العنصرية والتمييز مشكلة تحتاج إلى تشريع

 

الدليل ـ برلين

 

منذ عقود، أصبحت الهجرة إلى أوروبا ملاذا للعديد من الخبرات والكفاءات من كافة دول العالم وخاصة المنطقة العربية، بعد أن أعلنت أوروبا في فترة الستينات والسبعينات عن حاجتها الملحة لليد العاملة في مجالات عديدة لإعادة بناء نفسها وقوتها، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي جعل من الفضاء الأوروبي مسرحا للقاءات حضارية وثقافية متعددة ومتنوعة.

ولكن بالرغم من معرفة تلك الأجيال المهاجرة الأولى لفترات ازدهار اقتصادية واجتماعية هامة في تاريخها، إلا أن الجيل نفسه والجيل الثاني الذي برز الآن، بصدد التأثر بالأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالغرب بشكل عام، والتي تؤثر بعمق على اندماج الأجانب (عربا، آسيويين، وأفارقة…) مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي في أوروبا، في ظل تنامي بعض التيارات العنصرية التي ترفض وجود المهاجرين نتيجة الأزمة. فالمهاجرون القادمون إلى أسبانيا مثلا، يمثلون ثاني أكثر فئة فقرا في أوروبا بعد الوافدين على اليونان، إذ وصلت نسبة الفقراء من المهاجرين في أسبانيا إلى 40 في المئة مقابل 20 في المئة من الأسبان الأصليين.

وإن كان أفراد الجيل الثاني والثالث من المهاجرين في أوروبا يتمتعون بوضعية مهنية أفضل مما كان الأمر عليه مع آبائهم، إلا أنهم يتعرضون للتمييز بسبب انحدارهم من عائلات مهاجرة، وهي نتيجة مسجلة في جميع الدول الأوروبية، حيث أن شخصا من بين خمسة أشخاص منحدرين من أصول مهاجرة أكد تعرضه للتمييز في العمل وعدم تمتعه بحقه في المساواة في الفرصة، كما تؤكد العديد من الشهادات أنه أحيانا يتم تمييز الأوروبي عن ذوي الأصول المهاجرة حتى وإن كان المهاجر يتمتع بكفاءات أعلى ودرجة علمية أرقى، وذلك من خلال خلاصات تقرير مؤشرات اندماج المهاجرين لسنة 2015، الذي أعدته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية واللجنة الأوروبية لإثارة انتباه الحكومات “التي لم تقم بالمجهود الكافي من أجل مساعدة المهاجرين وأطفالهم على الاندماج”.

 

التقرير الذي تم تقديمه في العاصمة بروكسل كشف أن النتائج الدراسية لأطفال المهاجرين أو المنحدرين من أبوين مهاجرين تتقدم بشكل تدريجي خصوصا لدى الأطفال، الذين حصل آباؤهم على مستوى تعليمي ضعيف.

وحسب التقرير، فإن معدل العمل لدى المهاجرين غير الحاصلين على شهادات أو الحاصلين على شهادات ضعيفة مرتفع بالمقارنة مع نظرائهم ألأوروبيين، إلا أن العمل يقتصر على مهن لا تدر مالا كثيرا وتتميز عادة بظروف صعبة.

يذكر أن عدد المهاجرين في الاتحاد الأوروبي قد ارتفع إلى أكثر من 30 في المئة منذ سنة 2000، وفي سنة 2012 كان واحد من كل عشر أشخاص في الاتحاد الأوروبي مولودا خارج دول الاتحاد، كما أن واحدا من كل أربعة شباب (بين 15 و34 سنة) إما ولد خارج أوروبا وإما ينحدر من أسر مهاجرة. وأمام تزايد أعداد المهاجرين في أوروبا خاصة من العرب والمسلمين، وتزامنا مع مرور العالم بأزمة اقتصادية خانقة، أضحت وضعية المهاجرين أكثر صعوبة، فقد أكد مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس، باسكال بونيفاس، أن العرب والمسلمين يعانون العنصرية والتمييز أكثر من غيرهم من الأقليات في أوروبا، وعبر عن أسفه لغياب نخبة مسلمة تفرض نفسها في الأوساط الإعلامية والثقافية لتدافع عن صورة الإسلام والمسلمين في فرنسا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام. فالإعلام بالنسبة إلى صناع القرار الأوروبي يعد الأداة التي تتحكم في الرأي العام وتوجهه، حتى وإن حدث تطور في عقلية التواصل مع وسائل الإعلام من قبل المواطنين في الغرب، إلا أن “التلاعب” لا يمر سوى عبر الإعلام.

وفي السياق نفسه، يذكر الفرنسي باسكال يونيفاس في كتابه “رجال الإطفاء ومشعلو حرائق”، بعض قضايا الساعة وفي مقدمتها ظاهرة الإسلاموفوبيا التي جعلها الآفة الأولى التي تمنع الاندماج الكامل للجاليات العربية والمسلمة، وهي المسؤولة عن الاضطهاد والتمييز الاقتصادي ضد العرب، وقال إن “بعض الإعلاميين والمثقفين الفرنسيين من الذين يدافعون عن الديمقراطية هم أنفسهم من يغذون هذه الظاهرة”. وأكد أن ظاهرة الإسلاموفوبيا في فرنسا ليست بحديثة العهد بل إن التمييز والعنصرية ضد العرب كانا حاضرين بشكل قوي في الماضي، بل إن “العرب والمسلمين يعانون العنصرية والتمييز أكثر من فئات أخرى في المجتمع الفرنسي”، والدليل تعدد المقالات في الصحافة الفرنسية حول المسلمين وتصريحات بعض السياسيين المنتقدة للعرب والمسلمين. وقد زادت نسبة انتشار ظاهرة العنصرية ضد العرب خاصة بعد الهجمات الدامية التي استهدفت رموزا في أوروبا منذ هجمات لندن سنة 2005، وهجمات مدريد وبروكسل، وآخرها هجوم شارلي إيبدو بباريس، وهي هجمات إرهابية أعادت الجدل العمومي حول الإرهاب بإقحام الإسلام والمسلمين في الجدل جزافا.

 

لا يكاد يمر يوم هذا العام في ألمانيا بدون هجوم على أماكن لإيواء اللاجئين بينما تسعي البلاد جاهدة لاستيعاب عدد قياسي من طالبي اللجوء الفارين من الحروب والعنف في دول اخرى.

ووفقا لبيانات حكومية فإن 150 حريقا متعمدا و هجمات أخرى سجلت في الأشهر الستة الأولى من 2015 وهو ما ألحق اضرارا أو دمارا بأماكن ايواء جرى تجديدها لاستقبال حوالي 450 ألف لاجيء، من المتوقع أن يصلوا إلى المانيا هذا العام.

وأدت الهجمات التي غالبا ما تندلع من احتجاجات محلية تستهدف أماكن الإيواء قبل وصول اللاجئين إلى تشويه صورة ألمانيا في كثير من الأحيان، وتسببت أيضا في توترات مع تأييد الكثير من الألمان للاجئين.

وقال وزير العدل الألماني هايكو ماس بعد أن أعلنت وزارة الداخلية أن عدد الهجمات على الأماكن المخصصة لإيواء اللاجئين تضاعف تقريبا ليصل إلى 150 هجوما في النصف الأول من هذا العام “أشعر بالخزي لكراهية الأجانب التي تظهر في شوارع ألمانيا” ، وقد شهد العام الماضي بأكمله 170 هجوما عنصرياً.

وقال الوزير “انه إلى جانب المخاوف اللا معقولة والعنف ضد اللاجئين في ألمانيا فأنه لمس أيضا فيضا من التعاطف مع محنتهم”.             

وشهدت ألمانيا عنفا عنصريا لبضع سنوات اثناء الاضطرابات الاقتصادية التي أعقبت توحيد شطري البلاد في 1990، وقتل  186 أجنبيا في تلك الحوادث.

وفي كلمة ألقاها مؤخرا في برلين خرج الرئيس الألماني عن النص المكتوب ليشجب بعبارات قوية غير معتادة الهجمات على أماكن إيواء اللاجئين قائلا “هذه الهجمات الآثمة على أماكن إيواء اللاجئين … شيء لا يطاق.”