الرئيس الفرنسي يأمل زعامة أوروبا

بعد أن خفت صوت ميركل

عادل فهمي

منذ أن تولى الرئيس الفرنسي مقاليد الحكم في عام 2017 ، أولى السياسة الخارجية اهتماما أكثر من اهتمامه بالشأن الداخلي في بلده، ولم يخف طموحه، بأن يتولى القيادة داخل الاتحاد الأوروبي، بل الوصول إلى القيادة العالمية إن أمكن.

بطبيعة الحال، فمع مثل هذه الطموحات، لم يكن له إلا أن يستغل جملة الظروف التي تطورت مؤخرا لتحقيق أهدافه.

فزعيمة أوروبا في السنوات الأخيرة، أنغيلا ميركل، تنهي الأشهر الأخيرة لعملها، بعدما سئمت من السياسة، وطبيعي أنها لم تعد نشطة كما كانت من قبل. وأكثر ما يقلقها الآن الحفاظ على مكانة ألمانيا في صدارة أوروبا.

والوضع الجيوسياسي، أيضا إلى جانب إيمانويل ماكرون. فثالث أكبر قوة أوروبية، بريطانيا، مشغولة ببريكسيت. وإيطاليا تتنازعها الآن خلافات بين ائتلاف حاكم ضعيف ومعارضة قوية… كما فقدت الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب جزءا كبيرا من النفوذ الذي كانت تتمتع به في العالم القديم، حتى العام 2016.

في المواجهة مع الولايات المتحدة التي تجنح من جانب إلى آخر والصين المندفعة والمثابرة، تحتاج أوروبا حقًا إلى زعيم قوي وكاريزمي. تطورت الظروف بحيث، يمكن أن يكون ماكرون هذا الزعيم .. قد لا يكون لديه نجاحات يعتد بها، لكن بقية الزعماء الأوروبيين الذين يمكنهم التنافس معه أقل نجاحا منه.

إزاحة ألمانيا المترنحة

فرنسا، بقيادة إيمانويل ماكرون، تضغط لإزاحة ألمانيا عن قيادة أوروبا. وماكرون، مستفيدا من مشاكل جيرانه وكون المفوضية الأوروبية الآن في حالة انتقالية، يطرح نفسه، أكثر فأكثر، كزعيم لعموم أوروبا.

وقد أدى سلوك إيمانويل ماكرون في الأشهر الأخيرة إلى زعزعة الشراكة الفرنسية الألمانية، التي شكلت أساسا للاتحاد الأوروبي منذ البداية.

فالرئيس الفرنسي، على سبيل المثال، يهتم بموسكو وأوكرانيا بكل طريقة ممكنة على أمل أن يصبح صانع سلام في النزاع الروسي الأوكراني. كما حاول تجريب هذه الحيلة مع إيران والولايات المتحدة.

إن فورة نشاط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدبلوماسي، التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، نحو تطبيع العلاقات المتضررة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، أثارت القلق في العديد من العواصم الأوروبية. الخطوة الأولى التي اقترحها الزعيم الفرنسي في هذا الاتجاه، مساهمة أوروبا في التفاوض بين رئيسي روسيا وأوكرانيا لإنهاء الحرب في دونباس.

إلا أن خطط ماكرون الروسية أوسع وأكثر طموحاً من مجرد إنهاء الحرب الأهلية في جنوب شرق أوكرانيا. فهو يريد تعزيز علاقات أوروبا مع روسيا وإشراك موسكو في حل الأزمات الدولية الأخرى. وبالدرجة الأولى، ترى باريس أن بإمكان روسيا المساعدة في حل الأزمة حول البرنامج النووي الإيراني.

ولكن موقف باريس “الميال إلى روسيا” يثير قلقا بالغا في ألمانيا وهولندا وبولندا ودول البلطيق.

فها هو رئيس لجنة البوندستاغ الألماني للشؤون الدولية، نوربرت روتجن، يتهم فرنسا بعدم تنسيق المبادرة مع برلين ودول أوروبية أخرى. من ناحية أخرى، نرى المسؤول عن الشؤون الدولية في الحزب الاجتماعي الديمقراطي، نيلز شميد، يدعم إيمانويل ماكرون ويرى، في الوقت نفسه، أن برلين تنتهج سياسة مشابهة لسياسة باريس، لكنها لا تتصرف بشكل علني مثل فرنسا.

الانتقادات الأكبر التي استهدفت مبادرات الرئيس ماكرون تجاه روسيا، جاءت من بولندا، فلعلها أكثر البلدان “معاداة لروسيا” في الاتحاد الأوروبي، إذا أهملنا دول البلطيق. تنوي وارسو الإصرار على عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، والتي يجب إما تمديدها أو رفعها في بداية العام 2020.

يعلل معارضو تطبيع العلاقات مع روسيا موقفهم بدعوى أن موسكو لم تتخذ أي خطوات لتصحيح الوضع منذ فرض العقوبات عليها. ومع ذلك، ففي باريس، يقترحون عدم اعتبار القرم عقبة أمام استعادة العلاقات مع روسيا، إذا أجرى بوتين وزييلنسكي مفاوضات واتفقا على إنهاء الحرب في دونباس.

الحقيقة في مواجهة التحديات العالمية

ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمة مفتتحا الدورة الثانية لأعمال منتدى باريس حول السلام التي تعقد في العاصمة الفرنسية. ويعمل هذا المنتدى على تدعيم فلسفة التعاون الدولي لمواجهة الأخطار التي تواجه العالم أجمع. وقال ماكرون إن “عالمنا يمكن أن يندثر ما لم يكن لدينا مشروع مشترك”، وأكد أن العالم يعيش أزمة مرتبطة بتحديات جديدة، ومشكلة داخل النظم العالمية.

وأعلن الرئيس الفرنسي أن النظام السياسي العالمي يعاني “أزمة غير مسبوقة”، داعيا إلى تحالفات من نوع جديد وإلى التعاون لتسوية مشكلات العالم.

وجاء تحذير ماكرون بعد أيام على صدور مقابلة أجرتها معه مجلة “ذي إيكونوميست”، رأى فيها أن الحلف الأطلسي في حالة “موت دماغي” وأن أوروبا أمام “خطر كبير بأن تختفي عن الخارطة الجيوسياسية مستقبلا أو أقله ألا نعود أسياد مصيرنا”، وأثارت تصريحاته صدمة في العواصم الأوروبية.

وكانت المستشارة أنغيلا ميركل ردت على تصريحات ماكرون عن الحلف الأطلسي في المقابلة، فقالت إنها “مبالغ فيها”.

وفي تلميح إلى الانتقادات التي أثارتها تصريحاته عن الحلف الأطلسي، قال إنه من الأساسي التكلم بصراحة عن المشكلات.

وأضاف “التحفظ والنفاق لم يعودا مجديين في زمننا، لأن مواطنينا يرون ذلك. كما أن الخمول ليس حلا”.

وأكد أنه يسعى إلى منع انقسام العالم حول قوتين كبريين هما الولايات المتحدة والصين، مشيرا إلى أن “الانقسام بين بعض القوى المهيمنة يولد خيبات” ولا يمكن أن يستمر على المدى البعيد.

ماكرون يداعب الصين

بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته للصين برفقة الوزيرة الألمانية المكلفة بالأبحاث أنيا كارليتشك والمفوض الأوروبي الإيرلندي فيل هوغن الذي سيتولى حقيبة التجارة في المفوضية الأوروبية الجديدة، لتعزيز التعاون الأوروبي المشترك لمواجهة الولايات المتحدة والصين في الملفات الاقتصادية خصوصا. 

وقال ماكرون في شنغهاي “هناك أجندات وطنية لكن إذا استخدمنا الورقة الفرنسية-الألمانية وخصوصا الأوروبية ستزداد مصداقيتنا وستكون نتائجنا أفضل”. وكان يتحدث أمام مديري شركات فرنسية وألمانية مشاركة في معرض شنغهاي للواردات الذي يقام سنويا وتحل عليه فرنسا ضيفة الشرف هذا العام.

.