الإسلام الألماني و الإسلام التركي

.

محمد عبد المنعم

تركيا : ألمانيا تسعى لقطع صلات المسلمين بعقيدتهم

ألمانيا: المسلمون الألمان مواطنون، نقدم لهم الدعم لتعزيز ثقتهم بأنفسهم

لم تستطع السلطات التركية إخفاء انزعاجها من نتائج مؤتمر الإسلام الألماني الذي عقد نهاية العام الماضي لكونه يهدد نفوذها الديني والسياسي بين الجالية التركية التي يقدر عددها بالملايين.

قبل كل شيء فإن الترجمة الصحيحة عن الألمانية لعبارة “Deutsche Islam Konferenz” ليست “المؤتمر الإسلامي بألمانيا” بل “مؤتمر الإسلام الألماني”.

وقبيل انعقاد مؤتمر الإسلام في ألمانيا طالب وزير الداخلية هورست زيهوفر الجالية المسلمة بفك ارتباطها بالنفوذ الخارجي.

وكتب زيهوفر في مقال بصحيفة “فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج” أنه يتعين على المسلمين في ألمانيا أن ينظموا أنفسهم على نحو يضمن تلبيتهم لمتطلبات القانون الدستوري الديني بشأن التعاون مع الدولة.

وأوضح زيهوفر أن الأمر يتعلق بأن يحل ذلك محل النفوذ الأجنبي، حتى يصبح مسلمو ألمانيا معتمدين على أنفسهم ليس فقط في تنظيم وتمويل طوائفهم، بل أيضا في تهيئة تدريب الأئمة وفقا لاحتياجاتهم.

وتعهد زيهوفر بأنه سيعمل بالأدوات المتاحة لوزارته على دعم المسلمين الألمان على مختلف تنوعهم “في تدعيم هويتهم الألمانية وتعزيز التماهي مع وطنهم”.

وجهة النظر التركية

وتحركت وسائل الإعلام التركية لتحذر من نتائج هذا المؤتمر على “الإسلام” الذي تريده أن يسود في ألمانيا وأوروبا عموما، وهو إسلام داعم لأجندة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قيادة الإسلام السياسي في المحيط الجغرافي لبلاده سواء في آسيا الوسطى ودول البلقان أو في أوروبا أو في المنطقة العربية.

وقالت وكالة الأناضول الرسمية التركية إن الهدف من الإسلام الألماني هو “قطع صلات المسلمين بعقيدة الإسلام العالمية، وإنهاء العلاقة القائمة بين المسلمين المهاجرين وبين أوطانهم، ووضعهم ضمن صيغ معينة على المدى القريب والمتوسط”.

وحمل تحليل نشرته، بإمضاء عضو البرلمان التركي مصطفى يانار أوغلو، هجوما على شخصيات ومؤسسات إسلامية حضرت المؤتمر.

وقال يانار أوغلو إن هؤلاء “أضفوا الشرعية على هذا المشروع وعلى الخطابات الموجهة للمسلمين، والتي تستهدف فرض الهيمنة عليهم ضمن المجتمع الألماني. وبالتالي يكون المسلمون قد تقبلوا وجهة النظر التي تعتبرهم مشكلة بحد ذاتها”.

واستنجدت وسائل إعلامية تركية بآراء خبراء وشخصيات محسوبة على حزب العدالة والتنمية، حزب الرئيس التركي، لقيادة حملة على المؤتمر واتهامه بأنه يحاول الحد من حرية المسلمين في التعبد والتضييق على أنشطتهم.

وجهة النظر الألمانية

وقال منظمو المؤتمر، الذي عقدت دورته الرابعة في الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي، إنه يؤسس لإدماج المسلمين في الثقافة الألمانية وفك ارتباطهم بالدول والتيارات الإسلامية في الخارج، تحت إشراف وزارة الداخلية الألمانية، ومشاركة هيئات إسلامية عربية وتركية (غير موالية لأردوغان) وممثلين للجالية المسلمة في ألمانيا.

وأعلن وكيل وزارة الداخلية الألمانية، ماركوس كيربر، أن بلاده ستبذل جهدها للتخفيف من تأثيرات “جهات أجنبية” على الجالية المسلمة في ألمانيا.

وقال “نحن نلمس ونشاهد كيف أن بعض القوى الأجنبية تملي على المسلمين الألمان كيفية ممارسة دينهم لفترة طويلة جدا”، مضيفا “المسلمون الألمان مواطنون، وسوف نقدم لهم المزيد من الدعم لتعزيز ثقتهم بأنفسهم”.

وتعتقد أوساط إسلامية في ألمانيا أن المؤتمر جاء ردة فعل على الأنشطة التي يقف وراءها الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية (ديتيب)، الذي يعتبره البعض ذراعا سياسية لأردوغان في ألمانيا. وقد جلب هذا الاتحاد الأنظار إليه بعد التظاهرة الاحتفائية التي أقامها بمناسبة زيارة الرئيس التركي إلى ألمانيا نهاية سبتمبر الماضي.

وأثارت أنشطة ديتيب تساؤلات واسعة بشأن وضعه بعد أن انتشرت مقاطع فيديو تصور أطفالا في مساجد تابعة له يمثلون مشاهد لمحاربين يحملون رايات تركية.

كما تردد أن أئمة بعض المساجد التركية في ألمانيا استجابوا لطلب القنصلية التركية العامة إبلاغها بما يتوفر لديهم من معلومات عن أتباع الداعية فتح الله غولن.

ويُشتبه في أن عددا من أئمة ديتيب كانوا يتجسسون على معارضي أردوغان وينددون بهم بتعليمات من أنقرة، حيث ترسل رئاسة الشؤون الدينية التركية “ديانت” كافة أئمة ديتيب، وعددهم نحو 900 إمام، إلى ألمانيا وتدفع لهم رواتبهم.

ويقول متابعون إن الحملة التي تقودها وسائل الإعلام التركية على النموذج الجديد للإسلام الذي يرتبط ببيئته تعكس مخاوفها من أن يتم تحجيم تأثيرها في المجتمعات الأوروبية التي تضم جاليات تركية، وكذلك تلك التي تضم جماعات للإسلام السياسي متحالفة مع أنقرة مثل الإخوان المسلمين التي تسيطر على الكثير من المراكز الإسلامية والجمعيات الثقافية والاجتماعية وتبني مجتمعات صغيرة منغلقة على نفسها داخل المجتمعات الغربية.

تجدر الإشارة إلى أن المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا يطالب أيضا بتدريب الأئمة داخليا، حيث قال رئيس المجلس أيمن مازيك ، “إذا كنا نريد إسلاما بطابع ألماني فيتعين علينا العمل على تدريب الأئمة في ألمانيا”.