الديمقراطية التشاورية

د. نزار محمود

هل هناك ديمقراطية تشاورية؟

ما عساها أن تكون أسس وملامح تلك الديمقراطية؟

وهل هي حالة توفيق بين الديمقراطية الافرنجية والشورى الإسلامية؟

لقد عرفت الديمقراطية بين شعوب عدة وبأشكالها وطرق ممارستها المختلفة منذ آلاف السنين، وكذلك الشورى أو التشاور. لكن تطور وسائل وطرق الانتاج والاستحواذ على الملكية وأسباب القوة، هي ما تسببت في اهمال تلك الممارسات الإنسانية وقمعها بطرق حكم وإدارة فردية أو طبقية أو فئوية أو عنصرية أو دينية.

وعندما نتكلم عن البشر، فإننا نتكلم في ذات الوقت عن “الأنا” بشكليها الفردي والجمعي. في ذاتياتها وخصوصياتها وطموحاتها ونزواتها التي لا يصح انكارها أو اهمالها، إذا ما أردنا معها تعاملاً واقعياً هادفاً.

والديمقراطية بمفهومها المبسط تعني، حكم الشعب، أو واقعياً حكم الأغلبية النسبية فيه. فلا يمكن أن يتفق جميع ابناء شعب ما على موقف واحد موحد!.

كما شهد ويشهد العالم أشكالاً من الديمقراطية وممارسات متعددة لها، وفي ظل أنظمة حكم ودساتير هي الأخرى غير واحدة.

أما الشورى بمفهومها العام فهي ممارسة فكرية سياسية من أجل أخذ الرأي من ذوي الخبرة والمعرفة وأصحاب العقول الراجحة في شؤون الأمة من سياسية واقتصادية واجتماعية.

وغالباً ما تمارس الديمقراطية في الحياة السياسية من خلال احزاب وحركات ومنظمات، كما تجد تطبيقاتها، بناء على وعيها وظروفها وأطرافها، في مجالات حياتية اخرى.

لكنتا يجب أن لا نحلم بديمقراطية طوباوية مثالية وملائكية في واقع الحال.

تفوز احزاب وكتل بالانتخابات وتتسلم السلطات بأشكالها الثلاث وهي لا تمثل أحياناً خمس الشعب! لكنها حصلت على اكثرية اصوات صناديق الاقتراع! وعندما نعود اكثر الى آليات انتخابات ممثلي الاحزاب للترشيح وبرامجها وبالتالي نسبة المؤيدين لها، سنقف كذلك على نسبة أقل في فوز  تلك الاحزاب بانتخابات الشعب.

صحيح انه يجري أحياناً تنظيم استفتاءات شعبية في قضايا هامة ومصيرية، وهي غالباً ما تجري بدوافع عدم تحمل مسؤوليات كبيرة، إلا أنها لا تشكل سوى حالات استثنائية.

ولذلك نعيش بين الحين والآخر، في هذا البلد أو ذاك، تظاهرات واحتجاجات شعبية عارمة ضد حكومات فازت ديمقراطياً قبل فترة قصيرة، لأن آليات تلك الديمقراطيات لا تعكس النبض الحقيقي والواقعي لرغبات ومصالح الشعب غير المشارك عموماً أو المضلل أحياناً.

كما لا يجب إهمال ما يرافق الديمقراطية في مفهومها وآلياتها من سلبيات أخرى في التعامل المطلق مع الاصوات وتأثيرات الاعلام وغيره والتحزبات المختلفة، بحيث أن أصوات الناخبين تأتي في كثير من الأحيان استجابة لعاطفة أو هوى أو أمل غير واقعي.

لكن، ورغم ذلك، تبقى الديمقراطية تحمل في روحها سمواً إنسانياً وأخلاقياً وحكمة حكم، وتبقى مهمة تجاوز ما يرافقها من سلبيات رهينة وعينا وصراحتنا وأخلاقنا واقدامنا. وفي هذا الاطار يقع مقالنا.

إن ما أشرنا له من سلبيات في ممارسة الديمقراطية تحاول دول كثيرة تجاوزه من خلال طرق مختلفة:

⁃ دستورية الحكم وصلاحيات قياداته.

⁃ إنشاء سلطة تشريعية بمجلسين: نواب وأعيان

⁃ انظمة احتساب نتائج الانتخابات الديمقراطية.

⁃ مجالس الشورى والخبرة وحدود صلاحياتها والأخذ بآرائها.

⁃ دور أجهزة الأمن والاستخبارات ووسائل الإعلام في إدارة الحياة السياسية في المجتمعات “الديمقراطية”.

⁃ قوانين الأحزاب وحدود دعمها وتمويلها.

إن صيغة التعشيق بين الديمقراطية والشورى، وما أطلقنا عليه بالديمقراطية التشاورية، مسألة جديرة بالتمعن والدراسة، كما أعتقد.

.