أوهام مواطن عربي

الدليل ـ برلين

كثيرة هي الإحباطات التي تجثم على صدر الإنسان العربي ، والتي تكاد أن تخنقه وتقتله.

هذه الإحباطات ناتجة من الهزائم المتتالية على المستويات القومية والقطرية، بل وعلى مستوى الإنسان البسيط في حياته اليومية، وفي أحلامه المشروعة. ووسط هذا الجو الخانق من الهزيمة والإخفاق لا يستطيع الإنسان أن يمنع نفسه من الحلم والأمل.

أول الأحلام أن تتحرر بلادنا من الاحتلال الأجنبي الذي يسعى إلى إطالة أمد وهن الأمة، وإضعافها، ونهب ثرواتها، ومنع وحدتها، وتفكيك إمكاناتها، حتى لا تتضافر جهودها للقضاء على عدوها.

وما أشبة الليلة بالبارحة، فها نحن الآن في عام 2020 م، وكأننا نسمع أخ عربي منذ قرن من الزمان، أي منذ مائة عام وهو يحلم نفس الحلم.

ففي هذا الوقت كان الاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي قائما لمعظم بلادنا العربية، لكن ويا للحسرة، فبعد مائة عام كاملة وبعد أن اعتقدنا أن الاحتلال الغربي  قد أجليناه عن أرضنا نجد أنه عاد من جديد في العراق والصومال وأفغانستان وهاهو يهدد سوريا ولبنان وليبيا.

ونلمح هنا أن نظمنا السياسية في الفترة القومية وفي فترة التحرر قد حوصرت وحوربت، وليتنا بعد أن نحقق الاستقلال الوطني نقيم نظما سياسية مفتوحة فيها من القوة والمتانة والمنعة ما يحفظ استقلال بلادنا.

إننا نريد أن نؤسس نظما سياسية بالمقاييس العالمية ولا يهمنا أن تكون هذه النظم جمهورية أو ملكية دستورية، المهم أن تكون قائمة ونابعة من إرادة شعبية تعمل لصالح الأمة كلها وليس لصالح قلة من نخبة الأمة فقط. أن تكون هذه الأمة قادرة على اختيار حكامها ومحاسبتهم وعزلهم إذا انحرفوا.

نريد نظماً سياسية تحفظ للإنسان العربي كرامته وتعامله معاملة آدمية وتحترم حقوقه. نريد أن تنتهي سياسة الاعتقالات وإلقاء الناس في السجون.

نحلم بأن يتم احترم كرامة الإنسان العربي داخل أقسام ومراكز الشرطة، لا أن يتم تعذيبه وضربه وإهانته وتهديده باغتصاب زوجته إذا هو لم يعترف بجريمة لم يرتكبها .

نحلم بأن يتعلم الطالب في كليات الشرطة كيف يحافظ على حقوق الإنسان ويحترمها، وكيف يسهر على أمن الناس وحل مشاكلهم ومطاردة اللصوص، لا أن يتعلم كيف يعتقل إخوانه المواطنين ويعذبهم.

ونحلم بان يكون في بلادنا برلمانات حقيقية ناتجة عن انتخابات حرة نزيهة، ونحلم أن تختفي ظاهرة تزوير الانتخابات والالتفاف على إرادة الأمة، وأن تختفي معها البرلمانات التي ليس لها من الديمقراطية إلا مبنى كبير وفخم، وقنوات تليفزيونية تنقل المسرحيات الكلامية التي تتم تحت القبة.

سوف يترتب على هذا الحلم السياسي حلم إعلامي، وهكذا فإننا نحلم بإعلام مهني محترم يحترم عقلية القارئ والمستمع والمشاهد العربي، وليس إعلاما يذيع وينشر الأكاذيب ويزيف وعي الإنسان العربي ويقلب الحق باطلا والباطل حقا، ويهتم بأجساد الفنانات وفضائحهم.

نحلم بإعلام ينقل قضايانا كما هي ولا ينقل ما يعجب الحكام فقط ويحجب مالا يعجبهم.

نحلم بإعلام وطني مستقل ينحاز للاستقلال الوطني، والتنمية الوطنية، والثقافة العربية الأصيلة، وليس إعلاما يردد ما يقوله الإعلام الغربي ويكون امتدادا له.

نحلم بأن يكون امتلاك وسائل الإعلام متاحاً لكل أحد وفقا لقوانين عادلة، وليس إعلاما يتم الترخيص به من أجهزة الأمن لمن ترضى عنه هذه الأجهزة ويتم منعه عن المعارضين المغضوب عليهم.

نحلم بإعلام مستقل بعيدا عن التدخلات الحكومية، إعلام قومي يعبر عن هوية الأمة كلها بكل طوائفها ولا تسيطر عليه فئة خاصة لتحارب به فئات أخرى.

ولازلنا نحلم بمسئولين وطنيين لا يملكون إلا منازلهم ومرتباتهم، يفكرون في هموم الفقراء والبسطاء ولا يجعلون أنفسهم أدوات لمساعدة الأثرياء ورجال الأعمال والمستثمرين.

نحلم بمسئولين ببلادنا لا يستسلمون لمطالب واشنطن ومعها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أجل إقرار سياسات رأسمالية تنحاز للأغنياء ضد الفقراء، مسئولين يفكرون في إقامة اقتصاديات وطنية مستقلة تعتمد أنماط التنمية التي تتناسب مع ظروف بلادنا ومواردنا.

نحلم بأن نرى رجال المال والاقتصاد في بلادنا لا يسعون للعمولات والسمسرة وإقامة توكيلات السلع المستوردة، وإنما يسعون لإقامة صناعات وطنية، ويعملون على توطين التكنولوجيا المتقدمة في بلادنا ويحاربون البطالة ويوفرون فرص العمل الحقيقية.

نحلم أن نرى المسئولين في بلادنا همهم الأول هو الأسواق العربية والإسلامية والتكامل معها، وليس الهزيمة والانسحاق أمام الأسواق الغربية وكل ما هو غربي.

كما نحلم بعدالة حقيقية في بلادنا تنصف المظلوم وتنحاز له وتضرب على يد الظالم مهما كان حاكماً أو مسئولا كبيراً.

نحلم بعدالة توفر الاطمئنان للإنسان البسيط حتى لا يقع فريسة في فم حيتان لا ترحم.

وها نحن قد وصلنا إلى ذروة الأحلام وهي أن نرى وعيا عربيا تجاه قضية الوحدة، وأن يتم محاصرة ثقافة التجزئة والقطرية والتفتيت.

وإذا كانت تجربة الجامعة العربية (جامعة الرؤساء)  فشلت فشلا ذريعا، فإننا نحلم بأن يبذل المخلصون جهودا حثيثة للوصول إلى أفكار جديدة وشكل جديد من أشكال الوحدة، يضرب بيد من حديد على كل حاكم لا يحترم النظام الجمعي العربي ويخرج عليه.

نحلم بشكل وحدوي عربي تكون قراراته ملزمة يحترمها الجميع، وتكون هذه القرارات بالأغلبية وليست بالإجماع، وأن ينتج عن ذلك أن ينتقل الإنسان العربي في أنحاء العالم العربي بدون تأشيرة دخول، وأن تكون هناك حرية لحركة رؤوس الأموال بين الدول العربية كذلك، وأن يتطور الأمر حتى يصل إلى سوق عربية مشتركة وبرلمان عربي مشترك وجيش عربي مشترك وجواز سفر باللغة العربية.

نحلم بـ «عيش، حرية، عدالة اجتماعية و كرامة وطنية».

لعلها أوهام مواطن عربي !!

.