إفريقيا والعالم العربي: مستقبل الأرض

سامي عيد

توصّلت دراسة جديدة إلى أن عدد سكان العالم قد يبلغ ذروته عند 9.7 مليار نسمة في العام 2064، ثم ينخفض إلى حوالي 8.8 مليار نسمة بحلول نهاية القرن، إذ تتحسّن فرص حصول النساء على التعليم ووسائل منع الحمل.

وبينما تشهد جميع دول العالم تراجعاً، فإن أعداد سكان منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا مستمرة في الازدياد، بل وتشكل مدداً ومورداً بشرياً للدول ذات الكثافة السكنية المسنة.

قال باحثون من معهد القياسات الصحية والتقييم في كلية الطب بجامعة واشنطن، إنه بحلول عام 2100، لن يكون لدى 183 من 195 دولة معدلات خصوبة مطلوبة للحفاظ على السكان الحاليين، مع توقع حدوث 2.1 ولادة لكل امرأة. وستشهد نحو 23 دولة -بما في ذلك اليابان وتايلاند وإيطاليا وإسبانيا- انخفاض عدد السكان بأكثر من 50%.

ومع ذلك، يمكن أن يتضاعف عدد سكان إفريقيا إلى ثلاثة أضعاف، ما يعني أن أقل من نصف سكان العالم بقليل سيكونون أفارقة بحلول نهاية القرن.

ونشرت الدراسة 2020، في مجلة Lancet، مع توقعات بحدوث انخفاضات كبيرة في عدد السكان في سن العمل، في دول من بينها الهند والصين، ما سيضر بالنمو الاقتصادي، وقد تكون له آثار سلبية على القوى العاملة وأنظمة الدعم الاجتماعي.

وأجرى باحثون في معهد المقاييس الصحية والتقييم بجامعة واشنطن الدراسة، وذلك بتمويل من مؤسسة بيل وميليندا غيتس.

الزيادة السكانية التي تنبّأت بها الدراسة أقل بكثير من بعض التوقعات الأخرى، وتحديداً توقعات الأمم المتحدة، بأن يبلغ عدد سكان العالم 11.2 مليار نسمة بحلول عام 2100، والخوف من أزمة موارد غذائية تلبي احتياجات هذا العدد.

ولكن مع انخفاض الخصوبة لاحظ الباحثون أن الهجرة يمكن أن تعوض انكماش السكان، لاسيما في البلدان ذات الخصوبة المنخفضة، مثل الولايات المتحدة وأستراليا وكندا.

انخفاض العدد بعكس التوقعات

بدوره، قال الدكتور كريستوفر موراي، الذي قاد البحث، لشبكة CNN: “كان العالم منذ الستينات يركز على ما يُسمّى بالانفجار السكاني، وفجأة نرى الآن هذا النوع من التحول، حيث من الواضح جداً أننا نتحول بسرعة من عدد كبير جداً من الأشخاص إلى عدد قليل جداً”. وباستخدام بيانات من دراسة “العبء العالمي للأمراض” لعام 2017، توقع الباحثون أن أسرع المجموعات السكانية تقلصاً ستكون في آسيا وشرق ووسط أوروبا.

ويتوقع معدو التقرير أن عدد سكان اليابان سينكمش من حوالي 128 مليون شخص في عام 2017 إلى 60 مليوناً في عام 2100، وستشهد تايلاند انكماشاً من 71 إلى 35 مليوناً، وإسبانيا من 46 إلى 23 مليوناً، وإيطاليا من 61 إلى 31 مليوناً، والبرتغال من 11 إلى 5 ملايين، وكوريا الجنوبية من 53 إلى 27 مليوناً.

ومن المتوقع أيضاً أن تشهد 34 دولة أخرى – بما في ذلك الصين- انخفاض عدد سكانها بنسبة تصل إلى 50%.

تحديات اقتصادية

وقال الدكتور موراي، إن عدد السكان لن ينكمش فحسب، بل سيكون المجتمع عموماً أكبر سناً، ما سيكون له تأثير كبير على النمو الاقتصادي. وترجم هذا بوجود “المزيد من الناس الذين يحتاجون إلى الحصول على إعانات من الحكومة، سواء كان ذلك الضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي، مقابل تراجع عدد دافعي الضرائب”.

في القارة الإفريقية ما دون الصحراء الكبرى، يتوقع الباحثون أن عدد سكانها سيتضاعف ثلاث مرات على مدار القرن، من 1.03 مليار في عام 2017 إلى 3.07 مليار في عام 2100.

وستشهد منطقتا شمال إفريقيا والشرق الأوسط زيادة في عدد السكان أيضاً، ليكون عدد سكانها في العام 2100 أكبر مما كان عليه في العام 2017، مع توقع 978 مليون مقارنة بـ 600  مليون.

كبار السن أكثر من الأطفال

تتوقع الدراسة أيضاً حدوث تغييرات كبيرة في الهيكل العمري العالمي مع انخفاض الخصوبة وزيادة متوسط العمر المتوقع، حيث يقدر أن يكون عمر نحو 2.37 مليار شخص فوق 65 عاماً على مستوى العالم في عام 2100، مقارنة بـ1.7 مليار تحت سن العشرين.

ويمكن أن يزيد عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاماً 6 أضعاف، من 141 مليوناً إلى 866 مليوناً.

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن ينخفض عدد الأطفال دون سن الخامسة أكثر من 40%، من 681 مليوناً في عام 2017 إلى 401 مليون في عام 2100.

وقال الباحثون إن “الانخفاضات الدراماتيكية” لدى السكان في سن العمل في دول مثل الهند والصين تعيق النمو الاقتصادي، وتؤدي إلى تحولات في القوى العالمية.

وقال الدكتور موراي: “لقد بدأ الأمر بالفعل، هذا شيء ليس في المستقبل البعيد، فعدد البالغين في سن العمل بالصين ينخفض بالفعل”.

“ستشكل إفريقيا والعالم العربي مستقبلنا”

ويقترح معدو الدراسة أن انخفاض عدد السكان يقابله ارتفاع في عدد المهاجرين، وأن البلدان التي لديها سياسات هجرة ليبرالية ستكون أكثر قدرة على الحفاظ على حجم السكان ودعم النمو الاقتصادي، حتى مع انخفاض الخصوبة.

وبالتالي تسعى دول مثل أمريكا وكندا وأستراليا وألمانيا إلى استقبال المهاجرين لموازنة عدد السكان المتراجع.

وقال رئيس تحرير مجلة Lancet: “تقدم الدراسة رؤية للتحولات الجذرية في القوة الجيوسياسية، وتتحدى أساطير الهجرة، وتشدد على أهمية حماية وتعزيز الحقوق الجنسية والإنجابية للمرأة. سيشهد القرن الحادي والعشرين ثورة في قصة حضارتنا البشرية”.

وأضاف: “ستشكل إفريقيا والعالم العربي مستقبلنا، بينما ينحسر نفوذ أوروبا وآسيا. وبحلول نهاية القرن، سيكون العالم متعدد الأقطاب، وستكون الهند ونيجيريا والصين والولايات المتحدة هي القوى المهيمنة”.

.