استقلال اسكتلندا يهدد أمن بريطانيا وأميركا

أحمد مصطفى

أظهرت نتائج استطلاعات الرأي في اسكتلندا أن نسبة أكبر من المواطنين ستصوت للبقاء ضمن المملكة المتحدة في حال إرجاء الاستفتاء على الاستقلال كما تعهّد الحزب القومي الإسكتلندي الحاكم في الإقليم.

وتقلق فكرة الاستفتاء على استقلال اسكتلندا عن بريطانيا الحكومة المركزية في لندن، وهناك مقترحات قدمت لرئيس الوزراء بوريس جونسون بأهمية دراسة منح الأقاليم البريطانية (اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية) تفويضاً بسلطات أكثر للحفاظ على اتحاد المملكة المتحدة.

خطر الاستقلال

ولا تقتصر مخاطر انفصال اسكتلندا على المملكة المتحدة فحسب، بل تهدد مصالح الولايات المتحدة أيضاً والتحالف الغربي عموماً، كما كتب عظيم إبراهيم، مدير مركز السياسات الدولية في واشنطن، في مقال له بمجلة “فورين بوليسي”، ويرى أن انفصال اسكتلندا سيضعف بريطانيا كأهم حليف للولايات المتحدة، ويهزّ من مكانة بريطانيا الدولية، بل إنه يطرح إمكانية أن تسعى بعض القوى الصاعدة في العالم، كروسيا والهند، إلى التشكيك في عضوية بريطانيا الدائمة في مجلس الأمن الدولي في حال انفصال اسكتلندا.

ويفصل الكاتب علاقة القوميين الإسكتلنديين بروسيا، وكيف أنها قوية، هذا إلى جانب أن اسكتلندا أقرب لنموذج الديمقراطية الاجتماعية منها لنموذج أميركا وبريطانيا، ويخلص إلى أن التدخل الآن لمنع استقلالها ضرورة ملحة لأن محاولة ترميم أضرار ذلك الانفصال إذا حدث ستكون مكلفة، وربما غير ناجعة.

التحالف الغربي

سيدعم الكرملين ويموّل كل ما يضعف التحالف الغربي، من اسكتلندا إلى كتالونيا إلى أي قوى قومية في أوروبا تعارض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعلاقة روسيا مع القوميين الإسكتلنديين واضحة، على أقل تقدير ستكون أول حكومة في اسكتلندا المستقلة علاقات راسخة مع موسكو أكثر مما مع واشنطن، وهذا وحده كفيل بدق جرس الإنذار في البيت الأبيض، وحيثما توجد علاقات سياسية للكرملين سيأتي الصينيون بأموالهم، ولن يقدر أحد على منافستهم في هذا السياق”.

ويبدو الخطر من انفصال اسكتلندا على المصالح الأميركية كالتالي “إذا كان للصين أن تموّل وتبني ميناء كبيراً في اسكتلندا كما فعلت في سريلانكا وجيبوتي، فسيشكل ذلك خرقاً حرجاً في المظلة الدفاعية للولايات المتحدة في شمال المحيط الأطلنطي”.

ويشير الكاتب إلى أهمية موقف الرئيس الأميركي جو بايدن خلال الحملة الانتخابية حين هدد بوقف مفاوضات الاتفاق التجاري مع بريطانيا إذا تضمن اتفاق خروجها من الاتحاد الأوروبي “بريكست” أي تجاوز لاتفاقية الجمعة العظيمة التي أنهت الصراع في إيرلندا الشمالية لصالح بقائها ضمن الاتحاد، واعتبارها جزءاً من المملكة المتحدة، ويطالب بأن يتدخل بايدن في مسألة اسكتلندا بالروح ذاتها.

ويضيف: “على بايدن وإدارته أن ينتبهوا للتهديد الحقيقي والآتي من اسكتلندا، وهناك ميزة لبايدن لو تدخل شخصياً في المسألة، فلم يكن شعب اسكتلندا يطيق (الرئيس الأميركي السابق) دونالد ترمب بينما يقدرون ويحترمون التزام بايدن القوي باتفاقية الجمعة العظيمة. وسيأتي بايدن ومعه قدر هائل من المصداقية والرصيد السياسي، وسيستمع إليه الإسكتلنديون، وسيشكل ذلك فارقاً مهماً بالنسبة لمستقبل اسكتلندا والمملكة المتحدة والتحالف الغربي”.

ليس في مصلحة أحد

وزادت الدعوات السياسية من أجل إجراء استفتاء جديد على الاستقلال مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكان الإسكتلنديون صوتوا بأغلبية كاسحة في استفتاء “بريكست” العام 2016 لصالح البقاء في أوروبا، لكن نتيجة الاستفتاء على مستوى بريطانيا جاءت لصالح الخروج.

ويشعر الاسكتلنديون أنهم خاسرون من “بريكست”، بخاصة مع مشاكل قطاع الصيد في الاتفاق، وهو يمثل أهمية كبيرة للاسكتلنديين، أضف إلى ذلك أن مشاكل التصدير لأوروبا، ليست من أسماك الصيد فقط، بخاصة وأن المنتجات الغذائية والزراعية الاسكتلندية متضررة من القيود الجديدة نتيجة “بريكست”.

ويكتسب الصراع السياسي بين القوميين والوحدويين في البلاد زخماً من خلافات سياسية داخلية تؤجج مشاعر الاستقلال، حتى لو كان ليس في مصلحة أحد، فاسكتلندا المستقلة ستحتاج إلى سنوات للانضمام مجدداً للاتحاد الأوروبي، وستكون هناك صعوبات وتعقيدات تتعلق بتداخلها مع بريطانيا في أمور كثيرة حتى بعد الانفصال، ثم إن اسكتلندا تعتمد على كونها بريطانية في حماية أمنها.

وهذه نقطة في غاية الأهمية، إذ إن سلاح الردع النووي للأسطول الملكي البريطاني يتركز كله في القاعدة البحرية الرئيسة في اسكتلندا التي تضم الغواصات النووية، وتعهدت حكومة القوميين بأنها ستفكك القاعدة البحرية في حال الانفصال، ولأنه يصعب إيجاد موقع مناسب آخر على شواطئ بريطانيا للغواصات النووية ستفقد بريطانيا قدراً مهماً من قوتها العسكرية، وكذلك لن تستطيع اسكتلندا بناء قدرات عسكرية قوية أيضاً.

ثم إن اسكتلندا تعتمد في دخل الإقليم على دعم من الحكومة المركزية في لندن يتجاوز 9 في المئة من ميزانية الإقليم، وسيكون من الصعب على حكومة مستقلة تعويض هذا الدخل من أي نشاط اقتصادي إضافي.

تلك العوامل كانت السبب الرئيس في فشل استفتاء الاستقلال السابق قبل سبع سنوات، وعلى الأرجح ستكون السبب في نتيجة مماثلة إذا أجري استفتاء جديد هذا العام.

.