البشير في المصيدة: الحراك الشعبي في السودان

.

أحمد الجمال

تشكل الاحتجاجات التي تهزّ السودان منذ نهاية العام الماضي اختبارا حاسما لمدى صمود الرئيس السوداني عمر البشير الذي تولى السلطة قبل نحو ثلاثين عاما على اثر انقلاب عسكري على الحكومة الديمقراطية المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء المنتخب في تلك الفترة الصادق المهدي.

وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يشهد فيها السودان تظاهرات ضد البشير، الذي سبق أن جرت تحرّكات احتجاجية ضدّه في سبتمبر/أيلول 2013 وفي يناير/كانون الثاني 2017، يقول محللون إن التظاهرات الأخيرة تشكّل أخطر تحد يواجه الرئيس السوداني. ويبدو البشير في وضع صعب بعد أن فشلت الإجراءات التي أعلنها في تهدئة التوترات الاجتماعية.

وتولى البشير منصب رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني في 30 يونيو/حزيران 1989 وجمع بين منصب رئيس الوزراء ومنصب رئيس الجمهورية حتى 2 مارس/اذار 2017 حيث تم فصل منصب رئيس الوزراء وفقا لتوصيات الحوار الوطني السوداني وتم تعيين بكري حسن صالح رئيسا للوزراء.

وفي 26 أبريل/نيسان 2010 أعيد انتخابه رئيسا في أول “انتخابات تعددية” منذ استلامه للسلطة. وأحكم البشير قبضته على السلطة بيد من حديد. وقد تعرض لكثير من الانتقادات والاتهامات من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية خلال السنوات السابقة.

وأثارت فترة حكمه جدلا واسعا بسبب اشتراك مجندين تابعين لحكومته أو موالين لها في جرائم حرب في البلاد سواء في دارفور أو في جنوب السودان.

ثلاثة عقود من القبضة الحديدة

بات البشير الذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بحقه مذكرتي توقيف، يواجه تظاهرات معارضة هي الأكثر خطورة على نظام حكمه للسودان حيث تولى السلطة إثر انقلاب عام 1989.

ويشهد السودان منذ 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 تظاهرات بدأت احتجاجا على رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، لكن سرعان ما تحولت إلى احتجاجات ضد حكم البشير، وسط أزمة اقتصادية وارتفاع معدلات التضخم.

وأعلنت السلطات مقتل 40 شخصا على الأقلّ، بينهم عنصرا أمن وجرح المئات في التظاهرات التي جرت في بلدات وقرى سودانية قبل أن تتمدد إلى العاصمة الخرطوم، إلاّ أنّ منظمة هيومن رايتس ووتش تقول إنّ عدد القتلى وصل إلى أكثر من ذلك.

ومنذ إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحقّه في 2009 و2010 لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور في غرب السودان، أعيد انتخاب البشير مرّتين رئيسا للسودان في انتخابات قاطعتها المعارضة.

وعلى الرغم من اتّهام المحكمة الجنائية الدولية له والتحديات الداخلية الكثيرة التي تواجهه، تمكّن الرئيس السوداني البالغ من العمر 75 عاما من البقاء في الحكم. وانتخب البشير الذي يحكم السودان منذ 30 عاما لولاية رئاسية خامسة في أبريل/نيسان 2015 بعد أن حصل على 94 بالمئة من أصوات الناخبين.

هذا الشهر رقص البشير ولوّح بعصاه كالمعتاد خلال تجمّع مؤيد له في الساحة الخضراء في الخرطوم حيث استقبله المئات بهتافات التأييد في أول تجمّع مؤيد للنظام منذ قيام التظاهرات الشهر الماضي.  وكان الرئيس برفقة زوجته وعدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين. وقال لمناصريه “هذا الحشد يرسل رسالة للذين يظنون أن السودان سيلحق بالدول التي انهارت”.

وقبل أيام من قيام الاحتجاجات التقى البشير في دمشق نظيره السوري بشار الأسد في أول زيارة لرئيس عربي إلى سوريا منذ اندلاع النزاع فيها.

والعام الماضي استضاف البشير محادثات بين الزعيمين الخصمين في جنوب السودان، الرئيس سلفا كير ونائبه (السابق) رياك مشار، توصلت إلى اتفاق لإنهاء الحرب في هذه الدولة.

واستقل جنوب السودان في 2011 بعد أن فاجأ البشير أشد منتقديه بتوقيعه اتفاق سلام أنهى نزاعا كان قائما بين الشمال والجنوب من أكثر من عقدين.

ومؤخرا انضم البشير إلى التحالف العربي بقيادة السعودية ضد المتمرّدين الحوثيين في اليمن، معززا الروابط مع دول الخليج الغنية بالنفط.

والرئيس السوداني ضابط عسكري برتبة لواء يعتمد نهجا شعبويا، فيؤكد قربه من الشعب ويخاطبه بالعامية السودانية. وللبشير المولود في 1944 في قرية حوش بانقا الواقعة شمال الخرطوم لأسرة من المزارعين، زوجتان ولا أبناء له. وقد دخل الكلية الحربية وترقى في المناصب ثم انضم إلى فوج المظليين وشارك في حرب 1973.

وفي عام 1989 قاد اللواء البشير انقلابا سلميا ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطيا برئاسة الصادق المهدي. ودعمته حينها الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي الذي أصبح اليوم من أكبر معارضيه.

حكم إسلامي أكثر تشددا

وتحت تأثير الترابي، قاد البشير السودان نحو حكم إسلامي أكثر تشددا وقد استضاف في التسعينيات زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ثم عاد وطرده بطلب من الولايات المتحدة.

وردا على عدّة اتهامات من بينها انتهاك حقوق الإنسان، فرضت واشنطن حصارا تجاريا على السودان في العام 1997.

وفي 1993 أدرجت الولايات المتحدة السودان على قائمة “الدول الراعية للإرهاب” وبعد أربع سنوات فرضت على الخرطوم حظرا تجاريا على خلفية عدة اتهامات من بينها انتهاكات لحقوق الإنسان، رفعته في 2017.

ووصلت التوترات بين البشير والترابي إلى أعلى مستوى في أواخر تسعينات القرن الماضي، إذ أنه وفي محاولة منه لإخراج السودان من عزلته، عمد في العام 1999 إلى إقصاء الترابي من دائرته المقربة.

لكن تنفيذ الحكومة حملة عنيفة عام 2003 للقضاء على تمرد في منطقة دارفور الغربية عرّض البشير للمزيد من الانتقادات.

وأدى النزاع في دارفور إلى أكثر من 300 ألف قتيل وتشريد أكثر من 2.5 مليون شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

ومنذ العام 2011 واجه البشير حركة تمرد بقيادة الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

وعلى الرغم من تخطّيه العديد من التحديات خلال فترة حكمه، يشكك المحللون في قدرته على تخطّي الاحتجاجات الأخيرة.