العنصرية في موطن الوعود الديمقراطية

(ليس هناك شيء اسمه نضال لأجل حق صغير أو ظرفي أو مؤقت،

بل هناك نضال دائم لأجل إنسان خلقه الله حرا وعليه أن يعيش حرا وكريما)

.

هيثم السِهماوي

هذه كلمات الراحل الزعيم مارتن لوثر كينج الذي كان من بين من عانوا من مرار العنصرية وانكوي بنارها، تلك التي كانت سائدة حينذاك في الولايات المتحدة الامريكية.

فحتي منتصف القرن الماضي كان المواطن الأمريكي صاحب البشرة السمراء يعاني شر المعاناة من ظلم التمييز العنصري، فكان طبيعيا أنك عندما تذهب لنادي أو مقهي أو مطعم تجد أمامك لافتة مكتوب عليها هذه العبارة  (ممنوع دخول السود والكلاب).

وكانت هناك مؤسسات عامة كثيرة لا تقدم خدماتها لأصحاب البشرة السمراء إلا وهم واقفون، وفي الباصات العامة كانوا ممنوعين من الجلوس ومكانهم في مؤخرة العربة… الى آخره من أشكال التميز العنصري  التي كان يعج بها المجتمع الأمريكي.

واستمر الحال علي ما هو عليه حتى تعدل الحال نحو أكثر  إنسانية وتم القضاء علي بعض أشكال التميز العنصري بكفاح ونضال كثيرون ومنهم الزعيم مارتن لوثر كينج.

وصورة التميز العنصري كانت تعود إلى الأذهان بهذا الفكر والمعاملة التي كانت سائدة في الماضي  في كل موقف يقع ويمثل تميزا أو انتهاكا في حق المواطن الأمريكي صاحب البشرة السمراء وآخرها كان الموقف الذي كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير والموقف في ولاية مينيسوتا  بشمال أمريكا، الذي تمثل في اعتداء من قبل الشرطة الأمريكية علي جورج فلويد المواطن الأمريكي الأسمر الذي يبلغ من العمر 46، حيث أرادت الشرطة الأمريكية القبض عليه لاتهامه في تزوير عشرون دولارا، وبعدما تم القبض عليه، وضع رجل الشرطة الذي قام بالقبض عليه رقبة جورج فلويد تحت قدمه ضاغطا عليها، بينما المواطن المرحوم جورج يرجوه بالكلمات التي هزت القلوب الرحيمة في كل أنحاء العالم (لا استطيع التنفس- لا تقتلوني).

وظل الشرطي علي الوضع الذي عليه ولم يحرك ساكنا حتي مات جورج فلويد وحدث ما حدث والذي مازالت الولايات المتحدة الأمريكية تعاني منه حتي الآن.

وبعيدا عن ثقافة التشفي وطريقة النبح في حق الولايات المتحدة الأمريكية، وبهدوء وموضوعية شديدان، قطعا إن جورج فلويد لم يكن هو الأول لضحايا التميز العنصري والسؤال الباقي هنا كيف يكون هو الأخير؟

إن الحل في كلمة واحدة هو تطبيق القانون بكل قوة وحزم، فلو كان الزعيم الأمريكي مارتن لوثر كينج مات فالقانون الذي يكافح ويجرم العنصرية مازال موجود.

والقوانين التي تجرم العنصرية عديدة منها:

ـ المادة الأولي من ميثاق الأمم المتحدة الصادر عام 1945 والتي تؤكد بأن الناس جميعا يولدون أحرارا ومتساوون في الكرامة والحقوق.

ـ أيضا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، الذي يحذر من التشجيع علي الكراهية الإثنية أو العنصرية الدينية.

ـ بالإضافة للعقود الثلاثة الواقعة ما بين عام 1973 و 2003 تلك التي تناهض العنصرية بكل أشكالها.

ـ واتفاقية مناهضة القضاء علي جميع أشكال التميز العنصري.

ـ والأعلان العالمي لحقوق الانسان وغيره من الصكوك الدولية الأخرى التي تحظر التميز العنصري بكل اشكاله.

ولكن ما ينبغي التأكيد عليه، أن النص القانوني لو لم يتبعه تطبيق فعلي له علي أرض الواقع فلا فائدة ولا قيمة من وراءه.

وما ينبغي هنا عمله هو نص القانون والتطبيق العملي له بمحو جميع اشكال التميز العنصري من جميع انحاء العالم، فلو كانت الواقعة الأخيرة حدثت في الولايات المتحدة الامريكية وأعقبها صراخ المجتمع الامريكي رافضا الجور علي حق فئة منة أو التعامل اللانساني من قبل الشرطة، فهناك مجتمعات تُمارس هذه الانتهاكات فيها ولكن لا يملك أهلها  الجرأة  على الصراخ أو أن أصواتهم تعلو ولكن دون أن يسمعها أحدا.

وتبقي في ذهني هذه الأسئلة:

هل الذي يحدث الآن في الولايات المتحدة الأمريكية سببه الحقيقي الاعتداء الذي وقع على جورج فلويد؟

وهل لو كان الاعتداء الذي وقع من قبل الشرطة على مواطن أمريكي آخر من أصحاب البشرة البيضاء، هل كانت ستثار هذه الضجة اعتراضا على عنف الشرطة ؟

وكيف يستقيم أن تكون ذات الدولة التي تعتبر قبلة الحريات والديمقراطية أو هكذا يتصورها البعض، في ذات الوقت تعاني من مرض مثل التميز العنصري وعدم احترام حقوق الإنسان ؟

عاشت الأمة الإنسانية بكل خير وسلام ..

.