تطبيع “جوي” بين إسرائيل ونظام البشير المتقلب

.

أحمد الجمال

كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن شركات الطيران الإسرائيلية ستتمكن من التحليق فوق السودان في طريقها لأميركا الجنوبية، ما يؤكد صحة ما سربته وسائل إعلام إسرائيلية خلال الفترة الماضية عن مفاوضات جارية بين تل أبيب والخرطوم بشأن تطبيع تدريجي للعلاقات بينهما.

وسعت إسرائيل، بتشجيع من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى تحسين العلاقات مع الدول العربية والإسلامية التي كانت تناصبها العداء والتي تشاركها المخاوف بشأن إيران أو تتوقع مزايا اقتصادية وسياسية محتملة كحالة السودان.

وحققت إسرائيل اختراقات مهمة في هذا المجال وليس أدل على ذلك من الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى سلطنة عمان في أكتوبر الماضي حيث التقى السلطان قابوس بن سعيد، وتلت هذه الزيارة التي وصفها نتنياهو بالتاريخية، زيارة أخرى أجراها رئيس تشاد إدريس ديبي إلى إسرائيل ، لتنهي عهدا من القطيعة بينهما جاوزت الـ46 سنة.

وقال نتنياهو في إفادة لدبلوماسيين إن محادثاته مع ديبي ساعدت في فتح مسار جوي جديد إلى أميركا الجنوبية. وأضاف وهو يشير إلى خارطة “في الوقت الراهن يمكننا التحليق فوق مصر. يمكننا التحليق فوق تشاد وتم الاتفاق على ذلك بالفعل. وتشير كل الظواهر إلى أننا يمكننا كذلك التحليق فوق السودان”.

وكان ديبي قد عرض خلال زيارته لإسرائيل استعداد بلاده للوساطة في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان. ولم يدل المتحدثون باسم نتنياهو بالمزيد من التفاصيل ولم يتضح متى ستتمكن رحلات الطيران الإسرائيلية من التحليق فوق السودان في طريقها إلى أميركا الجنوبية التي وصفها رئيس الوزراء بأنها رابعة أهم وجهة سفر لإسرائيل.

ويرى مراقبون أن إعلان نتنياهو بشأن فتح مسار جوي جديد يمر عبر السودان، يشي بأن المفاوضات التي تحدثت عنها وسائل إعلام إسرائيلية بين الخرطوم وتل أبيب خطت خطوات متقدمة، في ظل تكتم السودان الرسمي.

وكانت قناة العاشرة الإسرائيلية كشفت أن مبعوثا عن وزارة الخارجية الإسرائيلية التقى قبل فترة سرا مع مسؤولين سودانيين في مدينة إسطنبول التركية.

ونقلت القناة عن مصدر أجنبي مطلع طلب عدم الكشف عن هويته، أن المبعوث الإسرائيلي الذي أجرى اللقاء هو دبلوماسي مخضرم عمل منذ التسعينات على فتح اتصالات مع الدول التي لا ترتبط مع إسرائيل بأي علاقات دبلوماسية، وأنه ينشط “تحت غطاء إعلامي منخفض لدرجة السرية التامة”.

وأضافت أن المبعوث الإسرائيلي “اجتمع قبل سنة مع مجموعة من المسؤولين السودانيين على رأسهم أحد المساعدين المقربين من رئيس جهاز الاستخبارات السوداني في حينه محمد عطا”.

وزعمت أن عطا كان عُيّن قبل سنوات من قبل الرئيس السوداني عمر البشير مسؤولا عن “الملف الإسرائيلي” وقبل أشهر سفيرا للسودان في الولايات المتحدة. وذكرت القناة أن الاجتماع عقد في مكتب رجل أعمال تركي مقرب من الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وأن الجانبين بحثا خلاله “بحميمية” العلاقات السودانية الإسرائيلية، إضافة إلى “منح مساعدات إسرائيلية للسودان بمجال الاقتصاد، الصحة والزراعة”.

ولوحظ في السنوات الأخيرة تحمّس لدى بعض المسؤولين السودانيين لتطبيع العلاقات مع تل أبيب، ففي 20 أغسطس / آب2017 صرح وزير الاستثمار مبارك الفاضل المهدي للقناة السودانية 24 بدعمه العلني لتطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل.

وبرر المهدي ذلك بأن “الفلسطينيين أنفسهم طبعوا العلاقات مع إسرائيل، وحتى حركة حماس تتحدث مع إسرائيل”. وقبله في يناير/ كانون الثاني 2016، طرح وزير الخارجية السوداني آنذاك إبراهيم غندور تطبيع العلاقات مع إسرائيل بشرط رفع الحكومة الأميركية العقوبات الاقتصادية.

وأعقب الرئيس السوداني عمر البشير ذلك بقوله في مقابلة مع صحيفة عكاظ السعودية “لو أن إسرائيل اليوم احتلت سوريا لم تكن ستدمر كما حصل الآن، ولم تكن ستقتل كما هي الأعداد المقتولة الآن”.

ويرى مراقبون أن النظام السوداني معروف عنه براغماتيته الشديدة، وليس مستغربا أن يقدم على خطوة التطبيع مع إسرائيل، رغم نفي القيادي بالمؤتمر الوطني الحاكم في السودان، عبدالسخي عباس، ردا على ما تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية بشأن إمكانية أن تكون الزيارة المقبلة لنتنياهو بعد سلطنة عمان هي بلاده. وكان نتنياهو قد صرح خلال لقائه ديبي بأنه سيقوم عما قريب بزيارة لدول عربية أخرى دون ذكر أسماء هذه الدول.

ويلفت المراقبون إلى أن السودان في حاجة ماسة إلى طرف وازن قادر على إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوجوب شطبه من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ووجود السودان ضمن القائمة السوداء هو أحد العوامل الرئيسية في نفور المستثمرين الأجانب وفي تردد البنوك الدولية في التعامل معه، ويقول خبراء اقتصاديون إن استمراره في هذه القائمة يضعف قدرته بشكل جلي على الخروج من الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها رغم اتخاذه في الأشهر الأخيرة جملة من الإجراءات لاحتواء الأزمة.

وكان السودان قد بدأ الشهر الماضي جولة ثانية من المفاوضات مع الولايات المتحدة، التي أعلمته بشروط جديدة عليه تخطيها ضمن خطة أطلقت عليها “المسارات الخمس+1”، من أجل رفعه عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، الأمر الذي استفز الرئيس البشير الذي رد في حينه بأن “الرهان على أميركا بلا طائل”.

ويرى مراقبون أن تصريح البشير المنفعل لا يعني أنه لن يقبل تلك الشروط التي من ضمنها فتح المجال أمام الحريات الدينية، وضمان الابتعاد عن كل شبهات دعم الإرهاب.

ويشير هؤلاء إلى أن السودان مضطر إلى التعاطي مع تلك الشروط لأن استمرار وجوده ضمن القائمة السوداء سيعني إبقاء اقتصاده مكبلا، وقد يرى في إسرائيل طرفا قادرا على أن يلعب دورا مؤثرا في هذا الملف.

وشهد السودان في السنوات الأخيرة انقلابا جذريا في سياساته ترجمت بمحاولاته النأي بنفسه عن دعم الجماعات الإسلامية الراديكالية، ولعل الخطوة الأبرز قطع علاقاته في العام 2015 بإيران، التي كانت تشكل تحديا كبيرا بالنسبة لإسرائيل.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه في ضوء قرار الخرطوم إنهاء ارتباطاتها بطهران، حثت تل أبيب واشنطن على رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان وهو ما تم فعلا في أكتوبر/ تشرين الاول 2017.