحرب والانفلات الأمني والسياسي.

إن هذه الدول خلقت سوقًا فيها انقسام شديد بين وظيفة قطاع عام جيدة جدًّا، ووظائف أخرى إما معدومة أو سيئة جدًّا، مع كون الوظائف الجيدة كافية للإنفاق على أكثر من أصحابها المباشرين وحدهم، ومن ثم اضطرار الباقين إلى الاختيار بين الوظائف السيئة أو الاعتماد على دخل الآخرين، أو البحث عن عمل خارج البلاد، والأخير أحد أسباب ارتفاع معدلات العمل في دول الخليج التي تستقبل عمالة عربية من خارجها.

.