بياناتنا الشخصية في خطر

سامي عيد

بعد أحداث 11 سبتمبر، وصف الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة على النحو التالي: “الخطر يهدد أمتنا: نحن لسنا محصنين من الهجوم”، وبعد أكثر من عقد ونصف، في عام 2017، وصف وزير الخارجية البريطاني آنذاك بوريس جونسون الجهد العالمي ضد الإرهاب بأنه “معركة ليس ضد خصم عسكري ولكن ضد مرض أو وباء”.

وفي التصريحين، استخدام القادة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللغة الطبية لوصف الحرب ضد الإرهاب.

وقد كشفت الإحصائيات الأخيرة التي توصل إليها مسؤولو الصحة في مدينة نيويورك أن عدد الأشخاص الذين ماتوا بسبب فيروس كورونا في مدينة نيويورك قد تجاوز بالفعل عدد القتلى في هجمات 11 سبتمبر.

وبحسب تقرير لمجلة إنترناشونال إنترست، فإن الهجمات الإرهابية والأوبئة هي أحداث عالية التأثير لديها القدرة على تعطيل الحياة، وربما تكون إحدى الطرق الأكثر إثارة لدراسة هذه الأحداث هو دراسة تأثيرها على بياناتنا.

الفيروس أكثر خطرا

في استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في مارس 2020، اعتبر الجمهور الأميركي ان انتشار الأمراض المعدية هو تهديد أكبر من تهديد الإرهاب، وهذه سابقة على هذا الصعيد، حيث يحتل الإرهاب دائما سلم مخاوف الأميركيين.

لكن بعد الهجمات الإرهابية في باريس وكاليفورنيا، في عام 2015، وجد مسح وطني أجراه مركز بيو للأبحاث أن الجمهور الأميركي كان أقل قلقاً من أن سياسات مكافحة الإرهاب تقيد الحريات المدنية.

وبالمثل، بعد تفجيرات 7/7 في المملكة المتحدة عام 2005، أظهر استطلاع لصحيفة الغارديان أن 73% من البريطانيين يقبلون تقييد الحريات المدنية مقابل الحصول على الأمن.

كما وجد استطلاع أحدث أجرته YouGov في مايو 2018 أن البريطانيين ما زالوا على استعداد لمقايضة الحريات المدنية لأغراض مكافحة الإرهاب، فقد وافق 67% على مراقبة جميع الأماكن العامة في المملكة المتحدة بكاميرات CCTV، و63 % يؤيدون مشروع حمل بطاقة هوية طوال الوقت خارج المنزل، و64% يؤيدون الاحتفاظ بسجل لبصمات كل مواطن بريطاني، و 59٪ يؤيدون قاعدة بيانات الحمض النووي.

مقايضة

وهذا ما قد تضطر إليه الدول أيضاً في مكافحة فيروس كورونا، فقد تلجأ الحكومات عند تخفيف إجراءات الإغلاق على المدن إلى تطبيق بعض سياسات المراقبة على المواطنين، وهو ما يضع الأشخاص في مقايضة بين حرية التنقل وبين تتبع بياناتهم المدنية.

23 دولة على الأقل تم الزام المقيمين فيها على استخدام تطبيقات هاتفية لـ”تتبع تحركاتهم واتصالاتهم”، وذلك في إطار احتواء فيروس كورونا، كما نشرت السلطات في المملكة المتحدة وبلدان أخرى طائرات بدون طيار مزودة بمعدات فيديو وأجهزة استشعار درجة الحرارة لتتبع أولئك الذين كسروا قيود الإغلاق من خلال التواجد خارج منازلهم.

وفي الولايات المتحدة، تعمل حاليًا بعض الشركات المعنية بجمع البيانات مع الجهات الرسمية لخلق مجموعة من تقنيات التتبع والمراقبة لمكافحة الفيروس التاجي، وتشمل الأفكار التي يتم النظر فيها تتبع الموقع الجغرافي للأشخاص الذين يستخدمون البيانات من هواتفهم، وأنظمة التعرف على الوجه لتحديد من كان على اتصال مع شخص ثبتت إصابته بالفيروس.

الخصوصية والدقة

وأكدت المجلة أنه يمكن الاستفادة من طرق مكافحة الإرهاب، في مكافحة فيروس كورونا من خلال عدة أمور.

الأول فيما يتعلق بالخصوصية، على سبيل المثال، أحد الجوانب الأساسية لقانون فيروس كورونا في المملكة المتحدة 2020، يركز على احتواء وإبطاء الفيروس عن طريق الحد من الاتصال الاجتماعي غير الضروري.

وتمثل الإجراءات التي يقدمها لتحقيق ذلك تآكل الضمانات الموضوعة على خصوصية البيانات، ولو نظرنا لأحد الأمثلة على البيانات التي يتم استخدامها لمكافحة الإرهاب، والتي تتعلق بمخاوف الخصوصية حول مشاركة البيانات لفيروس كورونا، هي أمن الطيران.

على سبيل المثال، استخدمت الولايات المتحدة النظام المستهدف الآلي (ATS) ، الذي يقيم المخاطر النسبية للركاب القادمين، وتم استخدام تقنيات اكتشاف المعرفة داخل هذا النظام لإنشاء تقييمات للمخاطر واستهداف الموارد الاستقصائية، وهو ما نجح في منع رائد البنا الإرهابي الذي قتل لاحقا في العراق، من دخول الولايات المتحدة.

ومع ذلك، على عكس طرق جمع البيانات الأخرى، عندما يتعلق الأمر بالإرهاب، فإن جمع البيانات يحدث غالبًا دون علم أو موافقة الشخص المعني.

الدرس الثاني حول الدقة، الذي تفتقره الخوارزميات الاصطناعية مما قد يؤدي إلى استنتاجات غير دقيقة، وتنطوي مثل هذه الإجراءات على العديد من المخاطر في مكافحة الإرهاب وفيروس كورونا.

على سبيل المثال، إحدى طرق اختبار المرض قادرة على اكتشاف المرض بدقة بنسبة 99 % عن طريق الوخز، مما يعني أن نسبة الخطأ 1%، وإذا كان  عدد السكان يبلغ 300 مليون شخص، فإن نحو 300 ألف قد تكون نتيجة إصابتهم بالفيروس إيجابية بالخطأ،.

وفي كتابه الحشد العاري The Naked Crowd، يناقش الأستاذ بجامعة جورج واشنطن غيفري روزين المعدلات الإيجابية الكاذبة في نظام ربما تم تصميمه لتحديد تسعة عشر من الخاطفين المتورطين في هجمات 11 سبتمبر، وبافتراض معدل دقة بنسبة 99 في المائة، فإن البحث في عدد سكان يبلغ قرابة 300 مليون نسبة أي بعدد سكان أميركا، يعني أنه سيتم تحديد ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص على أنهم إرهابيون محتملون.

أما الدرس الثالث فهو حول التعاون، في المستقبل، قد يتم استخدام تقنيات جمع بيانات مماثلة في تبادل المعلومات بين البلدان حول الأفراد المحتملين الذين يحملون الأمراض، وهذا ما يثير الخوف بشأن معلومات بعض الأفراد وتشاركها مع بعض البلدان التي تنعدم فيها الديمقراطية، على عكس سياق الإرهاب، حيث تعمل البلدان على تبادل المعلومات ضد كيان بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

.