الايرانيون ليسوا فرساً ،  والمصريون ليسوا عرباً

عادل فهمي /

دراسة جينية لناشيونال جيوغرافيك تثبت ان أكثر من نصف الايرانيين من أصول عربية، وان معظم مواطني اكبر الدول العربية من شمال أفريقيا.

قدمت مجلة الناشونال جيوغرافيك (National Geographic)، لموضوع الغلاف، مقالا علميا رصينا وزاخرا، كعادة المجلة.. الموضوع يتناول، بصورة عامة، مسقط رأس الجنس البشري المعاصر (Homo Sapiens)، أي الجزء من الأرض الذي ظهر فيه لأول مرة، ومن ثم رحلته على سطح الكوكب، بجميع أصقاعه، ليصيّره آهلا به في قاراته الخمس..

المقال يرتكز على خلاصة الأبحاث العلمية المعاصرة في مجالي البيولوجيا والأنثروبولوجيا.. وهو يحاول عبر هذه الركيزة تناول الخطوط العامة لرحلة استغرقت عشرات الآلاف من السنين على سطح هذا الكوكب..

مسقط رأس الجنس البشري

نقطة البداية هي أفريقيا، حيث تشير الأبحاث إلى أول ظهور للجنس البشري المعاصر.. يقوم المقال بعدها بتقصي ثلاث مناطق في المساحة الشاسعة لأفريقيا، إحداها هي صحراء كالاهاري، في جنوب القارة، حيث تعيش لليوم شعوب السان (The San People) الذين استطاعوا، وحتى وقت قريب جدا، أن يحافظوا على نفس الصيغة العامة لمجتمعاتهم وأساليب عيشهم لآلاف السنين (بما في ذلك اللغة التي تعتبر، بخصائصها المتميزة، من أقدم اللغات التي عرفها الجنس البشري على وجه الأرض).. والمنطقة الأخرى هي منطقة شعوب البياكا الأقزام (Biaka Pygmies) في وسط أفريقيا.. أما المنطقة الثالثة فهي حيث تتواجد بعض القبائل من شرق أفريقيا.. شعوب السان وقبيلتين من قبائل شرق أفريقيا يشتركون في وجود تلك الخصائص المتميزة في اللغة.. شعوب هذه المناطق الثلاثة هم أكبر المرشحين، حسب الأبحاث، لأن تكون أول مجموعة خرجت من أفريقيا منهم..

ويشير المقال لأن أول رحلة خارج أفريقيا قامت بها مجموعة بسيطة العدد (بضع مئات تقريبا)، ومن ثم صارت هذه المجموعة البسيطة الأسلاف الشرعيين المشتركين لكافة شعوب الكرة الأرضية اليوم، خارج أفريقيا.. بعد عشرات آلاف السنين من الترحال المتواصل على مدى المعمورة..

ومن أكبر الأسانيد التي تعتمد عليها هذه النظرية الأنثروبيولوجية هي الخريطة الجينية لشعوب العالم اليوم.. حيث تشير الدراسات الجينية إلى أن أكبر قارة اليوم، من حيث التنوع في المعالم الجينية لسكانها من البشر (Genetic Markers)، هي أفريقيا، القارة الأم.. أما بقية شعوب العالم، فإن الملامح الرئيسية لمعالمها الجينية المعاصرة (جميعها) تعود إلى نسبة بسيطة من الخصائص الجينية المتوفرة في القارة الأفريقية اليوم! أي أن أفريقيا، في تنوعها الجيني، تفوق جميع قارات العالم.. أكثر من ذلك، فإن المعالم الجينية للشعوب الغير أفريقية لا تعدو كونها جزءا من المعالم الجينية الموجودة في أفريقيا، إذ ليس هناك معلما جينيا أساسيا في البشر المعاصرين، في جميع أنحاء المعمورة، لا تعود أصوله لأفريقيا.. يقوم المقال بعرض صورة توضيحية لهذا الأمر، تبرز فيها خريطة العالم مع وجود نقاط ملونة فيها ترمز للمعالم الجينية الأساسية في الـ(DNA) البشري.. من توزيع هذه النقاط، يظهر جليا أن التكوين الجيني لكافة شعوب العالم خارج أفريقيا آت من جزء بسيط من التكوين الجيني العام لشعوب أفريقيا..

لا الايرانيون فرس ولا المصريون عرب

كما أظهرت خريطة بشرية انجزها موقع ناشيونال جيوغرافيك نتائج صادمة تبين حجم ومدى التداخل في الأصول والأعراق البشرية، من بينها ان اغلب سكان اكبر الدول العربية ليسوا عربا في حين ينحدر معظم الايرانيين على عكس التوقعات من اصول عربية.

واعتمد مشروع ناشيونال جيوغرافيك الذي يعتبر الاول من نوعه على تحليل عينات ضخمة من “دي ان أي” على مدى سنوات من أجل رسم الخارطة الجينية لسكان كل دولة، أو سكان كل منطقة من العالم.

ومشروع “جينوغرافيك بروجيكت” انطلق تحديدا في العام 2005 من أجل التوصل الى هذه النتائج.

والأبرز في الخريطة العرقية ان ايران التي تبني دولتها على “وهم” العرق الفارسي وتتحدث بلغة مميزة وتحارب من أجل تكريس هويتها وهيمنتها، هي أمة ذات أصول عربية في أغلبها، حيث تشير تحليلات الـ”دي أن إيه” الى أن 56 بالمئة من الايرانيين من أصول عربية، وأن 24 فقط منهم تعود أصولهم الى جنوب آسيا، بينما باقي الايرانيين مجرد أقليات من أصول وأعراق ومنابت مختلفة.

وبينما تتربع مصر على عرش أكبر الدول العربية من حيث السكان فان الخريطة البشرية والتحليلات العلمية تُثبت بأن أغلب المصريين ليسوا عربا، حيث خلص مشروع “جينوغرافيك بروجيكت” الى أن 17 بالمئة فقط من المصريين أصولهم عربية، أما الآخرون فهم من أصول ومنابت مختلفة وغير عربية، حيث أن الأغلبية (68 بالمئة) من المصريين تعود أصولهم الى شمال أفريقيا، بينما أصول 4 بالمئة منهم عبرانيين، وأصول 3 بالمئة من آسيا الصغرى، و3 بالمئة آخرون من جنوب أوروبا.

وفي لبنان فان 44 بالمئة من السكان فقط من أصول عربية، أما المفاجأة هناك فهي أن 14 بالمئة من الناس أصولهم عبرانية، و10 بالمئة من آسيا و5 بالمئة من أصول أوروبية.

وفي تونس فان الوضع أغرب مما هو عليه في مصر ولبنان، حيث أن العرب في البلاد لا يشكلون سوى 4 بالمئة فقط من السكان، بينما الغالبية الساحقة (88 بالمئة) أفارقة.

ويبدو أن الأمم المتجانسة ذات الأصول والأعراق التي تعود الى نفس المكان قليلة، لكنَّ المفاجأة أن من بين هذه الأمم الأصيلة بريطانيا التي يعتقد الناس بأن أغلب سكانها من المهاجرين ذوي الأصول المختلفة.

واتضح أن 69 بالمئة من سكان بريطانيا هم من الأعراق الأصلية التي استوطنت في بريطانيا العظمى وإيرلندا، بينما تعود أصول 12 بالمئة منهم الى الدول الاسكندنافية، و2 بالمئة فقط من أصول غير محددة.

وتشكل هذه النتائج صدمة في الوقت الذي تتناحر فيه الشعوب والأمم من أجل الحفاظ على بلدانها، حيث أن التداخل والاشتباك بين هذه الأمم والشعوب يجعل من سكان الكرة الأرضية بأكملها أمة واحدة متداخلة الأصول والأعراق والمنابت.

.