بيسكو الأوروبي

 

عبد الله سالم

 

أعلنت 23 دولة عضوا ب‍الاتحاد الأوروبي التزامها بتعاون أمني بعيد المدى، ما يؤسس لإقامة «اتحاد دفاع أوروبي».

ووقع وزراء دفاع وخارجية الدول الثلاث والعشرين إشعارا بعزمهم إقامة «التعاون الهيكلي الدائم» في الأمن والدفاع (بيسكو) permanent structured cooperation – PESCO ، dauerhafte strukturierte Zusammenarbeit  والذي يتيح للدول التعاون بشكل أوثق لبناء القدرات العسكرية.

ويمثل هذا الاتفاق الدفاعي عهدا جديدا من التكامل العسكري الأوروبي لتدعيم وحدة الاتحاد بعد قرار بريطانيا الخروج منه.

وبعد توقيع الإشعار، من المتوقع أن يصدر القرار النهائي بإطلاق الاتحاد الدفاعي هذا الشهر، على أن تكون المشاركة طوعية للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي.

وسيبدأ تجريب نظام لرصد أوجه نقاط الضعف في القوات المسلحة لدول الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع حلف شمال الأطلسي «الناتو» الذي تقوده الولايات المتحدة في حين مازال تمويل أوروبي بمليارات اليورو لدعم الاتفاق قيد التفاوض.

ويأتي ذلك بعد سنوات من خفض الإنفاق الذي ترك الجيوش الأوروبية تفتقر لأصول حيوية، فواجهت هذه القوات صعوبات في مهام عسكرية وإنسانية في البلقان وليبيا وأفريقيا على مدى 20 سنة وأخذت على حين غرة عندما ضمت روسيا شب جزيرة القرم عام 2014. ولا تزال إيرلندا والبرتغال ومالطة في مرحلة اتخاذ القرار بالانضمام من عدمه.

وليس من المتوقع أن تشارك فيه الدنمارك وبريطانيا.

 

اكتفاء ذاتي

ويؤكد الاتحاد الأوروبي على أن دور «بيسكو» سيكون تكميليا للناتو، الذي يضم في عضويته 22 دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي. ويعد هذا أحدث محاولة أوروبية لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة حيث يشكل الاتفاق الدفاعي ناديا رسميا يعطي الاتحاد الأوروبي دورا أكثر تماسكا في التعامل مع الأزمات الدولية.

وقال مسؤول كبير من الاتحاد عن جهود التكامل الدفاعي التي يرجع تاريخها إلى خمسينات القرن الماضي «لم نصل إلى هذا المدى من قبل… نحن في وضع جديد».

ويشير القرار إلى تحرك أوروبا باتجاه اكتفاء ذاتي في مجال الدفاع وليس الاعتماد على حلف (الناتو).

 

ثمن بريكست

وقال دبلوماسيون إن المشروع حصل على دفعة بعد انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المؤيد للمشروع الأوروبي وتحذيرات الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أن الحلفاء الأوروبيين يتعين أن يدفعوا المزيد من أجل أمنهم.

الى ذلك، قال رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني، إن على بريطانيا دفع ما لا يقل عن 60 مليار يورو (70 مليار دولار)، قبل خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، حتى تلبي التزاماتها المالية.

ونقلت قناة (سكاي نيوز) الإخبارية عن تاجاني قوله امس «في رأيي، يجب أن يكون المبلغ 60 مليار يورو على الأقل (…) إذا قبل الاتحاد الأوروبي بأقل، يجب على المواطنين الأوروبيين أن يعوضوا الفارق… لكن لماذا يجب على الألمان والإيطاليين والإسبان والهولنديين دفع فاتورة البريطانيين».

وتعد فاتورة الخروج أكبر عقبة في مفاوضات انسحاب بريطانيا من الكتلة الأوروبية المقررة في مارس 2019. ويطالب الاتحاد الأوروبي بريطانيا بتحويل تعهداتها بدفع الاستحقاقات المالية التي عليها، إلى التزامات ملموسة.

وكان الاتحاد، أمهل الحكومة البريطانية أسبوعين -في العاشر من الشهر الجاري- لإبداء توضيح «حيوي» بشأن تسوية الالتزامات المالية التي تطلبها بروكسل من لندن قبل إتمام عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، المعروفة باسم «فاتورة الطلاق».

 

رسائل سياسية

أعلنت الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد، فيديريكا موغيريني، في ختام توقيع الوثيقة “إننا نعيش لحظة تاريخية للدفاع الأوروبي”. واعتبرت أن هذه الأداة الجديدة “ستسمح بزيادة تطوير قدراتنا العسكرية لتعزيز استقلاليتنا الإستراتيجية”.

ومنذ إخفاق إنشاء “المجموعة الدفاعية الأوروبية” قبل ستين عاما، لم ينجح الأوروبيون يوما بالتقدم في هذا المجال، إذ أن معظم البلدان تتمسك بما تعتبره أمرا مرتبطا بسيادتها الوطنية حصرا.

من جهتها، شددت وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون در لاين، على القول “كان من المهم لنا، خصوصا بعد انتخاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن نتمكن من تنظيم صفوفنا بشكل مستقل، بصفتنا أوروبيين. هذا أمر مكمل لحلف شمال الأطلسي، ونحن نرى أن أحدا لن يستطيع بدلا منا إيجاد حل للمشاكل الأمنية التي تواجهها أوروبا في محيطها. يجب أن نقوم بذلك نحن بأنفسنا”.

وأوضحت موغيريني أن أكثر من خمسين مشروعا للتعاون طرحت، معبرة عن أملها في أن يسمح “التعاون المنظم الدائم” بضمان “توفير كبير في الأموال” للصناعة الدفاعية الأوروبية، “المجزأة” كثيرا اليوم، بالمقارنة مع المنافسة الأميركية.

تجدر الإشارة إلى أن بريطانيا الحريصة على حلف شمال الأطلسي تقليديا وتملك أكبر ميزانية عسكرية في الاتحاد الأوروبي، اعترضت بشدة وباستمرار على أي اقتراح يطرح من قريب أو بعيد إنشاء “جيش أوروبي”، معتبرة أن الدفاع عن أراضي أوروبا مهمة محصورة بالحلف.

لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المقرر في آذار/مارس 2019، يقترب، ولم تشأ لندن التي استبعدت نفسها مثل الدانمارك من التعاون المنظم الدائم، أن تعرقل هذه المبادرة، التي يصفها وزير خارجيتها بوريس جونسون بأنها “فكرة واعدة”.

ويريد الاتحاد الأوروبي أيضا إنشاء صندوق له لتحفيز صناعة الدفاع الأوروبية، على أن تخصص له ميزانية بقيمة 5.5 مليارات يورو سنويا. كما أنشأ في الربيع أول مقر لقيادة العسكرية يشرف على ثلاث عمليات غير قتالية في أفريقيا.

ولم تنضم إيرلندا والبرتغال ومالطا في هذه المرحلة إلى مبادرة “التعاون المنظم الدائم” التي ستطلق رسميا هذا الشهر.

اترك تعليقاً