تونس: الانتقال لمرحلة ما بعد الثورة

إبراهيم بدوي

احتدمت الخلافات الداخلية بين رئيس حركة النهضة الإخوانية، راشد الغنوشي، من جهة، وعدد من قياداتها المتمسكين باستقالته من جهة أخرى.

ويصر خصوم الغنوشي في حركة النهضة على تحميله المسؤولية عن الأخطاء التي أدت تهاوى شعبية الحركة، وسقوطها أمام غضب الجماهير وقرارات الرئيس التصحيحة التي أعلن عنها في 25 يوليو الماضي.

ووفق مصادر تونسية، دخلت قيادات بارزة من التنظيم الدولي للإخوان على خط الأزمة الداخلية، انحيازا للمطالب الخاصة برحيل الغنوشي وتسريع عقد المؤتمر العام للنهضة، الذي تم تأجيله مرارا بحجة الظروف السياسية التي تعيشها الحركة.

وتقول المصادر التي تحدثت لـ”سكاي نيوز عربية”، إن التنظيم الدولي يحاول إنقاذ حركة النهضة، لأنها الذراع السياسية الأخيرة التي بقيت له بعد سقوط التنظيم عن الحكم في عدة دول عربية، ويرى أن بقاء الغنوشي سيحيل دون أي محاولة للتوافق مع القوى السياسية التونسية، خاصة أنه فشل في تدارك الأزمة الراهنة والتعاطي معها.

وتشير المصادر أيضاً إلى أن رفض قطاع كبير من قيادات النهضة وقواعدها في تونس استمرار الغنوشي بمنصبه والصراعات التي تأججت بشكل حاد خلال الأيام الماضية وعززتها إجراءات25 يوليو، تؤكد أن مهمته أضحت أمرا شبه مستحيل، وأن الحل الأمثل لمحاولة إنقاذ الحركة هو إجراء تغييرات هيكلية كبيرة تشمل الغنوشي وعدد من القيادات الكبري لرأب الصدع الداخلي ووقف نزيف الانشقاقات.

وبحسب المصادر، يحاول التنظيم الدولي ومعه كتلة لا يستهان بها من داخل الحركة التونسية، إبعاد الغنوشي عن المشهد ولو لفترة، واختيار شخصية أكثر مرونة وتوافقية لقيادة النهضة في ظل الأزمة الراهنة، مع الاعتراف علنياً بمسؤولية الغنوشي وبعض القيادات، خاصة نواب البرلمان عن أخطاء المرحلة والاعتذار للشعب.

توضح المصادر في الوقت ذاته إلى رفض الغنوشي قطعيا فكرة التنازل عن رئاسة الحركة، وتمسكه بالاستمرار مع المراوغة المستمرة لتأجيل انعقاد المؤتمر العام تحججاً بالوضع الراهن

غموض المستقبل

كتبت الكاتبة الجزائرية عقيلة دبيشى ، مدير المركز الفرنسى للأبحاث وتحليل السياسات الدولية، تقريرا تتحدث فيه عن غموض مستقبل جماعة الإخوان المسلمين بعد فشلها السياسى فى تونس وبعض الدول العربية الأخرى وتخلى واشنطن عنها… ورد فيه ما يلى:

منذ إقصاء النهضة من سدة السلطة فى تونس واتساع التأييد الشعبى لقرارات الرئيس؛ تزيد قتامة المستقبل السياسى للإخوان المسلمين فى العالم، خاصة فى ظل حالة الغضب الشعبى ضد الجماعة وأذرعها فى كل مكان، وفقدانهم للحلفاء، فالأحداث الأخيرة فى تونس لقيت ردة فعل عربية ودولية هادئة ومستوعبة، وهذا يعيد إلى الأذهان فشل تجربة الإخوان المسلمين فى مصر، وإخفاقهم فى محاولات الصعود إلى السلطة فى سوريا.

لقد فشل الإسلام السياسى فى أن يقدم نفسه كبديل مقنع للشعوب العربية، ولم يستطع أن يُنشئ مشروعا سياسيا أو أن تكون له قيادات فاعلة ومحبوبة من قبل الشعب، بل دخلت فى خلافات مع الأطراف الأخرى ومؤسسات الدولة من أجل البقاء فى السلطة.

فجماعات الإسلام السياسى تؤمن بالوطن كحيز معنوى وليس كحيز وطنى، فيكفى أن تبايع هذه الجماعات أحد قادتها كخليفة ليصبح لديهم خلافة دون فرض السيادة على الجغرافيا من خلال تحسين ظروف المجتمع والتفكير فى تنميته، فهى لا ترى نفسها إلا امتدادا للتنظيم فى كل مكان، فهى تحاول أن تستنزف مقدرات الوطن من أجل الانتماء والبيعة للتنظيم الدولى، حتى وإن أظهرت غير هذا. ولذلك عندما أسقطت الحركة فى بعض الدول وجدت نفسها معزولة ولم يقف معها أحد.

لكن هذا لا يعنى أن هذه الجماعات تفقد الأمل بالعودة مرة ثانية إلى المشهد السياسى، فهى تحاول بشكل مستميت التشبث بالسلطة بكل الوسائل، ففى مصر حاولت من خلال نهج العنف، وفى تونس ما زالت تراوغ وتسعى إلى تغيير تكتيكات مختلفة لتحافظ على بقائها طرفا فى المشهد السياسى سواء من خلال الخطابات التصالحية أو الدعوة لإجراء حوار سياسى مع الرئيس، فى محاولة منها للخروج من أزمتها الحالية، بعد فشلها فى حشد الاحتجاجات ضد قرارات الرئيس، وفشلها أيضا فى الضغط على واشنطن، وتهديد الدول الأوروبية بورقة اللاجئين، من أجل أن يعتبروا قرارات الرئيس التونسى انقلابا يتطلب تدخل المجتمع الدولى ضده. هذه الإخفاقات، تؤثر بشكل أو بآخر على امتدادات الإخوان فى كل دول العالم؛ فيبدو أن واشنطن قد تخلت عن فكرة دمج الإخوان فى نظم المنطقة، وتركت الخيار للأنظمة الحاكمة ليدمجهم من يشاء (المغرب) وليستبعدهم من يشاء (تونس، مصر، السودان) وليحاربهم من يشاء (سوريا، ليبيا) وليعاديهم من يشاء (السعودية والإمارات) وليتعامل معهم كأمر واقع من يشاء (فلسطين).

جماعة الإخوان فى تونس فشلت فى بناء ثقة قوية مع الجماهير، لقد خيبوا آمال الناس وأنصارهم فى كل العالم، بالإضافة إلى فشلهم فى بناء تحالفات قوية على الصعيد الإقليمى والدولى، لقد عادت كثير من دول العالم العربى والغربى، من خلال مشاريع التدخل فى أوروبا واستغلال مساحات الحرية، وهو ما جعل الأطراف الدولية تتخوف منها.

لذلك ليس أمام الإخوان إلا الانتقال لمرحلة ما بعد الأخونة، التى ثبت فشلها والاتجاه لتوطين تنظيماتهم وأنشطتهم لتصبح جزءا من هوية الشعب الوطنى، وتكريس خدماتها من أجل الوطن، وليس من أجل استراتيجية التنظيم الدولى، والتحلل منه وتفكيك ارتباطاتها الخارجية مع القوى الدولية. يبدو أننا مقبلون على حقبة جديدة، تتلاشى فيها التقسيمات الأيديولوجية الساذجة التى ترتكز عليها المنظومات السلطوية الإخوانية، فنحن نعيش فى عصر يمكن تسميته عصر الذكاء السياسى، ولا محل للطغيان الأيديولوجى، فأى شطط سلطوى مؤدلج وأحادى فى ممارسة السلطة والسياسة لا أفق له.

.