توظيف الغرب للإسلام السياسي

محمد عبد المنعم /

في رأي الكاتب الأمريكي جين هيك أنه يمكن “شيطنة أي دين من خلال عدم فهم شرائعه في سياقها الصحيح” وأن الذين يتمسكون بحرفية النصوص من المسلمين والمسيحيين جعلوا من ديانات التوحيد ساحة لصدام عالمي امتد نحو ألف عام.

ويفرق بين الدين وبين الاستغلال السياسي له مستشهدا بما يراه رعاية من أجهزة مخابرات غربية لبعض جماعات الإسلام السياسي منذ إنشاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر في نهاية العشرينيات حتى قيام تنظيم القاعدة في نهاية القرن العشرين.

ويقول في كتابه (عندما تتصادم العوالم: بحث الأسس الإيديولوجية والسياسية لصدام الحضارات) أن “الإرهاب” والحملات الصليبية يتساويان في انتقائهما نصوصا من القرآن ومن الكتاب المقدس تتبنى الحرب كعقيدة.

ويضيف “الشرائع التوراتية الخاصة بالسعي لتحقيق الحياة التي تتسم بالتقوى والورع ليست أقل قسوة أو إرهاقا أو تخويفا من نظيرتها القرآنية على نحو يمكن إثباته … معظم الكتب المقدسة تحتوي نصوصا يمكن للعقول غير النقدية أن تسيء تأويلها.”  ولكنه يتساءل عن كثرة عدد من يسميهم الانتحاريين المسلمين مقارنة بغيرهم من أتباع الديانات الأخرى.

ويحذر من فكرة التعميم، فالإسلام ليس كتلة واحدة والعالم الإسلامي يضم ثقافات متعددة والمسلمون يمثلون ربع سكان العالم.

والمؤلف الذي يجيد العربية سبق له العمل خبيرا اقتصاديا في السعودية ويعمل حاليا أستاذا للحكم والتاريخ بجامعة ماريلاند وصدر الكتاب عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث ضمن مشروع (كلمة) وتقع ترجمته العربية في 329 صفحة كبيرة القطع.

وترجم الكتاب أحمد محمود وهو مصري ترجم أعمالا بارزة من التراث الإنساني منها (طريق الحرير) و (أبناء الفراعنة المحدثون) و (تشريح حضارة) و(مصر أصل الشجرة) و(الأصول الاجتماعية للدكتاتورية والديمقراطية) و(الفولكلور والبحر) و(قاموس التنمية .. دليل إلى المعرفة باعتبارها قوة) و(عصر الاضطراب .. مغامرات في عالم جديد) .

ويقول هيك في كتابه أنه من غير العدل إلقاء اللوم على 1.4 مليار مسلم حول العالم و” أكثر من 200 مليون عربي فيما يتعلق بما اقترفه عدد قليل من المندفعين أيديولوجيا من أعمال تتسم بالحقد” في حين تتطلع الغالبية العظمى من المسلمين إلى رؤية مشتركة لعالم تسود فيه “العلاقات الودية” ويتحالفون مع الغرب في “الحرب على الإرهاب.”

ويرى أن الإرهابيين نسبة ضئيلة وان كانت قوية.

الإرث الثقيل

ويستعرض آراء مستشرقين أمريكيين منهم برنارد لويس الذي قال أن الإسلام “دين عسكري” وصمويل هنتنجتون (1927-2008) الذي اعتبر الإسلام “دينا غارقا وسط حدود دموية.”

وكان هنتنجتون قال في كتابه (من نحن…. المناظرة الكبرى حول أمريكا) أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن “حدد بدقة” الهوية المسيحية للولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 .

ويعلق هيك في كتابه قائلا أن هذه الآراء هي تراكمات وآثار ثقافة عمرها نحو ألف عام “من الإعلان السلبي الذي وضع بذوره البابا أوربان الثاني الخاص بالحملة الصليبية الأولى” مطلقا شرارة الحرب التي جرت بدعوى تحرير القدس من المسلمين.

وتأسست الحروب الصليبية على خلفية خطبة شهيرة للبابا أوربان الثاني بمجمع كليرمون في جنوب فرنسا في نوفمبر تشرين الثاني 1095 قال فيها “يا له من عار لو أن هذا الجنس الكافر المحتقر عن حق المجرد من القيم الإنسانية وعبد الشيطان تغلب على شعب الله المختار” داعيا لاسترداد “الأرض المقدسة” من المسلمين. وفي العام التالي بدأت الحملات الصليبية (1096– 1292).

ويقول المؤلف “لقد لبى 150 ألفا من أحسن مقاتلي الرب.. نداء الصليب… وبينما كان مسلمو العصور الوسطى يحافظون على المعرفة اليونانية الرومانية ويصيغون الرياضيات والعلوم الأخرى – حيث اخترعت بالفعل الجبر وعلم الفلك وغيرهما من العلوم – أصرت الإمبراطورية الرومانية المقدسة المحبة للحرب على تصوير الإسلام على أنه دين السيف.”

ويرى هيك أنه بعد ثمانية قرون على الحروب الصليبية أصبح الوقت متأخرا للواقفين “على جانبي الحاجز الثقافي” للاعتراف بحيوية مبادئ الإسلام وإسهامات الحضارة الإسلامية عالميا.

صناعة الإرهاب

ويتساءل عن أسباب ما يسميه إرهاب الشرق الأوسط الحديث مجيبا أن جزءا كبيرا من البنية التحتية الخاصة بهذا “الإرهاب” وبواعثه صاغها عملاء الاستخبارات الغربية الساعون لتوظيف الإسلام السياسي المتشدد لتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية.

فيقول مثلا أن  جماعة الإخوان المسلمين في مصر “تم خلقها بتشجيع وتمويل من جهاز تابع لوكالة الاستخبارات الخارجية البريطانية هو M16 لمواجهة ظهور النزعة القومية لحزب الوفد في البداية ثم النازية ومن بعدها الشيوعية. وكان ينظر إلى كل منها في وقته على أنه تهديد لطموحات لندن الدبلوماسية والمالية في منطقة قناة السويس.”

ويرى أن بريطانيا أنشأت “متعمدة ولكن دون تدبر للعواقب جماعة الإخوان المسلمين … على نحو مشابه لتشجيع إسرائيل لحماس  كقوة موازنة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، واصفا جماعة الإخوان المسلمين بأنها “إرهابية إسلامية ذات رؤية عالمية وأفق إقليمي.”

ويضيف أن الإخوان المسلمين بعد محاولتهم “اغتيال (الرئيس المصري الأسبق) جمال عبد الناصر في عام 1954” وتعرف الواقعة بحادث المنشية في مدينة الإسكندرية الساحلية لجئوا إلى شبه الجزيرة العربية وتمكنوا من “تحويل العناصر النشاز داخل الحركة الوهابية الأصولية دينيا المعروفة بكونها حركة حميدة إلى حركة نشطة سياسيا خبيثة وسرية حيث خلقت بالتالي وسطا أيديولوجيا ملائما لتوالد النزعة الجهادية الحديثة.”

ويقول أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “هي التي أطلقت شرارة الجهاد” بحجة طرد الجيش السوفيتي من أفغانستان في نهاية السبعينيات وكانت تلك الأحداث “بمثابة غرفة ولادة للعديد من الحركات الإرهابية الشرق أوسطية الحديثة” التي يرى أن العراق حاليا (بعدها الجزائر، سوريا، ليبيا، اليمن ومصر) أحد تجلياتها.

ويثبت المؤلف تحذير الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي القائل أن “من يمتطون ظهر النمر غالبا ما ينتهي بهم الحال في جوفه” ويرى أن وكالة المخابرات المركزية وفرت بنية تحتية ومعدات وتدريبا وغيرها من عوامل أدت في النهاية إلى “مولد القاعدة” بزعامة ابن لادن وهو ينتمي إلى المملكة السعودية “التي اخترقها الإخوان المسلمون بعمق وهو (ابن لادن) يقرأ ويقتبس أعمال إرهابيها الأكبر سيد قطب (1906-1966).

ويضيف أن الغرب “لو اطلع على الغيب لاحتاط للأمر” ، إذ أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في علاقتها بتنظيم القاعدة ” فاتها تماما الدرس الذي قدمته نظيرتها البريطانية M16  قبل نصف قرن.

فيقول إن “تأييد أمريكا لوصول طالبان إلى السلطة” في أفغانستان يثبت أن توظيف الغرب للإسلام السياسي سلاح ذو حدين بل يكون أحيانا “مميتا.”

إن الإسلام السياسي ممثل في الجماعات الجهادية هو يد الغرب لتحجيم دور العرب والمسلمين في العالم الجديد .

.