انتخابات فرنسا .. المسلمون هم الضحية

طاهر هاني /

أدت هيمنة موضوع الهجرة على جميع النقاشات الانتخابية من قبل بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع إجراؤها في العاشر من نيسان/أبريل إلى مغادرة العديد من مسلمي فرنسا إلى الخارج، هربا من “العنصرية” حسب مقال نشرته جريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية، التي جمعت عدة مواقف لمسلمين فرنسيين غادروا بلادهم للعيش في المنفى. وأضافت اليومية أن الحديث عن “الهوية الوطنية” منذ سنين جعل بعض المرشحين يركزون بشكل مفرط على الهجرة وهو ما يشهد على وجود أزمة عميقة في فرنسا على حد قولها.

في إطار الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022، نشرت يومية “نيويورك تايمز” الأمريكية الأحد تحقيقا حول الأسباب التي جعلت بعض الفرنسيين المسلمين يغادرون البلاد تباعا للعيش في بلدان أجنبية، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا.

وعنونت اليومية الأمريكية مقالها “رحيل في الخفاء لمسلمي فرنسا”، مانحة الكلمة للعديد من الفرنسيين المسلمين لشرح أسباب مغادرتهم لهذا البلد بالرغم من أنهم ولدوا وترعرعوا فيه.

لن يغفر الفرنسيون للمسلمين اعتداءات نوفمبر 2015

يقول صبري لواتاح (38 عاما) وهو روائي يعشق اللغة الفرنسية: “اعتداءات 2015 هي التي جعلتني أغادر فرنسا. فهمت بأنهم (الفرنسيون) لن يغفروا لنا هذا الحادث”.

فعلى الرغم من ولادته في فرنسا وامتلاكه لعلاقات عائلية وطيدة في مدينة “سانت إتيان بجنوب فرنسا، إلا أنه قرر أن يستقر في مدينة فيلادلفيا، بولاية بنسيلفانيا، في الولايات المتحدة الأمريكية برفقة زوجته بسبب “عدم شعوري بالأمن والأمان في فرنسا” فضلا عن تعرضه إلى “العنصرية” ونعته “بالعربي القذر”. وتابع قائلا: “عندما تسكن في مدينة كبيرة وذات توجه ديمقراطي مثل فيلادلفيا، فإنك تشعر بالراحة والاطمئنان، عكس باريس حيث نشعر بأننا في مرجل”.

لا يوجد حديث عن الهجرة العكسية

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 10 و24 أبريل/نيسان المقبل، يركز بعض المرشحين من اليمين المتطرف مثل إيريك زمور (حزب الاسترداد) ومارين لوبان (حزب التجمع الوطني) على موضوع الهجرة والمهاجرين ويحذرون من تجسيد نظرية “الاستبدال الكبير” على أرض الواقع.

لكن حسب أولفييه أستيفيز، وهو أستاذ في معهد الدراسات والأبحاث الإدارية والسياسية في جامعة “ليل” بشمال فرنسا، فإن “السياسيين الفرنسيين لا يتحدثون كثيرا عن الهجرة العكسية والمتمثلة في رحيل مئات من الفرنسيين المسلمين إلى بريطانيا أو كندا على سبيل المثال للعيش والعمل هناك والمساهمة في نمو اقتصاد تلك الدول”.

وتضيف “نيويورك تايمز” أن بعض المرشحين في الانتخابات الرئاسية يدلون بتصريحات مهينة بحق الفرنسيين المسلمين، على غرار إيريك زمور الذي قال حسب الجريدة إن “أرباب العمل الفرنسيين لهم الحق في رفض تشغيل العرب والسود”.

من جهته، أكد عمار مكروس (46 عاما) وهو فرنسي مسلم كان يعيش في الضاحية الباريسية قبل أن يغادر برفقة زوجته الفرنسية إلى مدينة “ليسيستر” البريطانية: “لا أعامل على أنني فرنسي إلا عندما أكون في الخارج”. وأردف: “أتحدث باللغة الفرنسية وتزوجت من فرنسية وأحب المطبخ الفرنسي والثقافة الفرنسية، لكن رغم كل هذا، في بلدي لست فرنسيا”.

تركيز مفرط حول موضوع الهجرة

نفس الحكاية تقريبا رواها إلياس سعافي (37 عاما) وهو مسؤول في قسم التسويق في شركة مالية أمريكية تملك مكتبا في بريطانيا. وقال ليومية “نيويورك تايمز”: “ما جذب اهتمامي هنا في بريطانيا هو أنه خلال عشاء عمل، تم تقديم أنواع عديدة من المأكولات، من بينها مأكولات نباتية وأخرى حلال (وفقا لتعاليم الدين الإسلامي) إضافة إلى اختلاط وتعدد الثقافات”. فيما أضافت ماتيلدا وهي زوجة إلياس سعافي: “في بريطانيا، لا أخشى أن أربي طفلا عربيا”.

تمييز في الحصول على وظائف

هذا وأشارت دراسة نشرتها الحكومة الفرنسية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن الفرنسيين من أصول مسلمة لديهم حظوظ أقل لكي يتصل بهم رب عمل ما لإجراء مقابلة معهم بهدف توظيفهم.

هذا ما أدى بالشابة مريم غريبو (31 عاما) إلى أن تترك فرنسا لمدة ست سنوات متجهة إلى سويسرا ثم السنغال من أجل العمل هناك. لكنها عندما قررت العودة إلى فرنسا حيث تقطن عائلتها، لم تجد عملا. “الشعور بأنني غريبة في بلدي يطرح لي مشكلة حقيقية. يجب أن يتركونا  نعيش وفق معتقداتنا الدينية وضميرنا”.

أما بالنسبة لراما ياد، الوزيرة السابقة في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، فقد قالت لجريدة “نيويورك تايمز” بأن “التركيز المفرط حول موضوع الهجرة من قبل المرشحين خلال الحملة الانتخابية، ما هو إلا نتيجة لعشرين عاما من الحديث عن الهوية الوطنية”.

مسحيو الشرق

من بين المواضيع الجديدة التي ظهرت خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية 2022، موضوع مسيحيي الشرق. فالعديد من المرشحين، على غرار إريك زمور وفاليري بيكريس وحتى الرئيس إيمانويل ماكرون أصبحوا يتطرقون في خطاباتهم إلى أوضاع هذه الفئة الدينية التي تعيش ظروفا أمنية واقتصادية صعبة للغاية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في العراق وسوريا. فهل هناك اهتمام حقيقي بأوضاع هذه الفئة من قبل المرشحين أم هي مجرد  تلميحات انتخابية لكسب ثقة وأصوات الناخبين المسيحيين في فرنسا؟

ويمكن القول إن موضوع الهجرة فرض نفسه في الحملة الانتخابية على الرغم من أن عدد المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا أقل بكثير مقارنة بدول غربية أخرى.

المرشح إريك زمور: “المسيحيون هم الأقلية التي تعرضت أكثر إلى الاضطهاد في العالم”

خطوة منه لإظهار مدى اهتمامه بشؤون مسيحيي الشرق، قام زمور بزيارة إلى أرمينيا عبر من خلالها عن “تضامنه” مع مسيحيي هذا البلد.

وقال الصحافي السابق أمام جبل أرارات:” يجب على الناس أن يأتوا إلى هنا لفهم أسس وأصول حضارتنا المسيحية. فإذا كانت غير راسخة في ماضينا العريق، فلا يمكن أبدا أن نفهم ما يحدث لنا اليوم ولن نستطيع أن نخطط للمستقبل. أرمينيا لقنت لنا هذا الدرس”.

وأضاف:” “المسيحيون هم الأقلية التي تعرضت أكثر إلى الاضطهاد في العالم. فهم يتعرضون إلى القتل بالرغم من أنهم كانوا متواجدين على الأرض قبل الإسلام”.

واستطرد زمور، الذي لا يضيع أي فرصة للتحدث عن وضع مسيحيي الشرق والمسيحيين بشكل عام، لإدراكه أهمية المخزون الكبير من الأصوات عند هذه الفئة من الفرنسيين: “يتحدثون عن الأويغور، لكن هل هناك من يدافع عن الشهداء المسيحيين في الصين؟”.

من جهتها، لم تترك فاليري بيكريس مرشحة حزب “الجمهوريون” منافسها في الانتخابات الرئاسية (زمور) يستحوذ بمفرده على موضوع مسيحيي الشرق. بل قامت هي الأخرى بزيارة إلى أرمينيا في 21 كانون الأول/ديسمبر 2021 وعبرت عن “تضامنها” مع مسيحيي هذا البلد ومع جميع مسيحيي العالم الذين يعانون من الاضطهاد.

وعبر زيارتها لأرمينيا، أرادت بيكريس أن تضرب عصفورين بحجر واحد: أولا، تقديم الدعم المعنوي لمسيحيي الشرق. ثانيا، بعث رسالة غير مباشرة للمسيحيين الفرنسيين مفادها أنها هي أيضا تساند الجاليات المسيحية حيثما تواجدت، وبالتالي تستحق أيضا أن يصوت لها مسيحيو فرنسا.

وخلال هذه الزيارة، قالت بيكريس: “مسألة مسيحيي الشرق هي في قلب التزاماتي الانتخابية”. مضيفة: “عبرت عن تضامني مع سكان أرمينيا الذين عانوا الكثير من النزاع المسلح مع أذربيجان التي تتحمل مسؤولية اندلاع الحرب. يجب تعبئة أوروبا حول هذا النزاع. إنه ليس مجرد نزاع في منطقة القوقاز، بل هجوم على أوروبا وعلى مسيحيي الشرق وعلى أسس الحضارة الأوروبية”.

ومثل زمور، تريد بيكريس استقطاب ناخبين مسيحيين فرنسيين جدد إليها وتعزيز القاعدة الانتخابية التي يتمتع بها حزب “الجمهوريون” والتي تتضمن عددا كبيرا من الناخبين المسيحيين. كما تسعى أيضا إلى التصدي لخطاب زمور المبني على “الهوية الوطنية”.

ماكرون يضاعف المساعدات المالية للمدارس المسيحية في الشرق الأوسط

كسب أصوات المسيحيين الفرنسيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة رهان كبير بالنسبة لإيمانويل ماكرون الذي كشف هو أيضا عن اهتمامه بأوضاع مسيحيي الشرق ومما يعانوه من مصائب، خاصة في العالم العربي. الرئيس المنتهية ولايته عبر عن هذا الاهتمام في بداية شهر شباط/فبراير عندما استقبل في قصر الإليزيه ممثلين لمسيحيي الشرق، عبر عن “تضامن” فرنسا داعيا إلى “ضرورة فتح آفاق جديدة” لتحسين معيشتهم.

وبهذه المناسبة، قرر ماكرون مضاعفة المساعدة المالية التي تقدمها فرنسا للمدارس المسيحية في العالم العربي ومناطق أخرى.

مشروع قانون بحظر الحجاب في المسابقات الرياضية

سيُحال مشروع قانون يحظر ارتداء الحجاب في المسابقات الرياضية بفرنسا إلى الجمعية الوطنية بعد أن رفض مجلس الشيوخ إقراره. وتساءل منتقدو التشريع عن مدى تأثيره على بروتوكول الأزياء خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي تستضيفها فرنسا في عام 2024، والتي سيشمل المشاركون فيها دولا إسلامية محافظة، إذا تم إقرار مشروع القانون.

سيُحال مشروع قانون يحظر ارتداء الحجاب في المسابقات الرياضية إلى الجمعية الوطنية الفرنسية بسبب رفض مجلس الشيوخ الأربعاء التصويت على التشريع الذي يهدف إلى “إضفاء الطابع الديمقراطي على الرياضة”.

يتضمن مشروع القانون فقرة سبق إلحاقها كتعديل من قبل مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه المحافظون، وتنص على حظر ارتداء “الرموز الدينية الظاهرة” في الأحداث والمسابقات التي تنظمها الاتحادات الرياضية.

ولاقت هذه الخطوة معارضة حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون التي تنتمي لتيار الوسط وحلفائها الذين يتمتعون بأغلبية في الجمعية الوطنية والتي تملك حق التصويت النهائي على المشروع. وفي ظل الأغلبية التي يتمتع بها حزبه وحلفاؤه في مجلس النواب، من المرجح أن تتم إزالة التعديل من مشروع القانون.

وارتداء الرموز الدينية في الأماكن العامة ووضع الدين بشكل عام موضوعان مثيران للجدل منذ فترة طويلة في فرنسا، وهي دولة علمانية بامتياز وتشكل موطنا لأكبر أقلية مسلمة في أوروبا.

وتعد الهوية ووضع الإسلام في المجتمع الفرنسي من القضايا الشائكة التي تشغل الرأي العام قبل الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان، والتي يتنافس فيها مرشحان من اليمين المتطرف تعتمد برامجهما على التشكيك في توافق الإسلام مع قيم الجمهورية.

وتساءل منتقدو التشريع عن مدى تأثيره على بروتوكول الأزياء خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي تستضيفها فرنسا في عام 2024، والتي سيشمل المشاركون فيها دولا إسلامية محافظة، إذا تم إقرار القانون.

.