الحرب هي الاستراتيجية العسكرية لأمريكا

أحمد الجمال /

نشرت الصحيفة الأمريكية “كاونتر بونش Counter Punch” تحليلا معمقا ينتقد بشدة اساسيات الاستراتيجية العسكرية الامريكية الجديدة التى اعلنت الشهر الماضي ، و يرى التحليل ان الخطوط العريضة للإستراتيجية تشير الى أن الولايات المتحدة ستواصل حكم العالم من خلال القوة العسكرية ، و ان البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) يسعى لتحقيق مصالحه من خلال الحرب ، مكرسا العدوان كسبيل للحفاظ على الهيمنة الامريكية و ادارتها لشئون العالم .

الاستراتيجية التى نشرتها وزارة الدفاع الامريكية تأتى فى 24 صفحة، وفي حين أن لغة التقرير جاءت اقل دهاء وأقل تحريضا من وثائق مماثلة في الماضي، الا انها تشير لعزم الولايات المتحدة على المواصلة من جانب واحد على الحفاظ على مصالحها من خلال العنف الشديد الذى مازال يمثل “حجر الزاوية” في الاستراتيجية الجديدة.

و من يقرا الاستراتيجية لن يجد حتى تلميحا واحدا حول الندم على الدمار الواسع وكم الخسائر في الأرواح الناجمة عن تدخل الولايات المتحدة في بلدان لا تشكل أدنى تهديد للأمن القومي الأمريكي. وبدلا من ذلك، نجد أن التقرير يعكس عزم فولاذي من جهة مؤلفيه وعناصر النخبة العسكرية الامريكية على مواصلة ارتكاب المجازر وإراقة الدماء ضد كل المنافسين المحتملين حتى يتم القضاء عليهم، وإلى أن يحين الوقت الذي تشعر فيه واشنطن بالثقة من أن سيطرتها على مقاليد السلطة العالمية غير قابلة للطعن عليها .

خدعة الأمن القومي

وكما هو متوقع، تخفى الاستراتيجية العسكرية الجديدة النوايا العدائية وراء اللغة المخادعة و تحت اسم “الأمن القومي” ، فالإستراتيجية لا تفصح ان كون الولايات المتحدة تشرع فى الحروب العدوانية ضد دول بريئة تمتلك كميات كبيرة من الموارد الطبيعية ، بل تقول ان استراتيجية الولايات المتحدة هى مجرد سياسة لمواجهه “التحديات الأمنية” و “حماية الوطن” و “تعزيز مصالحنا الوطنية” ، لذا كيف يمكن لأي شخص أن يجد خطأ في ذلك، فالولايات المتحدة كانت تحاول فقط إحلال السلام والديمقراطية في فيتنام وكوريا وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا والآن أوكرانيا !!

و فى المقدمة التى كتبها رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال “مارتن ديمبسي” نجد انه يحاول إعداد الشعب الأمريكي من أجل مستقبل مليء بالحرب التي لا نهاية لها ، فيقول : ستأتي”الصراعات المستقبلية بشكل أسرع، وستستمر لفترة أطول، وستتضمن معارك تشهد تحديا تقنيا كبيرا … يجب أن نكون قادرين على التكيف بسرعة مع التهديدات الجديدة مع الحفاظ على ميزة نسبية فى الحروب ذات السمة التقليدية … على ان يكون لدينا القدرة على تطبيق وسائل القوة العسكرية ضد تهديدات الدول و الحكومات، و هو الذى يختلف تماما عن تطبيق القوة العسكرية ضد التهديدات غير الحكومية. ونحن من المرجح أن نواجه حملات من النزاعات طويلة الامد اكثر من النزاعات التي يتم حلها بسرعة … لذا فالسيطرة على تصعيد النزاعات أصبح أكثر صعوبة وأكثر أهمية “.

الحرب والحرب والمزيد من الحروب.. هذه هى رؤية وزارة الدفاع الأمريكية للمستقبل.

واشنطن ليس لديها استراتيجية للمستقبل، و لا رؤية لعالم أفضل. هناك فقط الحرب ، الحرب غير المتكافئة، والحرب التكنولوجية، الحرب الاستباقية.. والطبقة السياسية برمتها ومموليها من النخبة تدعم بالإجماع حكم العالم من خلال قوة السلاح. وهذا هو المعنى الذي لا مفر منه من هذه الوثيقة، التى تستعرض اعتزام الولايات المتحدة الحفاظ على قبضتها الضعيفة على السلطة العالمية من خلال تعظيم الاستفادة من أعظم الأصول؛ وهو جيشها.

أما عن محور الشر، او الاعداء المحتملين، فنجد ان الاستراتيجية سمت على وجه التحديد ثلاثة بلدان هى : إيران وروسيا وكوريا الشمالية، باعتبارها تهديدات عدوانية للسلام العالمي .. فيما ذكرت ” الصين” ايضا و لكن ضمن فقرت تبدأ بالقول ان الولايات المتحدة تريد “ دعم صعود الصين وتشجيعها لتصبح شريكا لتعزيز الأمن الدولي”، مع الاستمرار في ضبط الخيط الفاصل بين الصين كحليف اقتصادي والصين كمنافس الإقليمي.

 بعبارة أخرى، نجد ان الاستراتيجية تشير الى إن أيا من هذه الدول لا تريد محاربة الولايات المتحدة، لكنها تشير الى ان الولايات المتحدة هى من تريد محاربتهم.

والولايات المتحدة عموما تشعر ان شن حرب ضد هذه الدول أمر مبرر، لأن واحدة من هذه الدول تسيطر على موارد هائلة، او ان لديها قدرة صناعية ضخمة، وتحتل منطقة من العالم تثير اهتمام الولايات المتحدة من الناحية الجغرافية السياسية، أو لأنهم يريدون ببساطة الحفاظ على استقلالهم وسيادتهم، وهذا، بالطبع، يعد جريمة.

و بالنظر بإمعان فى جملة “تشكل مخاوف أمنية خطيرة”بالنسبة للولايات المتحدة، نجد انها تعني أن هذه الدول تقوض دور الولايات المتحدة المهيمن كقوة عظمى وحيدة في العالم.

فمن الملاحظ ايضا ان الاستراتيجية العسكرية الجديدة ، تكرس اهتماما خاصا بروسيا، و تصنفها بأنها اصبحت عدو لواشنطن بعد ان واتت موسكو الجراءة للدفاع عن مصالحها الأمنية في أوكرانيا المجاورة. لذلك، موسكو يجب أن تعاقب .. و فى نفس الوقت حينما تسعى الاستراتيجية لمحاولة مراجعة الجوانب الرئيسية في النظام الدولي، نجدها تقول أن روسيا “ساهمت في مجالات أمنية مختارة، مثل مكافحة المخدرات ومكافحة الإرهاب”.

ثم تعود الاستراتيجية لذكر مثالب روسيا فتقول ” كما أنها أثبتت مرارا أنها لا تحترم سيادة جيرانها وأنها مستعدة لاستخدام القوة لتحقيق أهدافها.

وهكذا نجد ان روسيا فاسقة لأنها رفضت الوقوف جانب الحكومة التى عينتها الولايات المتحدة التى اطاحت بالحكومة الأوكرانية المنتخبة، وهو ما أدى إلى حرب أهلية بين مختلف الفصائل، وصعود النازيين الجدد إلى مراكز السلطة في الأجهزة الأمنية، و تعثر الاقتصاد الاوكرانى، لذا يجب ان تعاقب روسيا على دورها فى هذا الشأن .

وتقول الاستراتيجية ” انه على مدى العقد الماضي، تركزت الحملات والعمليات العسكرية الامريكية في المقام الأول ضد الشبكات المتطرفة العنيفة، ولكن اليوم، وفي المستقبل المنظور، يجب أن نولي اهتماما أكبر للتحديات التي تفرضها الجهات الحكومية. فلديهم على نحو متزايد القدرة على الحركة و تقييد الحرية الإقليمية وقد تهدد وطننا. وما يثير القلق بشكل خاص ، هو انتشار الصواريخ الباليستية والتكنولوجيات التى توفر امكانات الضربات الموجهة، نظم من دون طيار، القدرات الفضائية والإنترنت، وأسلحة الدمار الشامل (WMD)، وهى التقنيات التي صممت لمواجهة التفوق العسكرى الامريكى “.

.