أنا ومريم

مَعرِض الفنّانة ريما المزّين في برلين

موسى الزعيم /

تحت عنوان (أنا ومريم) افتتحتْ صالة أرابيسك للثقافةِ وللفنون البصريّة في برلين معرض الفنّانة التشكيلة الفلسطينية ريما المزّين في الخامس من شهر نوفمبر 2022.

تضمّن المعرض عدداً من اللوحات الفنيّة ،اشتغلت عليها الفنّانة بتقنياتٍ لها خصوصيتها الاحترافية لتشّكل نافذةً جماليةً مشرعةً على تفاصيلَ كثيرةٍ وتحمل قراءاتٍ متعددةٍ التأويل، إذ تقيم الفنانة علاقة بصرية بين اللوحة والكلمات، لتشكّل من خلال ذلك جدليّة لا متناهية بين اللون واللغة، تغرقك تفاصيل لوحاتها حتى وكأنك ترى ما تريدُ قوله، ولو كنتُ من لغةٍ أخرى.

تحملُ لوحاتها رسائل تحكي لعين مَنْ يراها ما وراء الخطوط و الألوان، تشغل المتلقي في حوارٍ بصريّ عقليّ تجعله يستدعي مخزونه الفكريّ والتراثيّ في عمقه أو بساطته، لقراءة اللوحة، تقودك الألوان بأسلوب شاعريّ ساحرٍ، يثير دهشتك، فتجعلك تتوغل نحو وجدانها ومشاعرها، تأخذك بريشتها باتجاه دوحة ألوانها فتشاركها في متعة تفكيك مكنونها الجمالي.

من جهة ثانية تستخدم الفنانة البعد الآخر لحروف اللغة العربية في لوحاتها، ليس كمعطياتٍ لغويّة لفظية وإنما بحسّ جمالي حرّ الحركة، فيه الكثير من الشغف ومتعة التأمل لحركة هذه الحروف وصداها الوجداني، كتأكيد منها على تأصيل ثقافةِ وتراثِ المنطقة التي تختزن  في ذاكرتها الكثير والغني منها وهي في ذلك تعتمد فلسفة جمالية لها بصمتها الجمالية الخاصة، أينما عُرضت هذه اللوحات في معارض العالم.

فتحقق من خلال ذلك الغايّة الجماليّة، والمتعة الفنيّة، وتسهم في خلقِ مساحةٍ كبيرةٍ من التساؤلات، تترك صداها البعيد في ذاكرة ووجدان المتلقي.

هو بذلك اشتغالٌ وتعويلٌ على أبعدَ من العين الرائية، ومشاركة أكثر من معطى معرفيّ حسيّ من أجل  الدخول إلى العالم الإبداعي الخاص بريما.

في معرض أنا ومريم أنت لا تستدعى ذاكرتك البصرية فقط، بل لابدّ أن تنشغل بما تثيره اللوحة من خلال مشاركتها ما في داخلك وولوجها إلى عالمكَ الخاص، لتترك فيك صدى روحياً وفيناً عذباً.

يذكر أنّ الفنانة ريما المزين هي فنانة تشكيلية فلسطينية، تحمل الجنسيّة الأردنية، أقامت في إيطاليا ما يقارب 9 سنوات ..

يتركز حالياً عملها وإقامتها  بين السويد و فلندا وألمانيا، وهي  عضو في الاتحاد العام للفنانين التشكيلين الفلسطينيين وعضو رابطة الفنانين التشكيلين الفلسطينيين بأوروبا ومقرها برلين، حاصلة على درجة ماجستير في التصميم من جامعة حلوان بالقاهرة عام 2008 ، “تناولت رسالتها توظيف الرموز الأسطورية الكنعانيّة في البناء التصميمي للعمل التشكيلي الفلسطيني المعاصر ” يتركز نشاطها الفني الأخير، منذ بدايات عام 2011 في إيطاليا و الدول الأوربية ومصر والأردن

كما عملت مسؤول للثقافة والفنون بالمركز الإعلامي والثقافي الفلسطيني في سفارة دولة فلسطين بالقاهرة، لمدة عامين و رئيس قسم الموهوبين- وزارة الثقافة – غزة / فلسطين/ و نائب مدير دائرة ثقافة الطفل في وزارة الثقافة بغزة فلسطين.

وكذلك عملت أستاذة جامعية لمادّة الخزف ومادة التصميم عام  بجامعة “الأقصى” غزة /فلسطين ومنسق المشاركة العربية لهرجان المرأة في الفنّ /بمدينة باري/ إيطاليا، ومنسق المشاركة العربية لفعاليات جاليري بورتا اتشيلو الإيطالية و لعل أهم مشاركاتها في المهرجان السينمائي العالمي للأفلام القصيرة الصامتة بإيطاليا وفي مهرجان السينما العربية بمدينة باري للعام 2012. ولها ما يقارب (12) فيلم في مجال الفيديو آرت.

في جعبتها أكثر من عشرين معرضاً فردياً في عددٍ كبيرٍ من بلدان العالم.

حول معرضها الفني ” أنا ومريم”  كان لنا الحوار التالي معها.

– عن مجموعة كفّ مريم  ورمزية هذا العنوان تقول الفنانة ريما المزين :

 يقسم هذا المعرض إلى مجموعتين، قِسم من لوحاته رُسمت السنة الماضية 2021  وكانت لوحاتها تتحدّث عن وجه مريم العذراء.

 لكن نتيجة ظروف كورونا كان من المُخطط أن أشتغل على معرض بعنوان ” مناعة القطيع” بسبب الظروف السائدة وانشغالي، عُدت مُجدداً إلى مريم واستكملت المجموعة الثانية التي هي كفّ مريم  

  أخذت هذه الرمزية المُقدسة ووظفتها باتجاه كفّ مريم.

 هذا الكفّ معروفٌ في الحضارة الكنعانيّة و حضارة بلاد الشام، وهو كفّ تتوسطه عينٌ وهو رمز الخصب عند الإله بعل.

 تطوّر الرمز وتطور اسمه، لكنّ الشكل بقي كما هو عليه، كفّ مع العين، قمتُ بتوظيف هذا الكفّ من خلال رمزيتهِ وقداستهِ التاريخية باتجاه مريم.  

  في المسيحية بقي هذا الكفّ مرتبطاً بمريم العذراء، أمّا إسلاميّا، فقد سمّي كفّ فاطمة بنت الرسول الكريم، وهو مازال معروفاً إلى اليوم في بلدان شمال أفريقيا ومصر، أمّا في فلسطين فيُعرفه إلى الآن بكفّ مريم .

 اليوم غدا رمزاً عالمياً، له قراءاته المتعددة، لم يعد رمزاً دينياً فقط، وإنما راح البعض يعتقد أنه ضدّ الحسد أو العين وغير ذلك.

ـ أمّاعن تقنية الكتابة الحرّة على اللوحة تقول :

 هذه ليست المرّة الأولى التي استخدم فيها الكتابة مع اللوحة، سبق وأن استخدمت ذلك في معرض لي في قطر، وفي عددٍ من أعمالي الأخرى.

دائماً كنت أشعر أنّ هناك بعض الأعمال تفرض عليك هذا النمط من استخدام الكتابة أو الحروف أو أي معطى آخر من معطيات التراث، على العموم لاقت الفكرة قبولاً وإعجاباً من المتلقين وخاصة الألمان الذين تفاعلوا معها.

ما أريد قوله أنّ الكتابة على اللوحة، هي تأكيد على المعنى، لأن اسم مريم، له ارتباطه اللفظي والمعنوي بالتراث، بالإضافة إلى مفهوم القداسة الذي يحمله، التكرار له دوره في  تثبيت الفكرة لدى المتلقي  وخاصة أن الخطّ المستخدم هو الخطّ الحرّ، لا يتبع أيّة قاعدة وإنما بما تفرضه المساحة داخل اللوحة، أو شكلها ونوعها و صداها داخل الفنان، تتبع مزاجية الفنان في شكل الحرف ونوعه، فضاء اللوحة يفرض عليك أن تستخدم الزخرفة أو الكتابة باتجاه معين، سواء كانت مرنة أم حادة .

هناك لوحات تحمل بعدين والخطّ فيهما يكون امتداد بين اللوحة الأولى والثانية، هذه اللوحات لاقت إعجاباً مميزاً بعض المتلقين.

إنّ اللعب على المنظور هي بالأساس دراستي، فقد درست الكرافيك والتصميم، هنا أنت لست أمام لوحة محسوبة الأبعاد وإنما مساحة حرّة، يمكن اللعب فيها على الفراغ واللون وعادة ما يكون السماوي الخفيق أو التركواز لوني المفضل.

من جهة أخرى تلعب مزاجية الفنان دورٌ هامٌ انعكاس ألوانه، أنت تلاحظ أن لوحات “أنا ومريم” رُسمت في الربيع وبالتالي فيها شيء من الطبيعة، انعكس على ذاتي وعلى اللوحة.

ـ القارئ للوحاتك يلحظ العمق المعرفي فيها؟ هل يُفتَرض أن يكون المتلقي مثقفاً حتى يدخل فضاء عالمك الفنّي ؟

ربما أكون محظوظة إذا قلت إنني نشأت في بيت فنّي، فوالدي الدكتور عبد الرحمن المزين، أحد رواد الفنّ التشكيلي الفلسطيني، وهو أمين عام اتحاد الفنانين التشكيليين.

أذكر أنني كنت في الرابعة من عمري حين رسمت أوّل لوحة بالألوان الزيتية في مرسم والدي في دمشق وقد شجعني على ذلك، تعلمت الفنّ في مدرسته قبل أن أتعلمه في المدرسة والجامعة.  

كان لتشجيعه الأثر الأكثر في مسيرتي الفنية، خاصة عندما كان يعطيني الألوان ويدعوني للرسم وهو ما خفف عني رهبة التجريب فيما بعد.

لذلك كان كلّ معرضٍ لي، حالة تجريبية مُختلفة عن الأخرى، لكن يربطها أسلوب خاصٍ بي.

 كذلك كان والدي باحثاً في التراث الفلسطيني، أحببتُ التراث من خلاله، أخذتُ عنه ميزة البحث، فأيّ مشروعٍ فنّي لا أخده بشكله الاعتباطي، إنما أدرسه وأقرأ عنه، استقي رموزه وبعدها أوظف ذلك في العمل.

 فعندما أناقش المتلقي في عملي يكون لديّ الأدوات المعرفية والمفاتيح الأساسية لهذا العمل، من خلال مرجعيات هذه الرموز، كيف وظفتها، تبعاً للموضوع، أحياناً عندما أختار موضوعاً معيناً يفرض عليّ نمطاً معيناً اللوحات .

ـ وعن ارتباط مريم بالذات والوطن تقول الفنانة:

 عندما أسمع هذا الاسم مريم، يتشكّل لديّ وطن، هذا الاسم يعني لي الكثير وتحديداً في هذه اللوحات

مريم هي الوطن، لأنني عشت دائماً في حالة من الغربة، سكنت في دمشق ومصر ولبنان وتونس ومنذ طفولتي كان يتردد في مخيلتي اسمان؛ الأول سلمى والثاني مريم وكلاهما بالنسبة لي كناية عن فلسطين أو هما من ” ريحة لبْلاد” عندما عرفت أنني سوف أرزق بطفلة، لم أتردد في تسميتها مريم،  ليبقى صدى اسمها يتردد في مسامعي كفلسطين.

 أمّا الأسود والرمادي في اللوحات، هو حالة الانتظار للرجوع إلى الوطن هو الذاكرة الأليمة أيام الهجرة، لازال يعبّر عن الذاكرة الأولى وعن الشتات، الحزن الذي نتوارثه جيلاً عن جيل، هناك دائماً غصّة في القلب اسمها فلسطين.   

 المجموعة الثالثة هي قريبة إلى قلبي، وهي جزء من ذاكرتي مع طفلتي مريم، اسم هذه المجموعة “أعمى البصر” وهي رسالة إلى ابنتي و إهداء خاصّ لها.

 أتمنى أن تقرأ يوماً هذه الرسائل، غالباً ما تكون هناك غشاوة على عيوننا، نتمنى أن تكون هذه الغشاوة فقط على البصر، وليست على القلب.

 في اللوحات تمت تغطية العيون لأنّها تعبر عن حالة الغشاوة أو عدم رؤية الحقائق كما يجب

 استخدمت مفردة ال “جي بي اس” لأقول لها: اتبعي قلبك، ليدلّك على الحقيقة أتمنى أن تُزال هذه الغشاوة يوما ما وترى الحقيقة كما هي، كذلك تكرر حروف اسم مريم في اللوحات وكأنها صدى أو نداء عميق يتكرر بوتيرة تحمل الكثير من الشحنات العاطفية والحروف تحمل حالة وجدانية قلقة.

أمّا عن رأيه في التجربة الإبداعية للفنانة ريما، يقول الفنان الفلسطيني أحمد شمّا:

ريما المزين فنانّة ذات عُمق في التجربة الفنيّة وفي فلسفتها لموضوعات لوحاتها ومعارضها، عندما نتحدّث عن ريما، نتحدث عن عشرين معرضاً، لم يخلُ أيّ معرضٍ منها من دراسة حقيقية عميقة لفكرة وموضوع المعرض، دراسة احترافية بصريّة للألوان.

الفنان الذي يشتغل على لوحته هو فنّان حقيقي، الفنّ ليس صدفة بقد ما هو اشتغال على مضمون العمل.

واللوحة لا تأتي صدفة آنية، هي نتيجة دراسة، تحمل رسائل وأبعاد تقرأ آنيا ومستقبلاً، هذا الكلام ليس اعتباطاً وإنما مبنيّ على تجارب فنانين عالميين، ومدارس فنيّة عالميّة مازلنا ننهل منها.

يجب أن يكون للفنان هوية، لا يمكن أن تذهب إلى مكان في العالم وترى لوحة ريما إلاّ وأن تعرف أنّها، تحمل بصمتها ومدرستها الفنيّة التي اشتغلت وتعبت عليها وقد نجحت في انتاج هذه الهوية والبصة البصرية، هذا لا يعني ألاّ يكون الفنان مجرّباً، لكن أن يكون له هويته وخصوصيته.

أمّا عن معارض الفنانة في صالة أرابيسك، فقد كانت عبر ثلاث سنوات متتالية، كان المعرض الأول بعنوان “نورق من جديد” و الثاني هو “مسافة آمنة” والذي تحدثت أعماله عن حالة ال “لوك دوان”

تمنت في لوحات المعرض أن يكون هناك باركود خاص بفلسطين.

أما المعرض الحالي “أنا ومريم”  فالسمّة الغالبة في لوحاته، هي الحالة الوجدانية، فمريم بما تمثله من هوية و تراث، هي الزيتون، زهر الحنون والبرتقال، هي الجسد، هي الطهارة، ليس الاسم مرتبطاً فقط بالأمومة وإنما هو النداء الذاتي الداخلي .

يُذكر أنّه المعرض الرابع لريما  في ألمانيا و الثالث في برلين بالتعاون مع غاليري أرابيسك.

– من جهة أخرى إن المتتبع لمسيرة الفنانة، يلحظ اعتناءها بعناوين معارضها، يأتي ذلك من خلال حرصها على التركيبة الجمالية اللغوية لعنوان المعرض إذ غالباً ما يثير الدّهشة، يمكن القول إنها بالإضافة إلى انتاجها لغةً بصريةً خاصّة بها، أيضا هي كانت حريصة على إبداع لغة إشارية ايحائية من خلال التركيب اللغوي لعناوين معارضها الشخصيّة

مثل: مريم: رمزٌ ولون، 2012، بالفلسطيني2013، أنا لست رقما2013، أنا لستُ دميةً 2014 ، الحضور والغياب 2014، حكايتها مع الشجر 2015 ، أصالة خيل2015،  من فلسطين رمزٌ ولونٌ 2016، ملائكة البحر 2017 ، غصن زيتون 2018، باركود 2020،  دِقلة 2020، سنورقُ من جديد2021، مسافةٌ آمنة 2021 ، وطن بدل فاقد، وأنا ومريم 2022 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا المقال برعاية  الفنان احمد شما

.