حماس نجحت في تحقيق أهدافها من الحرب بينما أخفقت إسرائيل

الدليل ـ بر لين

مع دخول الحرب على غزة شهرها الثالث، تبدو إسرائيل بعيدة تماماً عن هدف تفكيك حماس، فها هي بعد أكثر من شهرين من الاجتياح البري، تكشف عن أول نفق ضخم من شبكة الأنفاق الطويلة التي يعتقد أن طولها يصل إلى 500 كلم، وهو نفق يبدو أنه لم يعد مستخدماً وبدا الكشف الذي لم يتضمن عرض أي أسرى أو جثث كأنه دعاية لحماس أكثر منه نيلاً منها.

وتواصل كتائب عز الدين القسام ومجموعات المقاومة الأخرى استهداف الجنود والمدرعات الإسرائيلية بوتيرة تفوق بداية الحرب وخسائر إسرائيل تتفاقم وسط مؤشرات على أن جيش الاحتلال لا يعلن عنها بالكامل كما أظهرت تقارير إسرائيلية.

وتواصل حماس عرض فيديوهات حية، تظهر استهدافاً واقعياً لجنود وآليات الاحتلال عكس فيديوهات الجيش الإسرائيلية التي لا تظهر إلا جنوداً إسرائيليين يطلقون النار بدون إظهار الأهداف المضادة.

ولم تلقِ إسرائيل القبض على أي قيادي كبير من حماس مثل يحيى السنوار الذي جعلت اغتياله هدفاً مركزياً أو محمد الضيف قائد كتائب القسام، ولا أعلنت عن اغتيال عدد من القادة البارزين، علماً بأنه تاريخياً تعرض قادة حماس الكبار لحملات اغتيال واسعة مثل مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين وقادة بارزين مثل عبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة ويحيى عياش، ولم تتأثر الحركة بل ازدادت قوة.

في المقابل، فإن الحياة في إسرائيل شبه مشلولة؛ حيث يرفض مستوطنو غلاف غزة العودة لبيوتهم، خوفاً من هجمات حماس، ومستوطني الشمال تركوا بيوتهم خوفاً من هجمات حزب الله، بينما أغلب سكان الجنوب اللبناني لم يغادروا ديارهم.

وأغلب شركات الطيران الدولية قاطعت مطارات إسرائيل، حتى إن هيئة مطارات إسرائيل أعطت اجازة غير مدفوعة لـ600 عامل. وقللت نفقاتها بنسبة 75% بخصوص ألف عامل آخر.

وإضافة لذلك فإن قطاع السياحة الإسرائيلي مشلول، فيما يضغط استدعاء نحو 360 ألف جندي احتياطي على اقتصاد البلاد، خاصة قطاع شركات التكنولوجيا الذي يعتمد على الشباب، والزراعة تعاني جراء وقف تدفق العمالة الفلسطينية وهروب العمالة الآسيوية.

وميناء إيلات أصبح شبه متوقف بعد استهداف الحوثيين السفن المتوجهة لإسرائيل، كما أن أسعار التأمين لإسرائيل قد ارتفعت بسبب الهجمات، ويعتقد أن أسعار الشحن في المنطقة كلها مرشحة للارتفاع مع صعود أسعار التأمين وتحويل كثير من الخطوط الملاحية لسفنها بعيداً عن البحر الأحمر.

لم تطلق أسيراً واحداً من أسراها ولكن قتلت العشرات

وفيما يتعلق بهدف إطلاق الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، فكل الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم تم ذلك عبر صفقة مع حماس.

بينما لم تستطِع إسرائيل، تحرير واحد حتى من الأسرى، بل قتلت العشرات منهم، آخرهم الثلاثة الذين قتلوا في إطلاق نار لجيش الاحتلال، الأمر الذي فجر أزمة داخلية باتت مرشحة للتفاقم وأصبحت تمثل عامل انقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، وعامل ضغط متصاعداً على الحكومة لوقف الحرب.

نتنياهو وحلفاؤه المتطرفون أكبر الخاسرين

كما يعد نتنياهو وحلفاؤه المتطرفون أكبر الخاسرين من طوفان الأقصى، فلقد تراجعت شعبيته للحضيض، ويتوقع أن يفوز منافسه بيني غانتس وزير الدفاع الأسبق وعضو مجلس الحرب في أي اننخابات عليه بفارق كبير، وقد يتفوق حزبه على الليكود العتيد.

أما الخاسر الأكبر فهو حزب (الصهيونية الدينية) الذي يقوده وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش المتوقع أن يفشل، حسب الاستطلاع، في الحصول على أية مقاعد في الكنيست الإسرائيلي.

وهذا مكسب كبير للقضية الفلسطينية؛ لأن إضعاف سموتريتش، ورديفه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير من شأنه أن يخفف مخططات الاستيطان والاستيلاء على الأقصى التي يقودونها.

أحلام نتنياهو بحكم غزة

في المقابل، فإن الأهداف الفرعية التي تعهد نتنياهو بتنفيذها بعد الحرب، ومنها حكم إسرائيلي مباشر لغزة والقضاء على حل الدولتين، قوبلا بمعارضة غربية كبيرة ولاسيما أمريكية، بل على العكس تصاعدت الدعوات في الغرب لاسيما من قبل إسبانيا وبلجيكا، لعقد مؤتمر دولي للسلام، بل أعلنت بلجيكا عزمها منع المستوطنين المتطرفين من دخول أراضيها، بما يعني محاصرة أقوى حلفاء نتنياهو، في وقت بات كثير من الإسرائيليين يلمحون إلى أن هؤلاء المتطرفين مسؤولون عن الأزمة.

ويبدو حديثه عن الوضع في غزة بعد حماس درباً من الخيال في ظل استمرار المقاومة، ووضوح صعوبة تحقيق هدف تفكيك حماس، في المقابل فإن رئيس السلطة الفلسطينية طلب من القيادي الفتحاوي عزام الأحمد التواصل مع حركة حماس، مشيراً إلى ضرورة أن تكون كل الفصائل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.

حركات التحرر الوطني والخسائر البشرية

وبطبيعة الحال، فإنَّ الناس العاديين في غزة سيدفعون الثمن الأعلى. إنَّ العديد من القتلى الذين وصل عددهم حتى الآن ما يقارب 20 ألفاً أكثرهم ن الأطفال، والدمار الذي لحق بقطاع غزة وتشريد قسم كبير من سكانه من شأنه خلق أزمة دائمة حتى لو توقف إطلاق النار قريباً. وسيحتاج سكان غزة إلى إعادة بناء القطاع، مع مساعدة عالمية ستكون محدودة، إن توفرت.

ولكن رغم ضخامة الخسائر غير المسبوقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، يجب ملاحظة أن معظم حركات التحرر الوطني حققت نجاحاتها الكبرى دوماً بعد قيامها بتصعيد عسكري أعقبه خسائر بشرية كبيرة لحقت بالأساس بالمدنيين مثلما حدث للفيتاميين مع الأمريكيين (خاصة بعد هجوم تيت)، حيث وصلت خسائر الفيتناميين البشرية إلى نحو 3 ملايين في بعض التقديرات وتكرر الأمر نفسه مع ثورة الشعب الجزائري ضد فرنسا التي منحت البلاد لقب بلد المليون ونصف شهيد.