تحالف الرعب الشعبوي في برلمان أوروبا

محمد عبد المنعم

قالت لوبان في كلمة أمام أنصار حزب التجمع الوطني، الذي تتزعمه بمدينة فريجوس، في جنوب فرنسا، إن حزبها سيخوض انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في مايو 2019 بالتنسيق مع حلفاء في حركة أوروبا الأمم والحريات. وبدا أن لوبان عادت بروح قتالية أكثر شراسة بعد هزيمتها في انتخابات الرئاسة الفرنسية العام الماضي.

ووجهت لوبان في كلمتها حديثها مباشرة إلى الرئيس الفرنسي، بما يمثله من نموذج لأوروبا التقليدية، قائلة “هدفنا هو هزيمة ماكرون”. وأضافت “في أوروبا، هدفنا هو أن نعمل مع حلفائنا، الجماعات القومية الأخرى، على تكوين أغلبية تنأى عن الاتحاد الأوروبي المتهالك وتتحرك صوب تعاون بين الدول مع الاحترام المتبادل لتنوعها وهويتها”.

تحالف التعصب

وأعلنت أحزاب اليمين المتطرفة والشعبويّة والمشكّكة في الاتحاد الأوروبي من بلدانٍ مختلفة في أوروبا الشهر الماضي، أنها تشكّل تحالفاً جديداً قُبيل انتخابات الاتحاد الأوروبي.

ويمثّل التجمّع الجديد على المستوى القاري أحدث جهد لتوحيد الأحزاب القوميّة التي عانت من التفكّك على الرغم من إحرازها مكاسب في الانتخابات الأخيرة.

وأوضح ماتيو سالفيني وزير الداخلية الإيطالي ورئيس “حزب الرابطة” المناهض للمهاجرين، خلال مؤتمر صحافي عقده في مدينة ميلانو، أنّ هدف الحركة الجديدة هو “الفوز وتغيير أوروبا”.

ويضمّ التجمّع إلى جانب حزب سالفيني (“الرابطة”)، أحزاب “التجمّع الوطني” اليميني المتطرف في فرنسا (الذي عُرِفَ سابقاً بـ”الجبهة الوطنيّة”)، و”الحريّة” النمساوي، و”من أجل الحريّة” الهولندي. ولطالما جلست هذه الأحزاب سويّة في البرلمان الأوروبي.

وأخيراً، انضمّ إلى سالفيني، يورغ ميوثن زعيم حزب “البديل من أجل ألمانيا” وأولي كوترو من حزب “الفنلنديّين” الشعبوي المشكّك في الاتحاد الأوروبي، وأندريس فيستيسان من حزب “الشعب” الدنماركي اليميني الشعبوي.

استطلاعات مسبقة

وأظهر استطلاع جديد نشرته صحيفة بيلد الألمانية أن من المتوقع أن تزيد مقاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة في انتخابات البرلمان الأوروبي إلى الضعفين، في حين تواجه الأحزاب المحافظة والديمقراطية الاشتراكية التي تمثل التيار الرئيسي خسارة كبيرة.

وأظهر الاستطلاع إن خسارة أحزاب التيار الرئيسي لتأييد الناخبين لها تعني أنها لن تتمكن من تشكيل “ائتلاف كبير” في البرلمان مثل الائتلاف الحاكم في ألمانيا.

وأوضح الاستطلاع أن من المرجح أن يحصل تجمع يميني متطرف يضمّ حزب الحرية النمساوي والحزب الذي تتزعمه مارين لوبان بفرنسا على 67 مقعداً مقابل 37 مقعداً حالياً.

واستعدّ الزعماء السياسيون المحافظون واليساريون لتحقيق الأحزاب اليمينية المتطرفة مكاسب قوية في الانتخابات التي تجري في هذا الشهر. وأبدى هؤلاء الزعماء قلقهم أيضاً بشأن تَعهُّد ستيف بانون مخطِّط السياسات الاستراتيجية السابق للرئيس دونالد ترمب، بالمساعدة على توحيد اليمين الأوروبي المتطرف قبل الانتخابات.

ومن المتوقع أن يخسر حزب الشعب الأوروبي المحافظ، الذي يضمّ حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، 43 مقعداً ليتراجع إلى 174 مقعداً، في حين من المتوقع أن يفقد التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين 45 مقعداً ليتراجع إلى 141 مقعداً.

اقتحام المشهد السياسي

وكانت الأحزاب اليمينية المتطرفة قد حققت مجموعة انتصارات في بعض الدول الأوروبية وصفت بالتاريخية، الأمر الذي وصفه خبراء بالشأن الأوروبي إنجازا لم يتحقق منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ففي هولندا مثلا، حل حزب الحرية بزعامة الشخصية الشعبوية المثيرة للجدل خيرت فيلدرز في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في مارس/آذار الماضي ثانيا. أما في فرنسا، فاستطاعت زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف مارين لوبان من الوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، في خطوة وصفها متابعون بالسابقة الخطيرة.

حزب الحرية النمساوي، أقدم الأحزاب والحركات اليمينية في أوروبا، استطاع الوصول إلى الحكم والمشاركة في الائتلاف الذي شكله حزب المحافظين.

إلا أن المفاجأة الكبرى كانت في ألمانيا، واختراق حزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات التشريعية الأخيرة مسرح الحياة السياسية ووصوله إلى البوندستاغ، بنتيجة تاريخية مقارنة بأعداد الأصوات التي كان يحصل عليها في الماضي. ويطالب هذا الحزب بإغلاق المساجد وفرض حظر على الأذان واعتماد إجراءات من شأنها التضييق على المهاجرين واللاجئين والحد من تدفقهم على البلاد.

ووفقا للكثير من المتابعين والمراقبين للشأن الأوروبي، فإن بروز التيارات اليمينية على ساحات القارة العجوز السياسية، يعود إلى بناء هذه الأحزاب والتيارات برامجها السياسية والانتخابية على قضايا مثل الإرهاب والهجرة والنكسات الاقتصادية، وهذه هي القضايا التي تلامس حياة المواطنين اليومية وتؤثر على خياراتهم الانتخابية. ولعل فوز حزبي “البديل من أجل ألمانيا” و”الحرية” النمساوي في بلدين تعتبر الهجرة جزءا رئيسيا من الثقافة العامة السائدة هناك، دليل على صحة هذه المقاربة، خاصة بعد الجدل الكبير الذي سيطر على الحياة العامة في هذين البلدين عقب أزمة الهجرة الأخيرة حول جدوى استقبال المهاجرين وإدماجهم في المجتمعات المحلية.

.