العالم العربي بين الملل من الخطاب الثوري العاطفي، وبين التخبط في وجهة المسار

د. نزار محمود/

انتهت الحرب العالمية الأولى وانتهت الخلافة العثمانية وبعدها العالمية الثانية وتحررت واستقلت الامصار والولايات العربية في ممالك وجمهوريات وإمارات ومشايخ ومحميات.

بيد ان هذه الحالة الجديدة قد بدأت تشهد موجات سياسية متنوعة الألوان والأطياف ممتدة من اليمين الى اليسار، ومن الديني الى العلماني، ومن العربي الى غيره من القوميات.

وفي خضم الصراع السياسي اعتمدت اكثر الاطراف السياسية اسلوب الخطابات الثورية العاطفية في تقريع الواقع وكسب الجماهير ومناكفة الاطراف الاخرى. هذه الخطابات الانفعالية يمكن تصنيفها في المحاور التالية:

⁃  الخطابات الثورية القومية التي نادت بتجاوز حال التفرقة وتجزئة الامة والهيمنة عليها من قبل القوى الاجنبية ونهبها وسرقة ثرواتها.

⁃  الخطابات الثورية الدينية بألوانها المختلفة وجنائنها ومنابرها النارية وجهنماتها المستعرة.

⁃  الخطابات الثورية الشيوعية وشعارات البروليتاريا ويا عمال العالم اتحدوا، وفائض القيمة واستغلال الإنسان للإنسان وظلم الاستعمار والاقطاع والرجعية.

لقد أطرشت صيحات هذه الصرخات الثورية اسماع الملايين، حشدتهم وزجت بهم في اتون معارك دامية، انتصرت أحيانا، وانهزمت في اغلب الاحيان، ليس لأنها فاسدة في جوهر أو خاطئة في مقصد، لكنها لم تكن واقعية في قدراتها وأساليبها وظروف حراكها، وقبل هذا وذاك القصور في حنكة وقدرات قادتها، ناهيك عن اختلافات مصالح من يدير دفة السياسة الدولية ويهيمن على قرارات كثير من نظم دولنا العربية.

وكم كانت كثير من الانظمة العربية تغطي على شرعية تسلمها للسلطة وتمني شعوبها بشعاراتها الرنانة دون فعل أو حراك أو تعبئة مقتدرة أو جادة حيث لم تكن مستعدة بالتضحية بعروشها وكراسيها.

لقد عاش العرب نكبة فلسطين وتشريد شعبها عام ١٩٤٨ وتأسيس دولة الاغتصاب الصهيوني، ثم جاءت نكسة ١٩٦٧، ومن ثم غزو العراق واحتلاله وتدميره ولم يكن الحال في الصومال وليبيا والسودان واليمن وسورية بالأفضل. هذا ما جناه كذلك صراخ الربيع العربي!

اليوم تعيش جميع بلدان العالم العربي تقريباً حال تخبط وعدم وضوح رؤية في خطواتها، وان من يدعي غير ذلك فهو إما جاهل أو مغفل أو متجاهل أو متغافل!

انها قضية مستقبل ابناء الأمة وهويتها بالعلاقة مع تاريخها وخصوصياتها.

وفي هذا المقام تحضرني ما ذكرني بها أكد الأصدقاء من مصر العروبة من مقولة ثورية للسوري محمد الماغوط:

 “ما لم يرتفع صوت الوحدة من المحيط الى الخليج فوق اي صوت آخر ووحدة الجذور قبل وحدة الأغصان، وبدونه سيظل العرب سخرية العالم كمن يلعب كرة القدم بيديه وكرة السلة بقدميه”.

لم يعرف التاريخ نهضة لشعب أو أمة إلا من خلال الكرامة والعزم ووحدة الصف التي لا تقوم إلا على أسس انتصار العقل وطهارة النفس وسمو الروح.

.